حرب عفرين تقلق واشنطن: تخوف من تصادم في منبج

24 يناير 2018
تتحرك القوات المهاجمة من أكثر من محور (كريم كوكلار/الأناضول)
+ الخط -
مع دخول عملية "غصن الزيتون" التي أطلقتها تركيا في منطقة عفرين السورية، يومها الرابع أمس الثلاثاء، أثارت المواقف الأميركية من العملية تساؤلات كبيرة، فبعد تأكيد واشنطن على "حق أنقرة في حماية حدودها وأمنها القومي"، عادت أمس لانتقاد الهجوم ودعوة تركيا لكي تكون عملياتها "محدودة في الحجم والمدة". وترافق هذا الموقف مع وجود وفد أميركي في أنقرة للتنسيق مع السلطات التركية حول العملية. وتربط المواقف العلنية الأميركية قلق واشنطن بتأثير عملية عفرين على جهود محاربة تنظيم "داعش" وزعزعة استقرار هذه المنطقة، إلا أن تصريحات أميركية مسربة كشفت عن منحى آخر للقلق الأميركي، يتمثل في التخوّف من أن تتخطى تركيا في "غصن الزيتون" منطقة عفرين، وتصل إلى منبج، حيث توجد قوات أميركية وأخرى من "سورية الديمقراطية" تحظى بدعم أميركي، مع التشديد على أن أولوية واشنطن حماية قواتها.

أما ميدانياً، فبدت المعارك في رابع أيام عملية "غصن الزيتون" أقل ضراوة من الأيام الثلاثة السابقة، إلا أن المؤشرات تدل على أن القوات المهاجمة تتعمد فتح محاور قتال جديدة يومياً ومن جهات مختلفة، لتشتيت خطط الوحدات الكردية، والتي أعلنت أمس حالة "النفير العام" دفاعاً عن عفرين.

وبينما كان وفد من المسؤولين الأميركيين، برئاسة مستشار وزارة الخارجية الأميركية، جوناثان كوهين، وعضوية مسؤولين من وزارة الدفاع الأميركية، يزور تركيا أمس حيث التقى مسؤولين في وزارة الخارجية وقيادة الأركان، برز موقف لافت من وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الذي دعا تركيا إلى "ضبط النفس" في هجوم عفرين. وقال ماتيس في جاكرتا للصحافيين المرافقين له في جولته في آسيا "إننا نأخذ على محمل الجد مخاوف تركيا الأمنية المشروعة، لكن العنف في عفرين يحدث بلبلة في منطقة كانت حتى الآن مستقرة نسبياً من سورية". وأضاف "إننا نطلب من تركيا التحلي بضبط النفس في عملياتها العسكرية وكذلك في خطابها والحرص على أن تكون عملياتها محدودة في الحجم والمدة". وتابع: ماتيس "لدينا خلافاتنا (مع تركيا). لكن في الوقت نفسه، أود أن أقول فقط إن من الأفضل بكثير لتركيا وللأكراد وللسنة أن يكون الأميركيون في وضع يمكنهم من التأثير على الموقف بدلاً من (رئيس النظام بشار) الأسد".

وجاء الموقف الأميركي في ظل غياب إجماع دولي في الموقف من عملية عفرين، إذ انتهت جلسة لمجلس الأمن الدولي الإثنين حول الوضع في سورية من دون إصدار أي إدانات أو قرار. وأبدى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان قلقه أمس إزاء العملية التركية ودعا حكومة أنقرة إلى ضبط النفس في عملياتها ضد القوات الكردية.

