ليبيا: تحولات سياسية وعسكرية غير حاسمة

14 يوليو 2017
أثناء معارك قوات حفتر في بنغازي أخيراً(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد الساحة الليبية في الفترة الأخيرة، تطورات سياسية - عسكرية عنوانها التخبط المستمر منذ بدء اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملياته العسكرية باسم "عملية الكرامة" من بنغازي عام 2014، وفشله في تحقيق انقلابه العسكري في العام ذاته من داخل طرابلس. تتمثل هذه التطورات بالحسم العسكري في بنغازي لمصلحة حفتر، مقابل فشله في درنة، وبتعيين السياسي والأكاديمي اللبناني، غسان سلامة، خلفاً للدبلوماسي الألماني، مارتن كوبلر، في منصب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، مروراً بمحاولة توسع قوات الشرق إلى سرت بلا نتيجة حتى الآن، وصولاً إلى حسم قوات "المجلس الرئاسي" الوضع في العاصمة طرابلس، وظهور ملامح خلاف بين حفتر ورئيس البرلمان المنعقد بطبرق، شرقي ليبيا، عقيلة صالح.

هي تطورات شديدة الأهمية، لكن من غير المتوقع أن تحسم المشهد الليبي في أيّ اتجاه، لأن الحسم العسكري محكوم بالفشل لأي طرف، والحل الليبي محكوم بالإجماع السياسي والقبلي والإقليمي والدولي، وهو ما يجمع عليه عارفون بالتفاصيل الليبية، ومن بينهم مبعوث أممي سابق إلى هذا البلد.

وطيلة الفترة التي أعقبت إطلاق "عملية الكرامة" من قبل حفتر في عام 2014، بدأت الأوضاع السياسية والعسكرية تتمحور حول الأحداث المرتبطة به، خصوصاً بعد نجاح حلفائه الإقليميين والمحليين في إقناع نواب البرلمان نهاية العام نفسه، في اتخاذ طبرق مقراً لهم، ليصبحوا واجهة سياسية لمساعي حفتر العسكرية، مع أن هذا الأمر أدخل البلاد في انقسام سياسي وأمني واضح منذ تلك اللحظة. وساهمت المحاولات الدولية والأممية لإخراج البلاد من أزمتها عبر حوارات سياسية، بالتوصل إلى توقيع اتفاق سياسي نهاية عام 2015، إلا أن حفتر ماطل في تنفيذه بسبب احتوائه على بنود تلغي الشرعية الممنوحة لعمليته العسكرية.

والانقلاب المفاجئ في مواقف حفتر الرافضة للاتفاق السياسي، جاءت أخيراً خلال كلمته في ثالث أيام عيد الفطر الماضي، عندما منح "القادة السياسيين في البلاد مهلة ستة أشهر" لإنقاذ البلاد قبل أن يتدخل عسكرياً لحسم الموقف، وهي الكلمة التي اعتبرها مراقبون اعترافاً مفاجئاً لحفتر بالاتفاق السياسي الذي تنتهي مدته بعد ستة أشهر في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. والأمر اللافت الثاني في موقف حفتر المتحول هو إعلانه الترحيب بالمبعوث الأممي الجديد، غسان سلامة، وسط تساؤلات عن مغزى ترحيبه، كونه رفض مقابلة المبعوث السابق مارتن كوبلر، تحت ذريعة أنه غير معني بالشأن السياسي.



ورأى محللون أن التحول المفاجئ في مواقف حفتر جاء بالتوازي مع تقدمه العسكري الكبير في بنغازي وسيطرته على أجزاء واسعة من الجنوب الليبي، وهو ما شجع داعميه الإقليميين والدوليين على إقناع المجتمع الدولي بضرورة إفساح المجال له من خلال تعيين سلامة مبعوثاً جديداً مرشحاً من قبل فرنسا، والمعروف بعلاقاته الوطيدة مع ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، ومع المسؤولين الفرنسيين الذين يُعتبرون، شأنهم شأن الإماراتيين، من الداعمين الرئيسيين لحفتر ولمعسكره.

