دخل الاتفاق العراقي ــ الإيراني، إلى جانب النظام السوري، لإنشاء طريق بري سريع بين طهران ودمشق مروراً بالعراق، حيز التنفيذ، وفقاً لما تؤكده مصادر عراقية رسمية قالت، لـ"العربي الجديد"، إن وفوداً فنية إيرانية وصلت إلى العراق، وعقدت اجتماعين مع مسؤولين تابعين للأمانة العامة لمجلس الوزراء، حول المشروع القاضي بربط شبكة الطرق الإيرانية السريعة بنظيرتها العراقية وصولاً إلى الحدود السورية فدمشق، في مسار قد يصل لأكثر من 1200 كيلومتر، قد يمتد لاحقاً إلى الأراضي اللبنانية.
يأتي ذلك بعد أيام من اجتماع عسكري رفيع المستوى عقده رئيسا أركان الجيش العراقي الفريق عثمان الغانمي، والإيراني محمد باقري، إلى جانب وزير دفاع النظام السوري العماد علي عبد الله أيوب، جرى خلاله بحث عدة ملفات، بحسب ما كشف عنه المسؤولون الثلاثة، بينها الحدود وفتح المنافذ البرية بين العراق وسورية خلال أيام. وقال مسؤول عراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "الوفد الإيراني الموجود في بغداد يبحث تحديد مسار الطريق، وتفاصيل أخرى معظمها فنية"، موضحاً أن "هذه هي الخطوة الأولى من المشروع، الذي لا يزال على الورق حتى الآن بالنسبة للجانب العراقي على الأقل". وأشار إلى أن "الإيرانيين يرغبون بمسار آمن وبعيد عن القواعد أو مناطق وجود الأميركيين والتحالف الدولي حالياً. كما أنهم لا يريدون إنشاء طريق جديد، كون كلفته باهظة جداً، بل أن يتم استخدام شبكة الطرق العراقية الدولية المشيدة في ثمانينيات القرن الماضي، مع إضافة الخدمات إليها ووضع علامات مرورية وإشارات ولوحات الدلالة والاحتياطات الأمنية وغيرها"، لكنه أوضح أنه "لا يوجد حتى الآن قرار محدد بشأن أي مسارات سيتم الاتفاق عليها".
وأكد المسؤول أن "الإيرانيين يستعجلون تنفيذ المشروع، ويطرحون عدة نقاط تعود بفوائد على العراقيين، بينها توفير فرص عمل للعراقيين وتشغيل الشاحنات التابعة للقطاع الخاص في العراق واستحصال السلطات العراقية على رسوم نقل للسيارات المتجهة إلى سورية". وأشار إلى أن "المشروع لم يوضع موضع التنفيذ بعد داخل العراق، وهو ما زال قيد التباحث، لكن بالنسبة إلى الإيرانيين، فإن هناك إنشاءات بقطاع الطرق في المدن الحدودية مع العراق، مثل كرمنشاه". وأوضح أن "هناك مسارين حالياً، يعتقد أنه سيتم اختيار أحدهما. الأول يبدأ من منطقة قصر شيرين في محافظة كرمنشاه الإيرانية الحدودية، والذي سيدخل من بلدة كلار العراقية الحدودية ويتصل بالطريق العام ويمر بعدة بلدات في شمال شرق بغداد، مثل كفري وطوزخورماتو، وصولاً إلى سلسلة جبال حمرين ونينوى ثم محافظة دير الزور. ويبلغ طول الطريق بين أولى المدن الإيرانية وأولى المدن السورية نحو 450 كيلومتراً ويستغرق أكثر من 6 ساعات بالسيارة. والمسار الثاني، وهو الرئيسي والمستخدم بين العراق وسورية كممر تواصل رسمي قبل اندلاع الثورة السورية. ويبدأ الطريق الإيراني من محافظة ديالى الحدودية عبر بلدة المنذرية ويمر بمحاذاة بغداد ويتجه إلى أبو غريب ثم الفلوجة والرمادي وصولاً إلى القائم، وهذا المسار هو الطريق الدولي الذي يربط بغداد بدمشق وعمان والرياض أيضاً، حيث يتفرع في النقطة 160 منه غربي الرمادي إلى ثلاثة مفترقات، الأول يتجه إلى دمشق والثاني إلى عمان والثالث نحو بلدة عرعر السعودية الحدودية مع العراق. ويبلغ طول هذا المسار نحو 600 كيلومتر، وتم إجراء عمليات صيانة عليه في وقت سابق من قبل حكومة الأنبار المحلية بعد معارضة كتل سياسية موالية لطهران في العراق إحالته لشركة أوليف غروب الأميركية الأمنية التي عرضت صيانته واستثماره كممر تبادل تجاري ونقل النفط بين العراق والأردن. وهو ما قد يفسر سبب اعتراضها السابق على منح الطريق لشركة أمنية تتولى حمايته، ودعم انتشار فصائل الحشد الشعبي على طوله".
