مصر على كف موازنة القهر

04 يوليو 2016
الفقر يلف أحياء مصر (Getty)
+ الخط -
وافق البرلمان المصري على الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2016 -2017، وقد سبق طرح الموازنة إحساس عميق لدى الدولة بالأزمة الاقتصادية وتوسعها. وخاصة في ما يتعلق بفشل السياسة النقدية في كبح جماح التصاعد المستمر لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه، الذي أدى إلى ارتفاع نسب التضخم. واستدعى ذلك القلق إحساساً مفرطاً بكل نقد أو تحليل يوجه للسياسات الاقتصادية بما فيها السياسة النقدية. حتى أن رئيس البرلمان علي عبد العال، شن هجوماً شديداً على النواب الذين ينتقدون السياسات الاقتصادية للدولة وحذرهم من الدخول في نقاشات عامة أو التحدث لوسائل الإعلام في هذا الشأن. 
وتزامن مع ذلك توجيه اتهامات لمنظمات المجتمع المدني بأنها تهدم الدولة، نظراً لعقدها تدريبات وحلقات نقاش تستهدف دعم دور النواب الرقابي ومساعدتهم في تحليل وقراءة الموازنة العامة تمهيداً لمناقشتها داخل أروقة البرلمان.
ومن خلال الإصدارات التي نشرتها وزارة المالية حول الموازنة العامة، يمكن قراءة التوجهات العامة للسياسات الاقتصادية خلال العام المقبل.
وقد جاءت منشورات إعداد الموازنة بعبارات إنشائية تحدثت عن سير الدولة بخطوات ثابتة لحل الأزمة، وأنها تسعى لرفع نسب النمو وإحداث طفرة حقيقية في أداء الاقتـصاد المصري وتحسين جودة الحياة لجموع المصريين. لكن تلك العبارات الإنشائية لم تخف بالطبع توجهات الحكومة، التي أكدت في مشروع الموازنة أن القطاع الخاص والمبادرات الفردية لها الدور الرئيس في الاستثمار وتوفير التـشغيل. ووضعت الحكومة لها هدفاً أساسياً وهو زيادة موارد الدولة وتخفيض المصروفات، لخفض عجز الموازنة. واعتبرت الحكومة أن زيادة الموارد تتطلب رفع عائدات الضرائب، وقد أتى مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة الذي سيقدم لمجلس الشعب تحقيقاً لهذا الغرض. وجاء الجانب الآخر من بدائل الحكومة لحل الأزمة في تقليل المصروفات.

تضمّن هذا البند تخفيض دعم السلع وتخفيض الدعم الموجه لقطاع الطاقة ومنها البترول والكهرباء التي تنوي الحكومة رفع سعرها مجدداً طبقا للتوصية التي رفعت من قبل وزارة الكهرباء والطاقة والتي من المفترض أن تعلن منتصف الشهر المقبل. وكذلك خفض الدعم لخدمات مياه الشرب. وبهذا رأت الحكومة أنها نوعت مصادر تمويل عجز الموازنة، لكنها أهملت البعد الاجتماعي في الموازنة وحمّلت المواطنين أزمتها في إدارة الاقتصاد.
من جهة أخرى، ستسقط الأهداف التي أعلنت في الموازنة الجديدة صريعة للأزمة والتصورات الاقتصادية المنقوصة، حيث وضعت خطة الموازنة عددا من الأهداف الرئيسية، من ضمنها توفير فرص عمل حقيقية. ولكن لم تشر إلى كيفية توفير تلك الفرص في ظل ما تطرحه من بدائل، مكتفية بأنها ستركز على تأهيل الشباب بالشكل الذي يساعدهم على مواكبة التطورات السريعة في سوق العمل. الأمر الذي يشير إلى أن توفير فرص العمل سوف يكون ضمن القطاع الخاص أو ضمن المشروعات التي طرحتها الحكومة، وهي مشروعات لا توفر فرصا حقيقية ولا مستدامة بعكس ما تدعي الحكومة. بينما جاء الهدف الثاني تحقيق عدالة أكبر في توزيع الدخل، وهو أمر يتنافى مع السياسات الاقتصادية التي أعلنتها الدولة من تقليص المصروفات على الخدمات وضعف النفقات الموجهة للاستثمار الصناعي والزراعي.
بينما أتى الهدف الثالث مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي انطلاقاً من تخفيف أعباء الديون عن كاهل الأجيال المقبلة، وهو ما يمثل الكذب الصريح في ظل استمرار الدولة في الاقتراض وتلقي المساعدات المشروطة من هيئات ومؤسسات ودول.
موازنة الدولة الجديدة لم تحمل أي شيء جديد، فقط العبارات الإنشائية، إلى جانب وضع أهداف تتناقض مع السياسات التي يعلن عن تطبيقها. كما تتسم الموازنة بإهمال شديد للقطاعات الإنتاجية أو توجيه جزء من الإنفاق لدعم استثمارات جديدة أو دعم أخرى قائمة تعاني ومهددة بالتوقف. وهو الأمر الذي يعني أننا سنشهد على عام جديد من الأزمة الاقتصادية والتي ستنعكس بدورها على الوضع الاجتماعي، لتخلّف معدلات أعلى من تضخم الأسعار وتقلص فرص العمل وزيادة القهر.
(باحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية)



المساهمون