قتل التردد في المهد

05 ديسمبر 2015
في محاولة للتطبيع مع العرب والمسلمين، ترحيب بكل اللغات(Getty)
+ الخط -
الإيحاءات الأمنية، ومعها التصريحات السياسية، بُعيد هجمات باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تشي بأننا أمام كارثة مزدوجة تهم الجاليات العربية، والمسلمة، المنتشرة كمقيمين ومواطنين مولودين في تلك الدول.
ليس استهداف المدنيين في ملاعب كرة قدم، وهي الرياضة الأكثر شعبية من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ومقاه ومسارح، والإبقاء على التهديد بالمزيد، عملا إجراميا بحق هؤلاء الضحايا المباشرين فحسب، بل نحن أمام إجرام آخر يستهدف ملايين العرب والمسلمين على امتداد القارة الأوروبية. ثم يخرج " رئيس دولة"، تهجر حربه ملايين من شعبه، ليتوعد بالمزيد من تلك الهجمات، كما توعد ذات يوم مفتيه أحمد حسون.
ملايين الناس، ومنهم جيل شاب ناشط في مجتمعاته الغربية، التي درس وكبر فيها، تضعه داعش اليوم في مأزق، وهذه المرة أصعب من مرات سابقة، في مواجهة مع مواطنيه الذين يروق لليمين المتطرف أن يقرأهم من منظار تنظيم إرهابي يدعي بأنه "دولة إسلامية"، يصدر البيانات تلو الأخرى داعيا هؤلاء إلى "ترك دول الكفر".
إذا ترك الأمر لهذا التنظيم واليمين المتشدد، فسنكون أمام حالة لم تشهدها المجتمعات الأوروبية، وغيرها، حيث يصبح العربي والمسلم مطعونا في ظهره تارة من التكفير وتارة من
اليمين المتطرف الفرح بإثبات نظريته عن "خطر المسلمين على ثقافة أوروبا". حالة من الشقاق يدفع ثمنه أبرياء بفعل عمل دموي مدان، وتنظيم الدولة لا يزال يصر على أن قتل متفرجين على لعبة كرة قدم، وبالمناسبة بينهم عرب، ومرتادي مقهى في نهاية الأسبوع، أمر مبرر، وهؤلاء ليسوا فقط 129 ضحية. نحن أمام مجتمعات تقع ضحية انتشار أمني وتشريعات وقوانين وتشديدات تكون نتائجها مدمرة على فئات عدة. فليس المواطن الذي لم يعتد منذ الحرب العالمية الثانية على رؤية مدرعات تجوب شوارعه، كما في بروكسل، وليس المواطن من أصل مهاجر يجري تفسير قفزه من المقهى والحانة والسجن إلى "التقوى"، هم الضحايا فقط. هناك بسطاء جدا، مهاجرون منذ عقود وقد كبروا، يعيشون أيضا ضحية القول إن التمييز أصل الحكاية.
طلاب وتلاميذ وعمال وموظفون وساسة وناشطون من أصل عربي تضعهم الأفعال الإجرامية في مواجهة أخرى مع محيطهم، وكأنه عليهم الإجابة على سؤال لم تستطع دول ومراكز الإجابة عليه. الأمر لا يتعلق بإحباط بل بواقع يومي معاش ينجح الإرهاب في تحويله إلى جحيم، واتهام بالجملة، وشبهة لا تستثني كثيرين في هذا الغرب المجروح اليوم.
المساهمون