معادلة شهادات الفلسطينيين العليا في الخارج.. شبهات وتجاوزات

31 مارس 2016
شكاوى من ضبابية أنظمة معادلة الشهادات والمعايير الفضفاضة(فرانس برس)
+ الخط -
بعد سنوات من الرفض، حقق الأستاذ المساعد في جامعة الأقصى في غزة، محمد عطية عبد الرحيم، حلمه بمعادلة شهادة الدكتوراه، التي حصل عليها من جامعة عين شمس المصرية، ضمن ملفات أعيد النظر فيها من قبل اللجنة العليا، لمعادلة الشهادات غير الفلسطينية التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي.

في العام 2006 وُقعت بموافقة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، اتفاقية شراكة بين جامعتي الأقصى وعين شمس في مصر، تتيح للمدرسين في الجامعة إكمال دراساتهم العليا دون ترك وظائفهم، لاستمرار إغلاق معبر رفح. يقول الدكتور عبد الرحيم لـ"العربي الجديد": "قدمت أوراقي لنيل درجة الدكتوراه وتم تسجيلي، بناء على تلك الاتفاقية، وبعد شهرين جمدت الوزارة البرنامج، لما أسمته تجاوزاً بخصوص عدد المسجلين، لكن جامعة الأقصى توصلت لاتفاق مع الوزارة بعد 22 شهرًا، وتسلمت شهادة القيد للمضي قدمًا للحصول على شهادة الدكتوراه".

أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي بعد ذلك تعميمًا بأن "من يناقش رسالة الدكتوراه بعد سبتمبر/أيلول من العام 2010 لن يتم الاعتراف بشهادته، وكان عبد الرحيم قد ناقش أطروحة الدكتوراه في مايو/أيار من العام 2011، أي قبل انتهاء شهادة القيد بـ3 أشهر، ورفضت الوزارة معادلة شهادته، وهو ما يراه انتهاكًا لحقه بالحصول على الفترة القانونية الممنوحة من شهادة القيد حتى العام 2012، لكنه تظلم لوزيرة التربية والتعليم العالي السابقة خولة الشخشير في عام 2014، ونجح في معادلة شهادته عام 2015.



معادلة شهادات لم يعترف بها سابقًا

تكشف "العربي الجديد" في تحقيقها الذي أعدته بالتعاون مع الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) "مؤسسة حقوقية فلسطينية"، عن إعادة النظر في 27 ملفًا متعلقًا بمعادلة شهادات عليا غير فلسطينية، في العام 2014، على الرغم من رفض معادلة تلك الشهادات خلال الفترة من (2006 وحتى العام 2014).

بحسب ما توصل إليه معد التحقيق، فإن الوزيرة الشخشير طلبت من اللجنة العليا لمعادلة الشهادات غير الفلسطينية إعادة النظر بتلك الملفات، وهو ما أكده عضو اللجنة السابق إسحاق سدر، قائلًا لـ"العربي الجديد"، "تم ذلك دون إرفاق كتاب رسمي يحمل رأيًا قانونيًا".

في العام الماضي، تمت معادلة شهادات بعضها لمسؤولين سابقين، وأخرى لأشخاص لم يبت القضاء في طعونهم، وواحدة لأكاديمي سحب طعنه من أمام القضاء، وشهادات قرر القضاء رد الطعون المقدمة بخصوصها، وأخرى مضى على رفضها عدة سنوات.

وكانت لجنة المعادلة قد رفضت طلبًا للشخشير بمعادلة تلك الشهادات، لما قالت إن "فيه قفزًا على القانون"، ما أدى إلى إقالة اللجنة وتشكيل لجنة جديدة، رغم مرور ستة أشهر على تشكيلها، ولم تنكر الشخشير طلبها من اللجنة، وتشكيل لجنة جديدة، بعد رفض اللجنة السابقة طلبها، لتتم معادلة الشهادات التي استوفت شروط المعادلة.

في حديثها لـ"العربي الجديد"، قالت الوزيرة الشخشير إن "معظم الملفات التي تم معادلتها بعد سنوات من رفضها فيها مستندات جديدة قدمت عبر تظلمات للوزارة، وأن إعادة النظر بشهادات فيها قرار قضائي، تمت على أساس الاستشارة القانونية واستشارة المحكمة، أو تنفيذًا لقرارات المحكمة التي حكمت فيها لصالح الطاعنين".

وبينت الوزيرة السابقة أن الشهادات التي تمت معادلتها لـ"أشخاص درسوا فصلين حسب نظام المعادلة ولم تعادل شهاداتهم، وأخرى لمن تخرجوا أو سجلوا قبل صدور نظام المعادلة عام 2006، ونوقش أحد الملفات أكثر من مرة في عهد وزراء سابقين مع ديوان الرقابة المالية والإدارية"، فيما اعتذر الديوان لـ"العربي الجديد"، عن تقديم أي معلومات بخصوص ملف الشهادات العليا غير الفلسطينية، عازيًا ذلك لـ"وجود تقرير رقابي يتم إعداده لهذه الغاية".

"يُخشى أن تصبح إعادة النظر بالشهادات، مدخلًا لإعادة النظر بأي شهادة ترفضها اللجان مستقبلًا"، كما يقول القائم بأعمال مدير عام التعليم الجامعي في وزارة التربية، معمر شتيوي، لافتًا إلى أنه لا يجوز إعادة النظر في الشهادات المرفوض معادلتها، إلا خلال الفترة القانونية للاعتراض وهي 60 يومًا.

