أديب أبو حبيب: التبعية السياسية مقتل النقابات

08 فبراير 2016
أديب أبو حبيب (حسين بيضون)
+ الخط -
يقول أمين سر المركز اللبناني للتدريب النقابي أديب أبو حبيب، إن الحركة النقابية يجب أن تغيّر في آليات عملها لتنسجم مع تغييرات سوق العمل، وإن التبعية للسلطة هي أكثر ما يفقد ثقة العمال بالنقابة، في حين أن المطلوب رفع المطالب...

وهنا نص المقابلة:

*لماذا تشهد النقابات العربية تراجعاً في عدد المنتسبين برغم القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي رفعتها الثورات؟
لا يمكن وضع النقابات العربية في سلة واحدة، لأن أكثرية النقابات في العالم العربي ألحقت بالقيادات السياسية في المرحلة السابقة. أما حاليا فهناك حراك شبابي وسياسي في العالم العربي، وتوجد موجة هامة لإنشاء نقابات مستقلة، وليست فرعاً من فروع الحزب الحاكم.
وأعتقد أنه على الانتخابات النقابية أن تشهد تغييراً دائماً، لتجديد الحياة النقابية وإدخال الشباب إلى صلبها. أما بالنسبة للانتسابات القليلة، فهي صورة عامة في كل أنحاء العالم. وحتى لو مثلت النقابة 10% أو 15% من العاملين، فإن أهميتها تنبع من تنظيمها ومن القضايا التي تطرحها. مثلاً قد يكون هناك 20 شخصاً في مؤسسة منتسبين إلى النقابة، ولكنهم أقوياء وأكفياء ويحققون المطالب، مما يجعلهم قطباً جاذباً للعمال كي يدخلوا إلى النقابات. ولكن حين لا تحقق النقابة شيئاً لن ينضم العمال إليها.

*هل فشل النقابات ذاتي، أو سببه السيطرة السياسية عليها؟
السبب ليس الفكر النقابي، إنما تدخل السلطة والأحزاب السياسية، والهيمنة على الحركة النقابية أدى إلى عدم ثقة العمال بالنقابات، وبخاصة أن النقابات لا تسعى إلى زيادة العضوية. يجب على النقابات أن تجري انتخابات، وما تفعله هو مخالف لأي منطق ديمقراطي أن 95% من النقابات تجري هذه العملية بالتزكية. والعمال لا ينتسبون إلى النقابات نتيجة الخلل الموجود. وبالتالي علينا إحياء العمل النقابي وتجريده من الشوائب.
مع الأسف يمكننا القول إن الحركة النقابية اليوم في أكثر مظاهر تشوهها على كل المستويات. الضعف الموجود اليوم هو ضعف الدور الأساسي للنقابة. ففي ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية اليوم يجب أن يكون دور الحركة النقابية متقدماً عن كل القوى السياسية، ولكن هذه المعادلة غير قائمة حالياً.

*ما هي الآليات التي يمكن اعتمادها لإعادة ثقة الشارع والعمال بالحركة النقابية؟
أنا أؤمن بأن حركة الناس ومطالبها كالماء، من الممكن إنشاء سد لإيقافها لبعض الوقت والتأخير من اندفاعها، ولكن لا يمكن لأحد إيقافها بشكل نهائي، لأنها في آخر الأمر ستنفجر. الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي فجرت السد. لهذه الأسباب أنا أرى أن النتائج اللاحقة لحركة الشعب لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل هي تراكمية والناس ستخلق قيادتها.
حين ينزل الناس إلى الشارع بناء على دعوة على موقع التواصل الاجتماعي، هذا يعني أنها فقدت الثقة بالقيادات السياسية، الناس هنا بدأت تتفاعل مع بعضها وتنزل إلى الشارع. وهذا يفتح أفقاً جديداً للحراك الاجتماعي العربي.