وقد يكون المبرر الأبرز لرفع النبرة الأميركية تجاه العملية التركية ما نقلته وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين، بأن السؤال الرئيسي للولايات المتحدة بشأن الهجوم هو ما إذا كانت أنقرة ستواصل التقدم من عفرين إلى منبج حيث توجد قوات أميركية وحلفاء لها في مواجهة تنظيم "داعش". وقال مسؤولون أميركيون، وفق "رويترز"، إن منع الرئيس التركي طيب أردوغان من تنفيذ تهديده بطرد "قوات سورية الديمقراطية" من منبج أمر محوري بالنسبة لواشنطن. وقال مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه للوكالة "منبج حررها التحالف وهذا سيُنظر إليه بشكل مختلف إذا ما بدأت تركيا التحرك في ذلك الاتجاه". وأضاف "تحدث الأتراك بشأنها، لكن ليست هناك دلالة على أنهم سيواصلون التحرك شرقاً حيث توجد قواتنا. في المرحلة الحالية، في عفرين معركة مختلفة جداً ووضع مختلف للغاية عما إذا تقدموا شرقاً". وقال مسؤول أميركي ثان طالباً عدم نشر اسمه، بحسب "رويترز": "سيكون هذا مبعثا للقلق ونحن نراقبه عن كثب. حماية قواتنا أولوية قصوى". وفي السياق نفسه، كان لافتاً قول المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية أدريان رانكين غالوي لـ"رويترز" إن "الجماعات الكردية المسلحة في عفرين" ليست جزءاً من التحالف ضد "داعش".


يأتي هذا التخوّف الأميركي في ظل تأكيد أردوغان أمس أن بلاده "لن تلتفت" إلى أقاويل ومواقف بعض الدول من عملية "غصن الزيتون"، مضيفاً في كلمة له أمس خلال مشاركته في تشييع ضابط قُتل في العملية: "لن نسمح لحفنة من الإرهابيين بالتمركز على حدودنا". وترأس الرئيس التركي اجتماعاً أمنياً في المجمع الرئاسي في أنقرة بحضور كبار المسؤولين المعنيين، للاطلاع على تطورات العملية. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، بعد الاجتماع، إنّ عملية "غصن الزيتون" ستستمر "حتى تطهير المنطقة تماماً من المنظمة الإرهابية الانفصالية، وعودة أصحاب سورية الأصليين الذين تستضيف منهم تركيا نحو 3 ملايين ونصف، بأمان إلى منازلهم".

كما كان لافتاً ما نُقل عن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو من أن بلاده تسعى لتفادي أي اشتباك مع القوات الروسية أو الأميركية خلال عمليتها ولكنها ستتخذ كل الخطوات اللازمة لضمان أمنها. وذكرت وكالة "رويترز" أن قناة "خبر ترك" التلفزيونية نقلت عن جاووش أوغلو قوله: "الإرهابيون في منبج يطلقون دوماً نيراناً استفزازية. إذا لم توقف الولايات المتحدة هذا فسنوقفه نحن". وأضاف "هدفنا هو عدم الاشتباك مع الروس أو النظام السوري أو الولايات المتحدة، ولكن محاربة التنظيم الإرهابي". وأكد أن تركيا ستستمر في القيام بكل ما تعتبره ضرورياً، مضيفاً: "سواء منبج أو عفرين أو شرقي الفرات أو حتى تهديدات من شمال العراق، لا يهم... إذا كان هناك إرهابيون على الجانب الآخر من حدودنا فسيمثل ذلك تهديداً لنا".

أما على الأرض، فبدت المعارك في رابع أيام عملية "غصن الزيتون"، أقل ضراوة من الأيام الثلاثة السابقة، في وقتٍ بدأت تتبلور فيه ملامح محاور الجبهات التي تم فتحها في محيط منطقة عفرين واسعة الامتداد طولاً وعرضاً؛ وهي محاور تتوزع شمال وغرب وشرق وجنوب منطقة عفرين، التي تتألف من نحو ثلاثمائة وخمسين قرية، تتوسطها مدينة عفرين.

وتؤشر المعطيات الميدانية، إلى أن القوات المهاجمة تتعمد فتح محاور قتال جديدة يومياً، ومن جهات مختلفة، وهذا تكتيك يهدف كما يبدو لتشتيت خطط دفاع "وحدات حماية الشعب" الكردية. ففي أول وثاني أيام "غصن الزيتون"، فتح الجيش التركي جبهات قتال شمال وغرب عفرين، ولكن الوحدات الكردية، واجهت الإثنين هجوماً من محور جديد، فتحه الجيش التركي مع فصائل الجيش السوري الحر المُساندة له من جهة اعزاز وجبل برصايا شرق عفرين، فيما هدأ هذا المحور أمس الثلاثاء، في الوقت الذي تركز فيه القصف أمس، والذي قد تعقبه محاولات تقدم للقوات المهاجمة، في جنوب غرب عفرين، عند محور أطمة- جندريس.

