ما زال من المبكر الكشف عن كامل ظروف وملابسات مقتل زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دروكدال، في عملية فرنسية في منطقة تساليت في شمال مالي، غير بعيد عن الحدود الجزائرية. وبغضّ النظر عن الأسئلة المتعلقة بمدى تأثّر التنظيم الإرهابي بمقتل قائده، وانعكاس ذلك على نشاطه الميداني، فإنّ قراءات سياسية تربط بين توقيت إعلان مقتل دروكدال، وبين سعي فرنسا للدفع بمزيد من المبررات لتواجدها في المنطقة، وإثبات فاعلية ملاحقتها للمجموعات الإرهابية النشطة فيها، خصوصاً بعد تزايد الضغوط والقلق الإقليمي من التواجد الفرنسي.
لم يعترف تنظيما "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"أنصار الإسلام" (المرتبط بالقاعدة) حتى الآن، بمقتل دروكدال وملابسات ذلك، لكن معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، أفادت بأنه "قُتل عندما كان بصدد التوجه للقاء زعيم تنظيم أنصار الإسلام، إياد أغ غالي، وحضور اجتماع لكبار قيادات التنظيمات المتحالفة والمنضوية تحت تحالف أنصار الإسلام"، المعلن منذ مارس/آذار 2017، ويضم تنظيمات "أنصار الدين" و"كتيبة الصحراء لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وكتيبة "المرابطون" و"كتائب ماسينا" ويقوده الدبلوماسي المالي السابق في مدينة جدة بالسعودية، إياد غالي. وبحسب المعلومات، "من المرجح أن يكون قد قتل مع دروكدال في العملية نفسها مسؤوله الإعلامي وسائقه، إضافة إلى ثلاثة من حراسه المرافقين له والمكلفين بتأمينه".
والأسبوع الماضي، نشرت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، تغريدة على "تويتر" أكدت فيها القضاء على دروكدال وعدد من مرافقيه خلال عملية عسكرية شمال مالي. وكتبت بارلي: "في 3 يونيو/حزيران، تمكنت القوات العسكرية الفرنسية بدعم من الشركاء، من تحييد أمير تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال والعديد من المقربين منه، وذلك خلال عملية في شمال مالي". ووصفت العملية العسكرية بأنها "نجاح باهر وضروري للأمن والاستقرار في المنطقة"، في إشارة إلى تعاون استخباراتي، من دون أن تقدم مزيداً من التفاصيل حول مكان العملية.
ويجمع متابعون للحركات الجهادية في الجزائر وامتداداتها في منطقة الساحل وشمال أفريقيا، على أنّ مقتل دروكدال يمثّل ضربة قاصمة ستضعف تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتعزز فرص القضاء على المجموعات التابعة له، سواء في الجزائر أو في منطقة شمال مالي والساحل، وتؤكد نجاح الملاحقة الأمنية ضدّ هذه المجموعات. فضلاً عن أنّ هذا النجاح، سيثير حالة من الشكّ داخل صفوف "القاعدة" وتنظيم "أنصار الدين" المتمركز في شمال مالي، وكذلك الشكّ في الشبكات المحلية الحاضنة التي تدعم التنظيم في المنطقة. لكن التأثير الأكبر سيقع بالدرجة الأولى على المجموعات المتبقية لـ"القاعدة" في الجزائر، والتي تفقد للمرة الأولى منذ عام 2004 رأس التنظيم، بما يعنيه ذلك من تأثير على عناصر هذه المجموعات، خصوصاً الذين التحقوا بعد 2004 بالمجموعات المسلحة، فضلاً عن التأثير اللوجيستي والتنظيمي لناحية علاقة هذه المجموعات ببعضها.
لكن وبخلاف هذه التوقعات المتعلقة بتداعيات مقتل دروكدال، فإنّ الخبير في شؤون الجماعات الجهادية في منطقة الساحل، حسين آغ عيسى، يقدّم قراءة معاكسة، إذ يرى أنّ تمكّن الفرنسيين من الوصول إلى زعيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لن يضعف التنظيم. ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "برأيي القاعدة الأم لم تضعف بمقتل أسامة بن لادن، لأنّ التنظيم بهياكله لا يعتمد على شخص واحد، هناك عشرات القادة لا يقلّون أهمية عن دروكدال في التنظيم. ولذلك، أعتقد أنّ مقتله لن يكون له أي تأثير على القاعدة ونشاطه في الساحل والجزائر". ويضيف "من المهم الانتباه إلى أنّ القاعدة تنظيم ذو مؤسسات لا تكمن قوتها في الأشخاص". ويشير آغ عيسى إلى أنّ التنظيمات المسلحة تلجأ في الغالب إلى تكثيف نشاطها الميداني وإبراز حضورها لردّ الاعتبار من جهة، ونفي تأثرها بمقتل القائد من جهة ثانية. وعلى هذا الأساس، يمكن توقع تنفيذ المجموعات المسلحة لعمليات انتقامية لمقتل قائد "القاعدة"، بالطريقة نفسها التي تلت مقتل القائد السابق للتنظيم نبيل صحراوي بعد عام 2004، والتي بلغت أوجها بسلسلة التفجيرات الاستعراضية عام 2007 في العاصمة الجزائر، ومدن جزائرية أخرى.