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد وقع مع رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، في بغداد أخيراً، 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم للربط السككي والبري بين البلدين، وإنشاء مناطق تجارية حرة وأخرى للتبادل واتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين البلدين. وقال عضو في لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التنفيذ هو الخطوة التالية للطريق بعد موافقة العراق على الموضوع خلال زيارة روحاني إلى بغداد". وأضاف أن "الإيرانيين يتحدثون عن خطط وصولهم للمتوسط براً عبر العراق، ولا يمكن اعتبار ذلك مشروعاً تجارياً بل سياسياً، والعراق سيقوم بدور المستضيف لا أكثر، والحرس الثوري والمليشيات ستنتقل من إيران إلى لبنان وسورية والعراق وبالعكس بشكل يسير للغاية. ويمكن القول إن تنفيذه واعتباره مشروعاً قائماً أخطر ما يواجه الدول العربية اليوم"، متوقعاً "ألا تتفرج واشنطن على هذا المشروع خلال الفترة المقبلة".
وقد تؤدي الخطوة الإيرانية إلى وقف الأمم المتحدة ومنظمات دولية جهودها لإعادة إعمار الجسور المدمرة في الأنبار ونينوى، والبالغ عددها 129 جسراً، بينها 49 على نهري دجلة والفرات. وقالت مصادر عراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "أي خطوات فعلية على الأرض لاستغلال ايران شبكة الطرق الحالية ستؤدي بشكل شبه مؤكد إلى وقف جهود أممية والتحالف الدولي لإعادة إعمار الجسور وإصلاح الأضرار التي أصابت الطريق الدولي". ولم تدل الحكومة العراقية بأي تعليق حيال الموضوع رغم أهميته. واعتذر مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عن الرد على سؤال لـ"العربي الجديد" حول مشروع ربط إيران بسورية عبر العراق، على اعتبار أنه لا يوجد ناطق مخول للحديث باسم الحكومة رغم مضي نحو خمسة أشهر على تشكيلها. غير أن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي النائب محمد الحيدري قال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العراق ليس في وضع أمني أو سياسي يسمح بتنفيذ هذه الاتفاقية في الوقت الحاضر"، معتبراً أن "هذه المشاريع سياسية، وفرضها يعود إلى مصالح دول إقليمية وليس العراق". وتابع "نحن كلجنة أمن برلمانية ليس لدينا مانع للانفتاح على الدول الإقليمية، لكن بما يخص سورية فإن وضعها صعب جداً في الوقت الحاضر، ولم يحسم فيها شيء، لا سياسياً ولا أمنيا".
وحذّر سياسيون من مغبة شق هذا الطريق عبر العراق. وقال القيادي في تحالف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، محمد نوري العبد ربه، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الطريق خطر على اقتصاد وأمن العراق"، داعياً إلى "البحث عن مصلحة العراق بالدرجة الأولى قبل أن نبحث عن مصلحة إيران وغيرها". وتساءل "ما هي الكلفة الحقيقية لهذا الطريق، وما الجدوى الاقتصادية منه، وما مدى تأثيره من الناحية الاقتصادية على العراق؟"، مضيفاً "إذا كان فيه موارد اقتصادية قوية للعراق، فإنه من الممكن القبول به، لكنّه قد يكون مجرد مصدر اقتصاد ربحي لإيران، وقد يسبب خسارة للعراق، لذلك يجب أن ندرس الموضوع بطريقة جدية قبل أن يتم اتخاذ أي قرار". وأضاف "قد يكون هدفه تفعيل الهلال الشيعي، وخصوصاً أنّ سيطرة إيران على جزء من العراق مدخل إلى سورية ولبنان، وهذا يوحي بأنّ هناك أهدافاً وأطماعاً إيرانية كبيرة في المستقبل لتكوين الهلال الشيعي، أو حتى للسيطرة على المنطقة".