وفي آخر التطورات الميدانية أمس، جدد الطيران التركي استهدافه لمناطق تسيطر عليها الوحدات الكردية في قرى عفرين، خصوصاً المناطق القريبة من شمال غرب اعزاز، قبل أن تستهدف المدفعية التركية، مناطق قريبة من جندريس جنوب غرب عفرين، وهو ما يُعتبر أول هجومٍ عسكريٍ من محور أطمة-جندريس، الذي لم يشهد خلال الأيام الثلاثة للعملية العسكرية التركية، أي تحركٍ عسكري من قصف واشتباكات. وتزامن ذلك، مع اشتباكاتٍ من محور راجو، شمال غرب عفرين، بينما استمر الهدوء في المحيط القريب من مدينة عفرين، وهدأت كذلك جبهات القتال شرقاً، التي كانت انطلقت من اعزاز نحو جبل برصايا، وفقدت الوحدات الكردية منه الإثنين أجزاء استراتيجية، قبل أن تستعيد معظمها في وقتٍ لاحق عبر هجومٍ معاكس.

وأكد مصدرٌ عسكري من فصائل الجيش الحر التي تساند الجيش التركي، انسحاب قوات المعارضة التي تقدمت بدعم الجيش التركي، إلى مرتفعاتٍ حاكمة في جبل برصايا شرق عفرين، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التقدم والتراجع في محور اعزاز جزء من الخطط العسكرية المعتمدة في معركة عفرين". ولدى سؤاله عن سبب اعتماد الجيش التركي فتح محاور قتال من شمال وغرب عفرين وجنوبها الغربي، مقابل برودٍ نسبي في نقاط تماس الوحدات مع "درع الفرات" شرق عفرين، قال إن "الجانب التركي وزّع القوات العسكرية على مختلف الجبهات، وفي جهات عفرين الأربع، ولكنه يعطي أولوية الآن للمحاور الغربية والشمالية لعفرين، كونها متاخمة للحدود مباشرة مع تركيا".

من جهتها، أعلنت "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال سورية أمس الثلاثاء حالة "النفير العام" دفاعاً عن عفرين. وقال المستشار الإعلامي للوحدات الكردية في عفرين ريزان حدو لوكالة "فرانس برس" إن "إعلان النفير العام يعني دعوة كل الأكراد في سورية إلى حمل السلاح" دفاعاً عن عفرين.

ووفق خريطة السيطرة الميدانية حتى مساء الثلاثاء، فإن القوات المهاجمة برياً اندفعت نحو عفرين حتى الآن عبر عدة محاور؛ من قرية شنكال بعد السيطرة عليها ومحيط قرية بلبل شمال عفرين، وشيخ حديد وراجو غربها، واعزاز-برصايا شرقها، مع احتمال فتحها لمحور أطمة-جندريس جنوب غرب عفرين، كونه شهد أمس أول التحركات العسكرية منذ بداية عملية "غصن الزيتون".

وعموماً، فإن منطقة عفرين التي تتوسطها هذه المدينة، وتتموضع حولها نحو ثلاثمائة وخمسين قرية، تُحاط من الشمال والغرب بالحدود التركية، بينما تمتد جبهات المعارضة والجيش الحر في محيط عفرين من طرفيها الشرقي والجنوبي، وتحديداً من الحدود السورية التركية غرب الدانا نحو بلدة دارة عزة جنوب غرب عفرين وحتى بلدة حيان شمال مدينة حلب على طول 15 كيلومتراً. كما تمتد الجبهات بين الطرفين في شرق عفرين من الحدود السورية التركية شمالاً وحتى تل رفعت. ووفق ذلك، فإن مناطق سيطرة الوحدات الكردية في منطقة عفرين، محصورة من جهاتها الأربع، بين الحدود التركية شمالاً وغرباً، ومناطق "درع الفرات" شرقاً، ومناطق سيطرة المعارضة جنوباً؛ لكن للنظام السوري مناطق نفوذٍ منها قاعدته في حلب، وقرى نبل والزهراء وجب الخميس، وتقع إلى الجنوب الشرقي من عفرين، وتتصل بمناطق سيطرة الوحدات الكردية، وهي المنفذ الوحيد لعفرين الذي يصله بمناطق ليست تحت سيطرة المعارضة أو الحدود التركية.

المساهمون