روسيا انسحبت... ورطة الاقتصاد السوري تتعمق

21 مارس 2016
هبوط الليرة السورية مع انسحاب روسيا(جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
مع بداية التدخل العسكري الروسي في سورية، في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2015، انتعشت آمال الحكومة السورية في أن يساهم هذا التدخل في تحسن أداء الاقتصاد السوري، وأن يؤدي على نحو خاص إلى "الاستقرار". استقرار في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من جهة، واستقرار سياسي يشجع قطاع الأعمال المتحفظ نحو مزيد من الاستثمار من جهة أخرى. لكن الرياح لم تجر بما تشتهي سفن الحكومة السورية المتداعية والآيلة إلى الغرق، إذ جاء إعلان روسيا سحب الجزء الرئيسي من قواتها ليبدد أوهام الاستقرار ويخلق مزيداً من المصاعب الاقتصادية.
مع بداية التدخل العسكري الروسي في سورية، في 30 سبتمبر/ أيلول من العام 2015، كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، بلغ 330 ليرة. وسبق ذلك أشهراً من الانحدار المتواصل والحاد لليرة السورية، وهو ما خلق تكهنات أن ينجح التدخل الروسي في تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار. "فقد كان ضعف النظام السوري وحالة عدم الاستقرار أحد الأسباب الرئيسية للتراجع الكبير في قيمة العملة المحلية" وفق الباحث الاقتصادي معن الراعي. إلا أن ذلك، لم يحصل، فبعد أسبوع على التدخل الروسي، عاود سعر صرف الليرة السورية إلى الانحدار، وسجل، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، سعراً وسطياً بلغ 340 ليرة، وفي مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، سجل سعراً وسطياً 375 ليرة، ليبلغ في نهاية الشهر 390 ليرة.

هبوط الليرة 

في العام 2016، واصلت الليرة السورية تراجعها، الذي تسارع بصورة كبيرة، في شهر آذار/ مارس الحالي، لتسجل قبل يوم واحد من الانسحاب الروسي 440 ليرة.

وفي يوم الانسحاب الروسي، في منتصف شهر آذار/ مارس، وصل سعر الصرف إلى 460 ليرة مقابل الدولار. يرجح رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سورية"، الدكتور أسامة القاضي، في حديث لـ "العربي الجديد" أن يؤثر الانسحاب الروسي سلباً على الثقة الهشة باستقرار النظام، كما سيضاعف مخاوف فئة رجال الأعمال المحيطة برأس النظام، وسيدفعها لطلب أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة لتهريبها إلى خارج سورية خشية أي سقوط مفاجئ. ويقول القاضي: "لو تحقق الانسحاب الروسي بشكل كامل ومعه انسحاب كل من إيران وحزب الله، فقد يؤدي هذا إلى تعطيل ما تبقى من حياة اقتصادية في سورية، وقد يسرّع في هبوط سعر صرف الليرة السورية ليتجاوز 600 ليرة سورية مقابل الدولار في أقل من شهرين".
عولت الحكومة السورية على التدخل الروسي من أجل استعادة المعابر الحدودية مع كل من العراق والأردن، حتى تتمكن من العودة إلى تصدير المنتجات، إذ فقدت الحكومة السورية السيطرة على معظم معابرها البرية مع دول الجوار. وفي هذا السياق يعتقد الراعي أن السيطرة على المعابر الحدودية مع الأردن والعراق كانت تشكل أهمية اقتصادية كبيرة للنظام السوري، ولكن احتمال حدوث ذلك تراجع مع انسحاب روسيا، وخصوصاً في حال أوقفت مساعداتها العسكرية النظام.
كما شجع التواجد العسكري الروسي بعض رجال الأعمال والمستثمرين على افتتاح أعمال جديدة في منطقة الساحل السوري بسبب "تراجع حالة الرعب التي سادت مع الهزائم العسكرية التي مني بها النظام السوري في الأشهر التي سبقت تدخل روسيا"، وفق ما يؤكده أحد المقيمين في مدينة اللاذقية وصاحب مكتب عقاري لـ "العربي الجديد". ويضيف: "عقب التدخل الروسي، انتعش الطلب على العقار التجاري في مدينة اللاذقية، ويشمل ذلك الطلب المكاتب الخدمية والتجارية المتوسطة والعقارات التي يمكن أن تستخدم لأغراض صناعية وصولاً إلى المحلات الصغيرة المخصصة للبيع بالتجزئة والمطاعم.
فهل يؤدي انسحاب روسيا إلى عودة مناخ الخوف، وعدم الاستقرار من جديد، بما يعرقل عملية التوسع الاستثماري؟ يعتقد الباحث الاقتصادي معن الراعي، أن الانسحاب الروسي ربما يؤثر على الاستثمارات الضخمة ويدفعها للتريث قليلاً، خصوصاً وأن الأحداث تتطور بسرعة، ويقول: "لا أتوقع أن تتأثر الاستثمارات المتوسطة والصغيرة، أو أن أعمالها وخططها تتوقف في المستقبل القريب".
وأخيراً، مع عدم معرفة السبب الحقيقي لانسحاب روسيا، حتى اليوم، وفيما إذا كان ذلك يعود إلى خلاف مع النظام السوري، تبقى المشاريع المشتركة مجهولة المصير. ويشكك القاضي في قدرة النظام السوري على عرقلة تنفيذ العقود الموقعة مع روسيا، فهذا يعني تصعيداً شديداً ليس في صالح النظام السوري، كما لا يعني ذلك أن روسيا جاهزة للدخول في استثمارات اقتصادية كبيرة في وقت لا يزال فيه الأسد في سدة الحكم.
وخصوصاً، "أنهم حسموا أمرهم في حدوث انتقال سياسي ينهي الحرب ويوفر الاستقرار والأمان لأي استثمارات محتملة".

اقرأ أيضاً:الزراعة السورية: سلاح روسي ضد تركيا؟
المساهمون