إلى يمن جديد: التنمية واستغلال الثروات أساس إعادة الإعمار

28 مارس 2016
تدميركامل للبنى التحتية في اليمن (أحمد الباشا/ فرانس برس)
+ الخط -
دخل اليمن مرحلة حرجة للغاية في ظل حربٍ، يتمنى المواطنون أن تضع أوزارها، وتأخذهم الآمال في أن تكون هذه المحطة نهاية الأزمات التي يعيشونها منذ عقود، وأن تشهد مرحلة ما بعد الحرب إصلاحات تحقق العيش الكريم للأجيال المقبلة... "السياسة أفسدت كل شيء" عبارة يرددها المواطنون والاقتصاديون وبعض السياسيين، في حين يغوص البعض الآخر في الفساد، الأمر الذي جعل المواطن ومعه خبراء الاقتصاد يأملون في أن تكون التنمية عنوان مرحلة ما بعد الحرب. يؤمن خبراء الاقتصاد في اليمن بأن الأمل ببناء اقتصاد جديد بعد الحرب أمر ممكن، ويجمعون على أن مرحلة ما بعد الحرب تحتاج إلى مشروع مارشال لإعادة الإعمار، وهو المشروع الذي عمل على إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
يقول الخبير في السياسات التنموية، ناصر البحم: "يدير ملفات البلد سياسيون، همهم الأول السياسة التي تستحوذ على الحيز الرئيسي في أجندة الحكومة على حساب الاقتصاد، لينعكس ذلك سلباً على حياة المواطنين".

متطلبات عديدة

ويبرز أمام بناء اقتصاد ما بعد الحرب في اليمن عدد من المتطلبات، وفق ما يراه البحم، ويضيف لـ"العربي الجديد": "من أبرز هذه المتطلبات الوصول إلى تسوية سياسية حقيقية ومستدامة، حيث لا يمكن بناء اقتصاد في فترة قصيرة، ويحتاج ذلك إلى مدى متوسط وطويل الأجل. وفي حال تم التوصل إلى هذه التسوية يمكن الحديث عن تعاف اقتصادي، فضلاً عن خلق استقرار أمني وسياسي وتوقف الحرب في مختلف المناطق اليمنية.

لتأتي بعد ذلك عملية إيجاد إدارة كفوءة ونزيهة، بمعنى أن تجعل الحكومة أجندة الإصلاحات الاقتصادية على رأس قائمة أولوياتها". ويؤكد البحم أن من أهم أولويات اقتصاد ما بعد الحرب، توفير الطاقة، وإيجاد برامج لرفع مخلفات الحرب أو إعادة الإعمار، كون ذلك سيولد الثقة لدى المواطن ويشعره بعودة الاستقرار، إلى جانب القيام بتعويضات الحرب للمتضررين، سواء في القطاع الخاص أو المواطنين.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جبران فيقول لـ"العربي الجديد": "إن مسألة إعادة الإعمار ذات أولوية كبيرة في مرحلة ما بعد الحرب، خاصة أن عملية بناء الاقتصاد تتطلب إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية، حيث ستتجاوز كُلفة هذه المرحلة 200 مليار دولار". ويرى جبران أن هذه الكُلفة الباهظة تفوق قدرات اليمن، كما أنها قد لا تحظى بالدعم من قبل المؤسسات المانحة والمجتمع الدولي. ويشير إلى أن اعتماد مشروع مارشال الاقتصادي يُعد ضرورياً لمرحلة ما بعد الحرب في اليمن، ليتجه اليمن وشركاؤه الدوليون بعد مرحلة الإعمار نحو تبني مشاريع تنموية. ويحدد جبران الفترة الزمنية لإعادة بناء البنى التحتية بعامين، وأن يكون هناك تدفقات مالية من دول الخليج العربي لدعم إعادة البناء، فضلاً عن استيعاب هذه الدول للعمالة اليمنية، وبما يخفف من مشكلتي الفقر والبطالة.
"لاشك أن عملية إعادة الإعمار مسألة مهمة للغاية من أجل بناء اقتصاد ما بعد الحرب" كما يؤكد الخبير في السياسات التنموية، ناصر البحم، ويقول: "من أجل الإسهام في تحسين مستويات المعيشة والتخفيف من الفقر ومعالجة آثار الحرب، فإن الأمر يتطلب برنامجاً لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية ويتم تمويله من الدول المانحة لليمن، وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن بناء اقتصاد جديد مكلف جداً، لأننا بحاجة إلى برنامج تنموي على غرار مشروع مارشال الذي جاء بعد الحرب العالمية لإعادة إعمار أوروبا، يعقبه إيجاد برامج تنموية تسهم في معالجة أبرز معوقات التنمية "الفقر والبطالة" من أجل تحقيق الاستقرار. إلى جانب معالجة وترميم الخلل الكبير في الكيان الاقتصادي والنسيج الاجتماعي الذي خلفته الحرب. وبدون ترميم هذه الكيانات لا يمكن بناء اقتصاد ما بعد الحرب بصورة صحيحة.