لكن حفتر يواجه صعوبات ميدانية لا يمكن تجاهلها. فبعدما حرص، يوم الأربعاء الماضي، على الظهور مرتدياً الزي العسكري لإعلان سيطرته على بنغازي، أتت تصريحات قادة عسكريين تابعين له، لتؤكد استمرار القتال في بنغازي، فضلاً عن تأكيدات من قبل "مجلس شورى بنغازي" على ذلك. وفي وقت يسعى فيه حفتر لاتخاذ خطوات جديدة في المسار العسكري، جاءت الصور والمشاهد في مناطق الصابري وسوق الحوت، التي أعلن حفتر عن تحرير بنغازي بعدما سيطر عليها، لتصدم الرأي العام بفعل مشاهد الدمار الكلي جراء القصف الجوي المكثف عليها، ما استدعى تعميماً عسكرياً بمنع الأهالي من الدخول إلى هذه المناطق بحجة انتشار كميات كبيرة من الألغام والمفخخات فيها. وهذا الواقع يظهر أن أي تقدم ميداني يحققه حفتر يبدو مستحيلاً دون التسبب بدمار كامل للمدن التي يستهدفها، ليحولها بالتالي إلى أرض محروقة.

كذلك، فشل حفتر في التقدم باتجاه سرت. فلم تمر ساعات على تصريحات للمتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، بأن مؤتمره الصحافي المقبل "سيكون من قلب سرت"، حتى هاجمت سرايا تابعة لحفتر سرت من ثلاثة محاور، لكن قوات "البنيان المرصوص" تمكنت من صدها.

وتزامن الهجوم على سرت مع معلومات جديدة كشفت عنها "عملية البنيان المرصوص"، يوم الجمعة الماضي، حول اشتراك مقاتلي تنظيم "داعش" المتمركزين في مناطق جنوب وشرق سرت في الهجوم مع "مليشيات الكرامة على سرت من ثلاثة محاور"، مؤكدةً أن "مليشيات الكرامة" عادت لمنطقة العامرية، شرق سرت، التي لا يزال "داعش" يحتفظ بتواجد فيها، ما يطرح علامات استفهام حول وجود علاقة بين الطرفين.

كذلك، شنت قوة تابعة لـ"مجلس شورى درنة" أخيراً عمليات نوعية ضد مواقع قوات حفتر بمحيط سرت، أوقعت خلالها عدداً من الإصابات في صفوفها، وهو ما يضعف الصورة التي أراد حفتر تسويقها للرأي العام المحلي والدولي، وهي أنه يحكم سيطرته على شرق البلاد، وأن لديه إمكانية تحقيق انتصارات عسكرية باتجاه الغرب.

وبدأت ارتدادات تصريحات حفتر الفاشلة من البرلمان، إذ دعا عضو برلمان طبرق، زيدا دغيم، والمعروف بدعمه لحفتر، إلى ضرورة توضيح التحذير والتهديد الذي وجهه حفتر ومن قبله المسماري إلى القادة السياسيين، قائلاً خلال حديث له مع صحيفة "المرصد" الليبية، إنه "يجب إيضاح من تستهدف مثل هذه التهديدات". وحمل سؤاله الموجه لحفتر تذمراً من إخفاقاته، قائلاً "إذا كان الجيش يملك حلولاً لإنهاء معاناة الشعب فلماذا يتأخر ويؤجل ذلك لأشهر؟".

وتلت هذه التصريحات موافقة رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، على مناقشة النقاط الخلافية في الاتفاق السياسي، عبر إعلان البرلمان عن قبوله لدعوة هولندية للجلوس مع ممثلي مجلس الدولة في طرابلس، لبدء مفاوضات جديدة من أجل وضع الاتفاق السياسي حيز التنفيذ. ويشاع منذ فترة عن وجود خلاف بين صالح من جهة، وحفتر من جهة ثانية، من دون أي تأكيد لهذه الأنباء.

وتوجه صالح للتفاوض مع خصوم البرلمان في طرابلس، وإنْ حمل رسالة غير مباشرة لرفض تهديدات حفتر بالانقلاب على الاتفاق السياسي ومخرجاته بعد ستة أشهر، يبدو أنه جاء على خلفية قناعته بعدم امتلاك حفتر قدرة لحسم الموقف عسكرياً، لا سيما في طرابلس التي نجح المجلس الرئاسي بإجلاء المجموعات المسلحة المناوئة للاتفاق السياسي منها، بل ومنعها من العودة إليها. وكان المجلس الرئاسي حذر أخيراً، بعض المجموعات المسلحة من الاقتراب من العاصمة، مشيراً إلى أنه على تواصل مع دول كبرى "للالتزام بتعهداتها حيال دعم المجلس الرئاسي وحماية العاصمة"، وهي بكل تأكيد رسالة غير مباشرة لحفتر وحلفائه في البرلمان، أن العاصمة قد تكون عصية على مساعيهم العسكرية.