...ولبنان يستورد أكثر من 80% من احتياجاته

13 يونيو 2016
أسعارمتفاوتة في السلة الغذائية الرمضانية (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يجهد المرء في رحلة البحث عن الرافضين لارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في شهر رمضان. أم منير (50 عاماً) تعتبر أن المصاريف، في شهر رمضان، ترتفع بشكل مضاعف عن باقي أشهر السنة. وتقول: "ترتفع أسعار المواد الغذائية الخاصة بالمائدة الرمضانية، خاصة أسعار الخضار واللحوم". وتشير إلى أنها يومياً تتكلف ما يقارب 15 ألف ليرة لتحضير طبق "الفتوش" (نوع من السلطات اللبنانية الرمضانية)، وهو ما لا يستطيع أن يدفعه ذوو الدخل المحدود، أضف إلى تحضير الطبق الرئيسي، وبعدها الحلويات. تعتبر أم منير أن لشهر رمضان رونقه الخاص، حيث تتطلب العادات والتقاليد وجود كميات وأصناف مختلفة من الأطعمة على المائدة، كما أن الصائم يحتاج إلى كثير من الأطعمة بعد صيام أكثر من 12 ساعة.
يؤكد بدوره أبو محمد أن الأسعار في شهر رمضان ترتفع بشكل عشوائي دون معرفة السبب، خاصة أسعار اللحوم، ويقول: "مع بداية شهر رمضان، ترتفع أسعار السلع الغذائية بشكل لافت". مشيراً إلى أنه يتقاضى شهرياً نحو 800 دولار، وفي شهر رمضان يتبخر الراتب في أيام معدودة، ويذهب أكثر من نصفه لتسديد فاتورة الطعام فقط.

عادات موروثة
أما سعاد (41 عاماً) موظفة في إحدى دور النشر، فتعتبر أن نمط الاستهلاك في رمضان يختلف عن بقية أشهر السنة. ففي رمضان، لا يمكن أن يفطر الصائم على بعض المأكولات التي يتناولها في أيامه العادية، لأنه مجبر على الصيام طيلة 30 يوماً، وبالتالي فهو يحتاج إلى زيادة كمية الأطعمة التي يتناولها، ولا تنكر سعاد أن هذه الأفكار وعلى الرغم من عدم صوابها، إلا أنها موجودة ومكرسة في كل بيت لبناني، ولذا فإن الاستهلاك في هذا الشهر يرتفع، وهو ما يؤدي حتماً إلى زيادة نسب الاستيراد لتلبية حاجة المواطنين.


يقول مدير الخط الساخن في الجمعية اللبنانية لحماية المستهلك غالب السباعي: "قبل شهر رمضان، شهدت أسعار السلع الغذائية استقراراً نسبياً، لكن مع بداية الشهر ارتفعت الأسعار بشكل لافت، وعلى سبيل المثال ارتفع سعر الكيلوغرام من الدجاج أكثر من 30% عن معدله الطبيعي"، لافتاً إلى أن أسعار الخضار تتفاوت بين الأسواق الكبيرة والأسواق الصغيرة أو المحال التجارية في المناطق، حيث تشهد الأخيرة ارتفاعات في الأسعار.
إلى ذلك، يؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان، زهير برو، أن إشكالية ارتفاع الأسعار قديمة، تجدد نفسها دائماً، وهي تدور في حلقة تبدأ مع تحكم التجار الكبار بالسوق مروراً بالموزعين، فالبائعين وصولاً للمستهلك. ويقول : "لكي نراقب بشكل فعلي، علينا أن نحتكم لآليات عمل متكاملة، تأخذ بالاعتبار كل ما ورد"، مؤكداً أن ارتفاع الأسعار في لبنان له تشعبات كبيرة، فلبنان يستورد أكثر ممّا ينتج، ولذا نلاحظ ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.

تشير دراسة للقسم الاقتصادي في مصرف بلوم بنك اللبناني إلى أن لبنان يستورد أكثر من 80% من مواده الغذائية، وتتأثر الأسعار بحسب الأسواق العالمية، أضف إلى ذلك، وبحسب التقرير فإن قيمة الاستيراد السنوي في لبنان تشكل نحو نصف حجم الاقتصاد الوطني. وتضيف الدراسة إلى أن قيمة الاستيراد إلى لبنان ارتفعت بنسبة 130% خلال السنوات العشر الماضية لتبلغ 21 مليار دولار في العام 2013.
لاشك أن هذه الأرقام تعطي صورة واضحة عن حجم الاستيراد، سواء في شهر رمضان أو بقية الأشهر، وإن ترتفع وتيرة استيراد السلع الخاصة برمضان، مثل المكسرات، الفاكهة المجففة، وبعض السلع الغذائية الأخرى.
يعتبر برو أن بنية الاقتصاد اللبناني بنيت بشكل خاطئ، تسببت في تعميق الأزمة، داعياً في هذا الإطار المواطن اللبناني إلى اعتماد ثقافة الرفض والمقاطعة، إذ إن رفض المستهلك اللبناني للأسعار المفروضة عليه، ومقاطعة البضائع تحتم على صاحب المحل التجاري إلى تخفيض الأسعار، من أجل بيع المنتجات بدلاً من تكدسها في المخازن وفسادها.
تلعب ثقافة الاحتكار التي يعيشها لبنان دوراً رئيسياً في تحريك الأسعار، ويشير الخبير الاقتصادي، رولان رياشي، إلى أن الإنتاج الوطني في ما يتعلق بالخضار وجميع المواد الغذائية محتكر من قِبل أصحاب المزارع الضخمة، الذين يتحكمون بالسوق الداخلية. ويقول رياشي: "يتكامل هذا الاحتكار مع دور التجار الكبار في التحكم بالسوق وبالتالي بالأسعار، فتحديد الأسعار يأتي عبر المالكين والتجار"، مشيراً الى أن المزارعين الصغار لا ينالون حصة وافرة كما ينالها الكبار، وقد رأينا في حوادث متعددة احتجاج العديد من التجار الصغار للتعبير عن رفضهم تحكم مافيات معينة بالسوق، وفرض الأسعار.
من جهة أخرى، يلفت الخبير، رولان رياشي، إلى أن الإهمال تسبب في هذا الواقع، إذ إن غياب قانون تنافسي، واحتكار بعض الوكالات من قبل مجموعة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، أوصلت لبنان إلى ما هو عليه، وجعلت المواطن يدفع الثمن.
ويرفض الدكتور رياشي القول، إن الدولة غائبة، بل على العكس من ذلك، يؤكد أن الدولة حاضرة ولكنها حاضرة من خلال هؤلاء المحتكرين للسوق، فهم أنفسهم المحتكرون والمسؤولون عن الدولة، وهم أنفسهم الذين يمتلكون الأراضي الكبيرة الزراعية، وهم أنفسهم أصحاب الوكالات الحصرية. وبالتالي هم الذين لا يريدون إقرار قانون تنافسي يحد من سيطرة القلة على السوق اللبنانية.

المساهمون