العراق على وقع الانتفاضة: تحالفات مهددة بالتفكك

19 نوفمبر 2019
استمرت التظاهرات في مناطق مختلفة (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
على عكس رهان الحكومة العراقية وقوى سياسية داعمة لها بأن موجة البرد والأمطار التي بدأت في العراق، ستدفع إلى تقليل أعداد المتظاهرين والمعتصمين في ساحات وميادين التظاهرات في بغداد وجنوب ووسط العراق، بقي آلاف العراقيين يتناوبون على المبيت في ساحات الاعتصام في الجنوب العراقي والعاصمة بغداد، على الرغم من الليل الماطر والبارد. قابل ذلك، بروز ملامح تفكك وشيك لتحالفات سياسية عدة، وهو ما بدأ يتضح، وفق نواب وسياسيين عراقيين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، مشيرين إلى أن قسماً من هذه التحالفات انتهى ولا يحتاج سوى إلى إعلان ذلك رسمياً، مرجعين السبب إلى التظاهرات وما أحدثته من هزة داخل القوى السياسية.

المتظاهرون في جنوب العراق، والذين أعادوا أمس الإثنين التلويح مجدداً بورقة قطع الطرق المؤدية إلى حقول ومنشآت النفط والموانئ في البصرة وميسان وذي قار، تمكّنوا أيضاً من نصب سرادق كبير عند أبواب الدوائر الرسمية في مدن عدة، ما يؤشر إلى تدشين مناطق اعتصام جديدة. وقال ناشطون في جنوب العراق لـ"العربي الجديد"، إن هناك اعتقاداً يتعزز يوماً بعد آخر بأن الحكومة صارت تستخدم فصائل مسلحة في مواجهة التظاهرات في الجنوب. وقال ناشط مدني في ميسان، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنهم يبحثون عن "هوية مسلحين يرافقون الحشود الأمنية المحيطة بالتظاهرات كل يوم ويرتدون ملابس سوداء، بعضهم ملتح وآخرون يغطون وجوههم، وهم متورطون في أغلب عمليات القتل والقمع، لكن الشرطة لا تفصح عنهم ولا يمكنها أيضاً إيقافهم، على ما يبدو، لكنهم في العادة يقفون في مناطق وقوف قوات الأمن".

من جهته، أكد عضو التيار المدني العراقي عباس جاسم البهادلي، أن "فكرة العودة للمنازل وترك الشوارع بعد استشهاد هذا العدد من الشبان مستبعدة"، مضيفاً "لم يعد رجل دين أو شيخ عشيرة أو ناشط أو متظاهر قادر على أن يطلب من الناس إنهاء التظاهرات، ومن يفعل سيضع نفسه في مكان غير جيد بالمطلق". وتابع في تصريح لـ"العربي الجديد": "يمكن القول إن التطور الجديد في الجنوب أن تظاهراته صارت تتناغم مع بغداد والناشطين فيها في ما يتعلق بالشعارات والمطالبات، وبدا ذلك واضحاً في توحيد تسمية جمعة الصمود على تظاهرات الجمعة الماضي، وكذلك الإضراب".

وشهدت 16 مدينة وبلدة موزعة على محافظات البصرة وميسان وكربلاء والنجف والكوفة والقادسية وذي قار والمثنى وواسط وبابل، تظاهرات واسعة شارك فيها طلاب المدارس والجامعات المضربين عن الدوام لليوم الثاني على التوالي، أبرزها الناصرية والمجر والرفاعي والمشخاب والغراف وبدرة والحلة وشط العرب والعشار والمديّنة والعمارة والسماوة والديوانية وسوق الشيوخ والكوت والصويرة، ورُفعت فيها شعارات مختلفة، منها "باسم الدين باكونا الحرامية"، و"لا تسمي نفسك شيخ وانت بايك فلوس اليتامى"، و"ألف مليار دولار وين المي والكهرباء"، و"أنعل أبو إيران لأبو الأميركان". في السياق، اتسعت رقعة التظاهر في بغداد لتشمل ساحات التحرير والطيران والخلاني وجسري الجمهورية والسنك، وبداية شارع الرشيد، وشارع السعدون الذي وضع متظاهرون فيه ما يشبه نقاط تفتيش للداخلين إلى ساحة التحرير، بعد تفجير ليلة السبت الماضي.

في غضون ذلك، أكدت مصادر أمنية عراقية ارتفاع عدد ضحايا الاختطاف إلى أربعة شبان لهم صلة بالتظاهرات ودعمها، وهم قتيبة عبد الحسين وعلي ياسر والصحافي محمد الشمري وعامر النعيمي. ووفقاً لمسؤول في وزارة الداخلية العراقية، فإن ثلاثة مختطفين هم من بغداد والرابع من ميسان، ويجري التحقيق في اختفائهم وجمع البيانات والمعلومات عن ظروف ذلك.


