الاتحاد الأوروبي يهتز: ميركل وحيدة وسط أزمة اللاجئين

19 فبراير 2016
يُخشى من أن تتراجع ميركل عن دعمها للاجئين(شون غالوب/getty)
+ الخط -

لم تأت العبارات التي أطلقها رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بداية الأسبوع من العاصمة الرومانية، بوخارست، من فراغ، حين حذّر من أن الاتحاد الأوروبي يجتاز حالياً "لحظة حساسة"، إذ إنها كافية لتؤكد الواقع الذي يعاني منه الاتحاد وينذر ببداية نهايته، نتيجة تشعب أزماته بدءاً من أزمة اللاجئين والاستفتاء المقترح حول عضوية المملكة المتحدة، مروراً بالرقابة على الحدود واتفاقية شينغن، وصولاً إلى صعود الأحزاب اليمينية والقومية في عدة دول، يتوقع أن تشكل محور النقاشات في نهاية هذا الأسبوع في بروكسل. 

وتظهر مختلف المؤشرات أن فكرة الاتفاق على توزيع اللاجئين قد تراجعت بشكل ملحوظ، بعدما كانت محوراً أساسياً في اجتماعات القادة الأوروبيين، نتيجة الانتقادات الحادة التي وجهت للمستشارة أنجيلا ميركل على خلفية تبنيها هذه القضية، وهي التي اعتُبرت حتى الأمس القريب الشخصية الأقوى في أوروبا.

اقرأ أيضاً: استخدام القوة ضد المهاجرين.. دعوات تتصاعد في أوروبا

وإزاء هذه التطورات، عادت دول فيسغراد المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا لتؤكّد رفضها استقبال اللاجئين، والعمل على إغلاق طريق البلقان بوجههم، وبالتالي نسف خطط ميركل. مع العلم أن المجر وبولندا من بين أكبر المستفيدين من أموال الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن التدابير التي فرضتها الدول الإسكندينافية على حرية التنقل في فضاء شينغن أخيراً. 

وهذا ما زاد الضغط على ميركل كون السياسة الأوروبية المشتركة تجاه اللاجئين باتت قاب قوسين أو أدنى من نهايتها. يضاف إلى ذلك، التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس من ميونخ معلناً فيها أن فرنسا غير مستعدة لإيواء أكثر من 30 ألف لاجىء وعدت باستقبالهم سابقاً. مع العلم أن رئيس البرلمان الأوروبي حذر أخيراً من انهيار أوروبا، قائلاً إن "أوروبا يمكن أن تنهار، وانهيارها هو هدف للجماعات المناهضة لها والقوميين المتطرفين الذين يحققون الانتصار تلو الانتصار في الانتخابات الأوروبية. نحن بحاجة للتضامن أكثر من ذي قبل، لأن أوروبا تتعرض لضغوط لم يسبق لها مثيل".

وكانت قضية اللاجئين محل انتقادات ألمانية داخلية من أحزاب حليفة ومعارضة للحزب الحاكم، طالبت ميركل بالتخلي عن "لياقتها السياسية" والتسامح تجاه اللاجئين وتعدد ثقافتهم، في ظل فقدان السيطرة على الحدود والتناقض بين الواقع والقانون.

وحول إمكانية الحد من تدفق اللاجئين نحو أوروبا، يرى مراقبون أنّه ليس هناك توجه لاعتماد حلول سياسية على المستوى الأوروبي حالياً، انما يبقى التعويل على الإجراءات التي تتخذها تركيا من خلال فرضها تدابير إدارية، كفرض تأشيرة دخول على السوريين، إضافة إلى تشددها في مراقبة سواحلها. 

على المستوى الداخلي، لا يتوقع أن تقف الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بوجه المهاجرين، بل قد تسهل لهم مغادرة حدودها الى غرب أوروبا، وبالتالي ليس هناك من إمكانية لخفض عددهم حالياً. مع العلم أن ألمانيا شدّدت اجراءاتها على حدودها مع النمسا منذ بداية العام الحالي، ومنعت من لا يملك وثائق سفر صالحة، أو من يرفض التقدم بطلب لجوء لديها من دخول أراضيها.

وعن تداعيات هذه الأحداث على المستقبل السياسي للمستشارة ميركل، يعتبر مراقبون أن مهمتها ازدادت صعوبة، وأن المستفيد الأكبر من هذه الانقسامات هو الأحزاب اليمينية كونها ستزداد قوة وحضوراً، وهذا ما بينته أحدث استطلاعات الرأي، إذ حلّ الحزب البديل لأجل ألمانيا ثالثاً، متفوقاً على أحزاب ألمانية عريقة. وبحسب المراقبين، فإن أهداف هذه التحركات التي تقوم بها تلك الأحزاب اليمينية و"حركة بيغيدا" تتمثل في تأليب الرأي العام، وخلق الشك لديه بسياسة الأبواب المفتوحة تجاه اللاجئين، إذ يطالبون في اعتصاماتهم المستشارة بالرحيل، ويؤكدون أن ألمانيا تبقى للسكان الأصليين، فقط.

ويبقى الخوف من أن تتراجع ميركل عن دعمها للاجئين، خصوصاً أن البلاد مقبلة خلال الربيع المقبل على انتخابات محلية في عدد من الولايات الألمانية. فيما يبدو واضحاً أن البعض يحاول الاستفادة من هذه الأحداث سياسياً، عبر إطلاق الاتهامات بحق اللاجئين، وهو الأمر الذي تحاول الأحزاب السياسية الحاكمة الخروج منه بأقل خسائر ممكنة والحؤول دون استفادة اليمين المتطرف قبل الانتخابات المقررة في خريف 2017. يأتي ذلك في وقت يزداد خوف الأوروبيين من تدفق أعداد جديدة من اللاجئين إلى ألمانيا والضغط على الدولة والمجتمع، لاسيما أن ميركل تركت الباب مفتوحاً لاستقبالهم، ولم ترض بتحديد سقف محدد لأعدادهم.

وبالنسبة الى المزاج العام في ألمانيا، يعتقد على نطاق واسع أن سياسة الترحيب التي لقيها اللاجئون لم تعد كما في السابق، فيما زادت حدة الانتقادات للمسؤولين، فضلاً عن بروز مطالب إلى الحكومة بإظهار قوتها في هذه القضية ودون استعراض، والتعامل على قدم المساواة بين من يقوم بإحراق مراكز إيواء للاجئين، ومن يخرق القانون ويرتكب أعمال عنف في البلاد.

اقرأ أيضاًمخاطر انهيار "الشنغن" في أوروبا

المساهمون