*هل تعتقد أن منظمات المجتمع المدني أصبحت بديلاً عن الحركة النقابية الواهنة في بعض الدول؟
في بعض الأدبيات، يضعون دائماً تعارضاً بين منظمات المجتمع المدني وبين النقابات، أنا أجد أن منظمات المجتمع المدني هي عنصر مساعد، ورافعة للتحركات النقابية، ولكنها بالطبع ليست بديلاً. مثلاً توجد منظمات تحمل مطالب فئة من المجتمع، وأخرى ترفع مطالب فئة أخرى، ولكن لا يمكنها أن تلتقي مع بعضها مع بعض حين تطرح مسألة تصحيح الأجور مثلاً، إلا ضمن إطار الحركة النقابية. والأخيرة هي الدينامو الذي يجب أن يحرك ويجمع منظمات المجتمع المدني.

*لماذا تستطيع الحركات النقابية في المغرب العربي أن تحاكي الناس وتحرضهم على النزول إلى الشارع، بينما هذا الأمر شبه مستحيل في المشرق العربي؟
لا أرى أن هذا التوصيف دقيق. لأنه لا يمكن اعتبار أن نقابات ليبيا قبل سقوط معمر القذافي كانت تنزل إلى الشارع مثلاً. والمغرب العربي ليس متجانساً نقابياً، الجزائر ليست كالمغرب. وليبيا ليست كتونس. كل بلد له خصائصه النقابية. وكذلك، لا أعتقد أن المعيار هو المنطقة الجغرافية التي تتواجد فيها النقابة، وإنما الأساس هو استقلال النقابات عن السلطة وأحزابها. وقوة الاتحادات النقابية تنبع أساساً من رفع مطالب الفئة التي تمثلها وتحصيل حقوقها. فمثلاً يمكن لنقابة تابعة للسلطة أن تنظم تحركاً في الشارع ولكن لن تستطيع تحصيل أي حق أو مكسب.

*البنك الدولي وغالبية المنظمات الدوليّة، في صدد تغيير خطابها الاقتصادي وتحسين مؤشراتها، إلى أي مدى يمكن أن ينطبق الأمر نفسه على الحركات النقابية؟
لا بد للحركة النقابية أن تفكر جدياً في كيفية مواجهة العولمة والتغييرات في البنى الاقتصادية والاجتماعية، لأن شروط العمل في العالم تغيرت، ولا شك أن هناك شروطاً محلية وشروطاً وطنية تسيطر على سوق العمل وتفرض شروطها الجديدة. وأعتقد أن الحركة النقابية العالمية تمر بمرحلة إعادة تكوين نفسها، وسنلحظ التغييرات بعد حين.
فقد انعقد في القرن الماضي مؤتمر جنيف الذي سمي بالمؤتمر العالمي للعاملين من الباطن. ما يعني أن شركة أجنبية تلزم شركة لبنانية مثلاً لتنفيذ مشروع، والأخيرة تنفذ. ولكن الشركة المستثمرة الأساسية ليست لبنانية، ولا يوجد رب عمل ظاهر. فأين تذهب حقوق العمال في هذه الحالة؟ من هو المسؤول؟ هنا كانت مطالبتنا أنه وفي أي اتفاقية مع أي شركات أجنبية يجب أن تكون الأخيرة ملزمة بتنفيذ القوانين الوطنية. هناك أيضاً العقود من البعد، أي على طريقة العمل الحر عبر التراسل، وهذا يحرم العامل من حقه في الضمانات الاجتماعية، ويوجد الكثير من آليات التوظيف المستحدثة التي تتطلب حراكاً وخطاباً نقابياً جديداً، وأطراً تضم فئات عمالية لم تكن موجودة قبل الفورة التكنولوجية مثلاً.
إذ إن ظروف العمل وشروطه العالمية تغيرت أيضاً. شركة البيبسي كولا مثلاً، مقرها الأساسي بمكان وفروعها في مكان آخر، ما يفرض تحديات واسعة على العمال وعلى طرق تحصيل حقوقهم. بالتأكيد هناك شيء مستقر، وهو العمال ومشكلاتهم. وهناك أيضاً العمالة الوافدة، التي تفرض أيضاً تعديلاً في آليات التمثيل النقابي، وتغييرات في مقاربة قضية المنافسة في سوق العمل.
المساهمون