في عام 2006 قُدرت احتياجات اليمن بحوالي 48 مليار دولار، من أجل تحقيق الحد الأدنى من التنمية البشرية على مستوى المنطقة، وفقاً لتقييم الاحتياجات الذي تم إعداده بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وبعد التداعيات والخسائر والأضرار الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد اليمني خلال العقد الأخير، فإن هذه الكُلفة ارتفعت أضعافاً كثيرة، يقابلها تدن أكبر في الموارد، وبالذات مورد النفط، وزيادة في أعداد السكان، بحسب ما يقوله البحم، حيث يطالب بضرورة أن تكون المساعدات والمنح الخارجية حاضرة، وألا تكون بالمستويات السابقة للمنح والقروض التي قُدمت لليمن، وإنما وفق برنامج شامل وطموح لتحقيق النهوض الاقتصادي.
وضعت وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية حزمة من الأولويات العاجلة في سبيل تجاوز التحديات والمخاطر التي تواجه الاقتصاد الكلي. وتشير في تقرير المستجدات الاقتصادية أكتوبر/تشرين الأول 2015 والذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، إلى أن الوقت الراهن بحاجة إلى صياغة رؤية وطنية شاملة لإعادة الإعمار والتنمية، بحيث تكون جاهزة للتنفيذ عند وقف الحرب، إضافة إلى التركيز على الكثير من القضايا التي ينبغي العمل على تنفيذها في الوقت الراهن وخلال فترة الصراع، من بينها توفير السلع والخدمات الأساسية، ودراسة متطلبات تأهيل القطاعات الاقتصادية ومدى قدرتها على المشاركة في عملية البناء الاقتصادي، وكذلك تحديد التدخلات ذات الأولوية المقترحة عقب التوصل إلى تسوية سياسية.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد سعيد أن اليمن يحتاج، في مرحلة ما بعد الحرب، إلى دعم كبير لبناء اقتصاده، وذلك من قبل المجتمع الدولي وعبر قنوات المنح والمساعدات، وبما يسهم في وضع البلد على خارطة التنمية الحقيقية، إلى جانب تحقيق الاستفادة الصحيحة من ثروات البلد المتعددة، ووضع برامج لتنمية هذه الثروات وإدارتها بالطرق السليمة. إضافة إلى أن يجد الاقتصاد مكانته الصحيحة بين أجندة الحكومة التي ستوكل إليها إدارة البلد فيما بعد الحرب.
ويرى سعيد أن تحقيق الأمن والاستقرار السياسي، من أبرز أولويات مرحلة ما بعد الحرب، ولا يمكن بناء اقتصاد أو تحريك عجلة التنمية من دون هذين العاملين. وفي حال تم إهمالهما، فإن ذلك سيعقد الأوضاع، إذ يمنع ذلك تدفق الاستثمارات إلى اليمن، ويتسبب في عزوف المنظمات والمؤسسات المانحة عن تقديم أية معونات أو منح لليمن.

اقرأ أيضاً:بلد الـ 20 مليون فقير:اليمنيون يعانون كل أشكال الحرمان
المساهمون