الرقابة على الكتب في الكويت... المنع مقدم على الإباحة

19 نوفمبر 2017
كتّاب كويتيون يرغبون في إلغاء الرقابة على الكتب(فرانس برس)
+ الخط -


يسعى الروائي الكويتي عبدالله البصيص منذ مدة طويلة إلى محاولة فهم سبب منع لجنة الرقابة على الكتب في وزارة الإعلام الكويتية روايتيه "طعم الذئب" و"ذكريات ضالة" بحجة أنها تسيء إلى صورة الكويت بسبب تضمنها ألفاظا يعتبرها الرقيب غير لائقة، من دون أن يصل إلى نتيجة جوهرية، ما دفعه إلى إقامة دعوى قضائية ضد إدارة الرقابة مطالباً بالسماح ببيع روايتيه في المكتبات الكويتية، غير أنه خسر دعواه في مرحلتها الأخيرة أمام محكمة التمييز في فبراير/شباط الماضي، والتي استندت إلى أن المنع يتوافق مع القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر ولائحته التنفيذية والقرارات الوزارية المنفذة له، ومن بينها لائحة قواعد ونظام رقابة الكتب والروايات والمطبوعات المقروءة الصادرة بالقرار الوزاري رقم 47 لسنة 2015.

"مُنعت الروايتان أيضا من البيع أيضا في معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ 42 والذي تم افتتاحه في أرض المعارض الدولية في منطقة مشرف في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري"، كما يقول الروائي البصيص لـ"العربي الجديد"، قبل أن يكمل مبديا دهشته: "المنع تم على الرغم من احتفاء وكالة الأنباء الكويتية الرسمية "كونا" بي عقب الفوز بجائزة الشارقة الدولية بداية نوفمبر الجاري، كل من قرأ الرواية يسأل عن أسباب المنع التي لا أرى لها وجوداً أصلا"، مضيفا أن رواية "طعم الذئب" تروي قصة بطل يقتل رجلاً من دون قصد بسبب امرأة، ثم يستجير بخاله فيجيره، وتنشب "حرب صغيرة" فتتسبب بمقتل بعض أقاربه.

وتعد روايتا الكاتب الكويتي البصيص "طعم الذئب" و"ذكريات ضالة" ضمن ألف عنوان تم سحبها من معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الحالية من 120 دار نشر كويتية وعربية مشاركة في المعرض، من بين العدد الإجمالي لدور النشر المشاركة والذي وصل في دورة هذا العام إلى 479 دار نشر، بعضها متخصص في كتب الأطفال والإصدارات الأجنبية والعلمية وغيرها، بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر جولة ميدانية في المعرض ولقاءات مع مسؤولي الأجنحة، من بينهم الناشر ومدير دار الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت قاسم أحمد منصور الذي قال لـ"العربي الجديد": "لجنة الرقابة منعت 25 عنوانا من دار نشرنا، من دون أن نعرف آليات المنع في المعرض حتى الآن، في بعض الأحيان يتم سحب كتب بموجب قرار، يلغيه آخر، ولاحظت أن أي كتاب يحتوي عنوانه على مصطلحات مثل (عنف، وإرهاب، وطائفية) يجري سحبه".


جدل الحرية والمنع 

يفسر القرار الوزاري رقم (47) لسنة 2015 لائحة قواعد ونظام رقابة الكتب والروايات والمطبوعات المقروءة آلية الرقابة، وبحسب القرار فإن "حرية النشر والحق في التعبير قد كفلها الدستور الكويتي والقانون، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل هي مقيدة بعدم التعدي أو المساس بحرية الآخرين، فتلك هي الحرية المسؤولة والتي ينبغي ممارستها في الحدود التي بينها القانون، ومن هنا يأتي دور وزارة الإعلام ممثلة في قطاع الصحافة والنشر والمطبوعات بصفتها الجهة المنوط بها تطبيق قانون المطبوعات والنشر رقم 3 / 2006، وذلك في ما يتعلق بإلزام جميع الكتاب والمؤلفين ودور النشر بما جاء في هذا القانون من محاذير رقابية وضوابط ينبغي عدم الخروج عنها، فيما يتم نشره وتداوله من مطبوعات مكتوبة وصحف وكتب وروايات"، غير أن الكتاب والناشرين الكويتيين يعتبرون أن هذا القرار والقانون تغيب عنهما آلية واضحة لمنع تداول عناوين الكتاب الكويتيين في دور النشر، والمكتبات الكويتية، ومعارض الكتاب السنوية في الكويت، كما يقول الكاتب البصيص، مكملا "إن وجدت آلية بالفعل لدى لجنة الرقابة لما أجازت كتبا عربية فيها ما يشبه الكتب الكويتية التي منعت من قبل اللجنة نفسها".