ويلفت أغ عيسى إلى أنّ "مقتل دروكدال تمّ تأكيده من قبل مصادر مقربة من التنظيم"، مضيفاً "ما أعتقده أنّ استهدافه له ما قبله، بمعنى أنّ هناك ترتيبات سبقت ذلك، أي أنه لم يعد ورقة رابحة بالنسبة للقوى التي كانت تتخذ منه هدفاً للاشتغال في المنطقة. هذا بغض النظر عن محاولة الفرنسيين إثبات أنهم فعلاً في المنطقة لمحاربة هذه التنظيمات". وتابع: "لم نرَ تعليقاً للجزائر على الموضوع بعد، علماً أنّ دروكدال يهمها كثيراً، وهو ما يجعلنا في حال نظرنا إلى الأمر بعين مجردة، نرى أنّ الجزائر ربما لا تريد التعليق على الموضوع لأنه تم بالتنسيق مع أمنها من تحت الطاولة، أو أنها كانت غائبة ولم تكن تعلم بالعملية، أو أنها تفضل تجاهلها لاعتبارات سياسية تخصّ موقفها من تواجد فرنسا في المنطقة".
ولا يعرف مدى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الجزائر وفرنسا في ما يتعلّق بمقتل دروكدال، سواء في تقاسم المعلومات بشأنه أو في ترتيبات عملية قتله، خصوصاً أنّ الأخير ظلّ لسنوات العدو والمطلوب الأول للأمن الجزائري، وليس هناك من شكّ في أن تكون الاستخبارات الجزائرية على علم بخروجه من الجزائر ووجوده في مكان ما في شمال مالي. وكان لافتاً أنّ الإعلان عن مقتله جاء بعد يوم من مكالمة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، إذ يرجح أن يكون ماكرون قد نقل إلى تبون الخبر قبل الإعلان عنه، لذا لم تعلق الجزائر على الموضوع. غير أنّ مراقبين يرجعون عدم تعليق الجزائر إلى اعتبارات مكانية، كون مقتل دروكدال تمّ خارج الحدود من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ أيّ تعليق لها يمكن أن يفهم على أنه تزكية للوجود الفرنسي في شمال مالي، لا سيما في ظلّ تزايد الحساسية السياسية بين الدولتين في الفترة الأخيرة، والرفض الجزائري المتصاعد والذي بدأ يأخذ أشكالاً مختلفة، سياسية وميدانية، للتواجد الفرنسي في شمال مالي قرب الحدود الجزائرية وفي الساحل عموماً.
عند هذا المستوى، يطرح مقتل دروكدال من قبل فرنسا، وبغض النظر عن كونه هدفاً أمنياً، والإعلان عنه في توقيت معيّن متخم بالتحولات السياسية في المنطقة وعلاقتها بفرنسا نفسها، شكوكاً حول ما إذا كان ذلك جزءاً من سياق تعتمده فرنسا لتبرير وجودها في المنطقة وإبراز فاعليتها في محاربة الإرهاب وقدرتها على الوصول إلى رأس التنظيمات الإرهابية، خصوصاً مع بدء التضييق عليها في النيجر ومالي حيث خرجت في وقت سابق تظاهرات تطالب برحيل القوات الفرنسية، فضلاً عن محاولات نبش الماضي الاستعماري في تونس، وهزيمة محور باريس في ليبيا وحليفها الرئيسي هناك اللواء المتقاعد خليفة حفتر. هذا بالإضافة إلى بروز مواقف جزائرية تعبر عن قلق سياسي معلن من التواجد الفرنسي في مالي، لا سيما أنّ خمسة اجتماعات متتالية لمجلس الأمن القومي في الجزائر، تطرقت بشكل مركز إلى الوضع في مالي.
ويمكن فهم التحرك الجزائري الأخير في مالي وموريتانيا وتشاد لتقديم مساعدات ميدانية، بينها إرسال 35 عربة عسكرية للجيش المالي، على أنها تصب في سياق السعي لمضايقة التواجد الفرنسي في الأخيرة والساحل، وتعويضها بقوة إقليمية أفريقية تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ويدخل تحت هذا المسعى إدراج بند في مسودة الدستور الجزائري يقضي بإمكانية إرسال وحدات من الجيش إلى خارج الحدود.