في المقابل، فإن التظاهرات العراقية ومع ما حملته من عفوية وشعبية واسعة، تسبّبت بتصدع كبير داخل القوى السياسية المختلفة، وفقاً لنائب عراقي، قال لـ"العربي الجديد"، إن الإعلان عن تفكك أو موت بعض التحالفات السياسية التي أُسست في العامين الأخيرين بات وشيكاً، خصوصاً داخل تحالفي "الإصلاح"، و"الفتح". وقال النائب عن تحالف "الفتح"، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن تحالف "دولة القانون مع منظمة بدر وحركة العصائب بات مهدداً بفعل مساعي كل كتلة التنصّل من حالة الفشل والمسؤولية أمام الشارع، فالحزب الشيوعي بات في حكم المنفصل عن التيار الصدري، وكتلة عمار الحكيم التي أعلنت عن نفسها ككتلة معارضة لعادل عبد المهدي ثم عادت داعمة لها بضغط إيراني تجد نفسها منبوذة من تحالف النصر"، بزعامة حيدر العبادي. وأضاف أنه "بعد انطلاق التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، أصبحت هناك انقسامات كبيرة في التحالفات السياسية، وحتى داخل الحزب أو الكتلة نفسها بسبب فقدان السيطرة على إعادة الشارع لما كان عليه سابقاً في السنوات الماضية".

وأقر بذلك القيادي في ائتلاف "دولة القانون" سعد المطلبي، الذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات أحدثت هزة حقيقية أصابت بُنية التحالفات السياسية"، مضيفاً "التظاهرات فرضت معادلة جديدة سترضخ لها كل القوى السياسية". من جهته، أكد القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" أثيل النجيفي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "التظاهرات والاحتجاجات الشعبية صدّعت فعلاً التحالفات السياسية، وشهدنا تجمّع معظم القوى السياسية لتأييد ودعم حكومة عبد المهدي، ورفض إقالتها، فيما ثلاث جهات انحازت إلى المعارضة بعد التظاهرات، وهي جبهة الإنقاذ بزعامة أسامة النجيفي، وائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، وائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، وهذه الجهات هي فقط الآن معارضة وتطالب بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة مؤقتة تكون مهمتها إجراء انتخابات". وأضاف أن "بقية القوى السياسية اتفقت على دعم وتأييد الحكومة ورفض إقالتها، فهي تعتبر إقالة الحكومة خسارة كبيرة للمكاسب التي حصلت عليها".

في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "التحالفات السياسية ما قبل التظاهرات والاحتجاجات كانت في أزمة، خصوصاً في ما يخص المعادلة السياسية ومضيها نحو المحاصصة، وانفراط عقد تحالف الإصلاح والإعمار وهشاشة تحالف البناء والفتح". وأكد الشمري أن "انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) دفعت في تجاه إعادة تموضع هذه القوى السياسية، ليس فقط على مستوى الإخفاق في الأداء الحكومي، بل العامل الأساسي هو طبيعة التعاطي مع هذه الحركة الاحتجاجية على مستوى عدم القدرة على إنتاج حلول على مستوى الممسكين بالمعادلة السياسية أو على مستوى المقاربة الأمنية التي وُضعت من قبل هذه المعادلة السياسية، وبالتحديد الحكومة". ورأى ان "تحالف النجيفي - علاوي - العبادي، هو نتاج لهذه العوامل، فهم يبحثون عن مخرج للأزمة والحفاظ على ما تبقّى من المستقبل السياسي لقواهم، ومع ذلك أعتقد أن هذا التحالف سيكون محفزاً لباقي القوى التي تجاوزت المنطقة الرمادية إلى حد ما، فتحالف سائرون مؤهل أن يكون الضلع الرابع في التحالف الجديد".
ولفت المشري إلى أن "تحالف الثلاثة +1 (سائرون، الوطنية، النصر، جبهة الإنقاذ)، إذا طرح حجب الثقة عن عادل عبد المهدي، من الممكن أن يشهد الطرح تأييداً تحت قبة البرلمان"، معتبراً أن "العراق سيكون أمام مشهد جديد، لكن هذا المشهد سيواجه مضادات سياسية من قبل أطراف داخلية تعمل على إحباط أي تمحور، وقد تكون أطراف إقليمية لها مصلحة في بقاء تحالفات سياسية كهذه".

المساهمون