قوانين تنتهك مصر

09 مارس 2015
تشريعات وقوانين نكبل الاقتصاد المصري (Getty)
+ الخط -
تمثل التشريعات القانونية انعكاساً لصورة موازين القوى الاجتماعية، وكذلك تعبر عن توجهات وانحيازات السلطة. لذا لا يمكن قراءة أي قانون وفهم فلسفة إصداره إلا عبر فهم طبيعة السلطة التي تصدره. فليست التشريعات مجرد بنود يضعها متخصصون بمعزل عن حالة الصراع السياسي والاجتماعي، ومن هذا المنظور يمكن فهم التشريعات التي تصدرها لجنة الإصلاح التشريعي، وخاصة التشريعات الاقتصادية، وفي هذا الإطار أيضاً يمكن فهم قانون الاستثمار الجديد والذي يأتي ضمن حزمة من القوانين الاقتصادية التي صدرت أخيراً في ظل غياب الجهاز التشريعي. 
فقد صدر قانون الاستثمار الجديد عن مجلس الوزراء المصري بعدما تم إعداده في اللجنة الاقتصادية وبمشاركة وزارة الاستثمار وعدد من جمعيات رجال الأعمال المصريين والعرب والأجانب. وهو بذلك تجسيد لإرادة من كتبوه ومصالحهم، والذي يؤكد ذلك إقرار التعديلات التى تم طرحها من جانب جمعيات رجال الأعمال لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة ، وقد أقر مجلس الوزراء منذ أيام القانون ورفعه إلى رئيس الجمهورية للتوقيع عليه.
تنطلق أهداف وفلسفة القانون من رؤية الدولة ذاتها وتوازنات المصالح لحل الأزمة الاقتصادية المستعصية فى مصر، تلك الرؤية التى تتلخص في أن حل ألازمة يكون بجذب مزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال. ولكي يتحقق ذلك لابد من بذل كل جهد وتقديم تنازلات تسميها الدولة "حوافز وضمانات الاستثمار".
يرتبط إصدار القانون الآن بتراجع المنح والودائع المالية الخليجية وفشل الدولة فى تدبير نفقاتها وحل أزمة الموازنة العامة، خصوصاً أن التحالف الاجتماعي والسياسي الحاكم لا يستطيع بحكم مصالحه اتخاذ تدابير من شأنها محاربة الفساد أو استرداد الأموال والثروات التى نهبت. بل على العكس من ذلك يتم الإفراج عمن نهبوا البلاد لتستمر سياسات النهب، وتلجأ الدولة في ذات الوقت إلى سياسات فرض الضرائب على الفقراء تحت مسمى" توسيع الوعاء الضريبي" ورفع الدعم والذي يطلق عليه مسميات "ترشيد الدعم ". وعلى أثر هذا المشهد وفي ظل توقف التدفقات المالية من الخليج اقترحت السعودية منذ أشهر إقامة ما سمّي في حينها مؤتمر "أصدقاء مصر" لبحث سبل دعمها اقتصادياً، ثم تغير عنوان المؤتمر ليكون "المؤتمر الاقتصادي "... وفي هذا السياق صدر قانون الاستثمار وعدة قوانين أخرى. لكن هذا القانون الأخير نستطيع القول بأنه الأكثر خطورة لأنه قدّم تنازلات اقتصادية ومنحاً وحوافز وضمانات تمثل مجمل سياسات النهب الاقتصادي التي مارسها نظام مبارك خلال فترة التكييف الهيكلي وما سمّي بالإصلاح الاقتصادي في الفترة من (1991- 2008). لذا كثفت اللجنة التشريعية نشاطها لمراجعة وتعديل وكتابة قوانين جديدة هدفها منح أقصى درجة من الاستفادة من موارد مصر ومنحها للمستثمرين.
وفي محاولة الترويج لهذا القانون، طرحت الحكومة العديد من الكلشيهات والشعارات التي تنطلق من أن الدولة تريد تجاوز معوقات الاستثمار وإنهاء الأداء البيروقراطي وخاصة في ما يرتبط بالبنية التشريعية. لكن مواد القانون تنطلق وتهدف إلى منح المزيد من الحوافز والضمانات للمستثمرين عبر تعديل قانون 8 لسنة 1997 وهو القانون الذي سهّل استيلاء القطاع الخاص على أراضي الدولة ومنشآتها الصناعية. إضافة إلى تعديل يختص بضريبة الدخل على الأرباح، وهو يهدف إلى خفض الضرائب على القطاع الخاص، الأمر الذي يعني في محصلته النهائية تعظيم الأرباح للمستثمرين الجدد.
ويمنع القانون الجديد أى دور للدولة في التدخل بالأسعار أو تحديد نسب الأرباح، كما تم التأكيد في هذا القانون على أن حق التقاضي على بنود أي عقد استثماري أو بيع أو شراء أو تخصيص لأراضي الدولة يقتصر على طرفي العقد. الأمر الذي يعني أن للدولة وللسلطة الحرية المطلقة في التصرف بالموارد والثروات دون أن يكون لأي مواطن حق الاعتراض.
كل هذه التنازالات تعبير عن توجه السلطة وسياساتها وانحيازاتها، حيث تقدم الموارد المملوكة للمصريين للمستثمرين على أن يتم حل أزمة الحكم وضمان استمراره...
(محلل وخبير مصري)

إقرأ أيضاً: ياسمينة طاية: العادات الاجتماعيّة تكبّل عمل المرأة
المساهمون