ومنعت لجنة الرقابة في وزارة الإعلام أعمالا لكتاب غير كويتيين من التداول في المكتبات الكويتية، منها "مائة عام من العزلة" للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، و"مذلون مهانون" للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، و"البهيموت" للكاتب الألماني فرانز ليوبولد نويمان، و"قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية إليف شفق، و"الكذابون يحصلون على كل شيء" للكاتب العراقي علي بدر، وكتاب "تاريخ العراق" للمؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو، و"وعاظ السلاطين" للباحث الاجتماعي العراقي علي الوردي، كما منعت 11 رواية وكتاب لـ 9 كتاب روائيين من التداول في المكتبات الكويتية، وهي "فئران أمي حصة" الفائزة بجائزة البوكر و"حمام الدار" لسعود السنعوسي، و"خرائط التيه" لبثينة العيسى، و"ذكريات ضالة، وطعم الذئب" لعبدالله البصيص، و"رائحة التانغو" للكاتبة دلع المفتي، و"من لهيب الشوق" ليوسف جاسم رمضان، ورواية "مدى" لرانيا السعد، و"صلوات على دجلة والفرات" للكاتبة فوزية الدريع، وكتاب "أحمد الخطيب وطن ودستور" لمؤلفه علي حسين العوضي، و"مذكرات العدساني" للكاتب محمد صالح العدساني، وفقا لممثلي دور النشر الذين التقاهم معد التحقيق.

وتبرر لجنة رقابة الكتب في وزارة الإعلام الكويتية المكونة من 7 أعضاء، برئاسة الوكيلة المساعدة لشؤون قطاع الصحافة والنشر والمطبوعات لولوة عبدالله السالم وعضوية ممثلين من وزارة الأوقاف والإعلام والتربية والمواصلات، قراراتها بأنها مهمة وضرورية "لحفظ سلامة الوطن وأمنه العام وحماية النظام والأخلاق والصحة والحفاظ على حقوق وسمعة الآخرين"  بحسب ما قاله مصدر في اللجنة يمثل إحدى الوزارات، شدد على ضرورة عدم الكشف عن اسمه حتى يردّ على إجابات معدّ التحقيق، مشيرا إلى أن لكل كاتب مُنع كتابه من التداول في الكويت الحق في الاعتراض أمام لجنة التظلمات على قرار لجنة الرقابة، لكن مجموعة "ميم 3" وهي مجموعة تطوعية ناشطة في مجال حرية التعبير والرقابة على الإعلام المرئي والمسموع، وتتكون من عدد من المثقفين والكتاب والناشطين المعارضين لقرار منع الكتب، تقول على لسان الكاتبة بثينة العيسي، وهي من مكوّني المجموعة، إن لجنة التظلمات التي تم تشكيلها تضم في هيكلها نفس أعضاء لجنة الرقابة الذين قاموا بمنع الكتب وبالتالي صار الخصم هو الحكم".


المنع مقدم على الإباحة

تنص المادة 6 من قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 2006 على أنه "يجب على الطابع قبل أن يتولى طباعة أي مطبوع أن يقدم إخطار مكتوبا بذلك إلى الوزارة المختصة، وأن يثبت فيها اسمه وعنوانه، ويجوز طبع وتداول ونشر أي مطبوع غير دوري على أن يذكر اسم الطابع والناشر والمؤلف وعنوان كل منهم في الصفحة الأولى أو الأخيرة من المطبوع وتاريخ الطبع وعلى الطابع إيداع نسختين من المطبوع لدى كل من الوزارة المختصة ومكتبة الكويت الوطنية قبل تداوله ونشره وذلك وفقا للشروط والإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية" فيما تنص المادة 7 من نفس القانون على "جواز إدخال أو تداول أو بيع المطبوعات الواردة من الخارج بعد إجازتها من الوزارة المختصة بعد التثبت من عدم احتوائها على ما يحظر نشره وفقا للمواد المنصوص عليها في الفصل الثالث من هذا القانون. مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، ويعتبر الموزع المحلي مسؤولا في حالة مخالفة أي حكم من أحكام هذا القانون ويعاقب وفقا لأحكامه"، وهو ما يفسره المحامي والخبير القانوني محمد الشطي بالقول: "كل كتاب سواء طبع في الخارج، أو في الداخل ممنوع من التداول في الكويت، حتى تقوم وزارة الإعلام بالموافقة عليه وفقاً للقانون، وهو ما تختصره الروائية والكاتبة الكويتية بثينة العيسى قائلة: "الأصل في كل شيء الإباحة إلا في قانون المطبوعات الكويتي، فالأصل عندهم هو المنع".


اللجوء إلى الإنترنت

أفسدت الرقابة على الكتب خطط الشاب الكويتي محمد السنان لاقتناء عدد من الكتب التي كان ينتظر معرض الكتاب لشرائها، "حتى إن 60% من قائمته التي خطط لشرائها، غير موجودة وسيضطر لشرائها عبر الإنترنت" كما يقول.

ولا يعد السنان وحده من يلجأ إلى الإنترنت للحصول على الكتب التي تمنع من العرض في رفوف المكتبات التجارية، إذ تنشط حسابات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لبيع الكتب الممنوعة وفقا لما وثقه معد التحقيق، وهو ما تسبب في خسائر للمكتبات، ودور النشر المشاركة في المعرض تتفاوت وفق العناوين التي كانت لديها، بحسب مسؤول المبيعات في دار "تشكيل" محمد الحساوي، والذي قال لـ"العربي الجديد" :"مبيعات الكتب تأثرت بسبب منع الرقابة عشرات العناوين، ونحاول البحث عن طرق بيع نتحاشى فيها رقابة وزارة الإعلام مثل البيع على الإنترنت".