لكن اللجنة قررت إعادة التظلم بعد انقضاء سنوات على رفض المعادلة السابق، في حال الحصول على قرار من محكمة العدل العليا، أو إظهار معطيات جديدة للحصول على المعادلة.

ضبابية الأنظمة سمحت بالتأويل والتفسير

قرارات أخرى تم إعادة النظر بها لوجود مستجدات بأنظمة معادلة الشهادات السابقة، إضافة لتصويبات تمت لاعتراضات على قرارات سابقة للجنة، تمت من خلالها المعادلة لحالات دون أخرى، ويوضح مدير دائرة المعادلة في الوزارة، أحمد عثمان، أن حدوث ذلك جاء بسبب اعتماد اللجنة بالأساس على تفسير النظام، الذي لم يعالج ذلك صراحة.

وبحسب ما وثقه معد التحقيق، تمت معادلة شهادات من لجان حالية رُفضت من لجان سابقة والعكس صحيح، علاوة على أن محكمة العدل لديها تفسيرات متناقضة في قضايا متشابهة في مكوناتها، وفق معمر شتيوي، الذي عزا ذلك لاختلاف قراءة وفهم كل قاضٍ للنظام المقرر عن الآخر، وللضبابية في الأنظمة المعمول بها، والمعايير الفضفاضة وغير الموثقة، ما سمح بالتأويل والاجتهاد.

لكن مؤسسة "أمان"، تشير في تقرير لها، إلى عدم وجود معيار منطقي يتم الاستناد إليه بمدة الدراسة في نظام المعادلة، إذ يقول المستشار القانوني لـ"أمان" بلال البرغوثي: إن "التقرير تعرّض لعدة إشكاليات وصل بعضها إلى القضاء، من بينها التعامل الجامد لإدارة التعليم الجامعي مع النصوص القانونية، وخاصة بندَي الإقامة والانتظام وكيفية احتسابهما".

ويتفق مع البرغوثي، القائم بأعمال النائب العام والمحاضر في الجامعات الفلسطينية الدكتور أحمد براك والذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن البحث النوعي، أجدى من الإقامة فيما يتعلق بالدراسات العليا الخارجية، لأن الموظف لا يستطيع ترك عمله وإعالة أسرته للإقامة في الدولة التي يدرس بها ليتحقق شرط الإقامة.

مراعاة الأمور الموضوعية لا الشكلية، تبرز أهمية قضية المحاضر في جامعة القدس المفتوحة محمد سليمان أحمد من نابلس، الذي رفضت الوزارة معادلة شهادة دكتوراه حصل عليها عام 2006 من كلية الدعوة في جامعة أم درمان في السودان، رغم إقامته (فصلين متتاليين) عام 2008 وناقش الرسالة بعد انتصاف المدة، وعزت الوزارة ذلك بأن "تاريخ الشهادة يجب أن يكون في نهاية المدة"، وقدم أحمد طعنًا وتم رد طعنه.

اقرأ أيضًا: بالوثائق.. نفط داعش.. رحلة الخام المهرب إلى إسرائيل

تعاقب الأنظمة

تعرّض كل من التحق أو سجل بالجامعات الخارجية قبل صدور نظام 2006 لإشكالات قانونية تتعلق بشرط الإقامة، ما دفع عددًا منهم للجوء لمحكمة العدل، التي تفاعلت معهم إيجابيًا، كما يقول بلال البرغوثي.

منذ العام 2010 وحتى الآن، تلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الفلسطينية (ديوان المظالم، 18 شكوى معظمها متعلق بعدم معادلة تلك الشهادات لعدم الالتزام بالنظام، فيما يوضح منسق الشكاوى وتقصي الحقائق في (ديوان المظالم)، سامي جبارين، أن القضايا المرفوعة لدى محكمة العدل منذ العام 2006 حتى العام 2015، بلغت 19 دعوى إدارية، ردت 15 منها، واثنتين تم إلغاء القرار المطعون فيهما، وقضية فصلت الدعوى بها وأخرى مؤجلة".

وتشير البيانات المتوفرة لدى دائرة المعادلة إلى وجود 24 قضية حُسمت لصالح الوزارة، وقضت المحكمة لصالح مقيمي الدعاوى في 8 قضايا، و6 قضايا لم تنتهِ.

تذبذب الحد الأدنى في الثانوية العامة (التوجيهي)

منح النظام لوزير التربية صلاحية تحديد معدل "التوجيهي" لدخول الجامعة، وهو ما أدى إلى تغيير كل الوزراء السابقين لمعدل القبول، لكن 28 طبيبًا درسوا في الخارج، حُرموا من المعادلة بعد تثبيت المعدل في العام 2013، لأن معدلاتهم في "التوجيهي" أقل من 65%.

ويرى المستشار القانوني لـ(أمان) أن غياب حالة الاستقرار في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحد الأدنى لمعدل "التوجيهي" بشأن معادلة تلك الشهادات مسألة قد تمس بمفهوم المساواة، لتطبيقها على أناس دون آخرين.

معايير اختيار وتشكيل اللجان

وفق بعض الشكاوى المقدمة، فإن تغيير الشخشير للجنة العليا (مكونة من 11 عضوًا)، جاء في إطار استثناء الخبرات، وردت الشخشير بأن القانون منح للوزير حق تغيير اللجان كل سنتين، وأنها هدفت من تغييرها إلى إدخال مستشار قانوني للجنة، إلى جانب أعضاء من رؤساء اللجان الفنية المختصين وعدد من ذوي المراتب العلمية والخبرات المتنوعة في المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية.

وتعتبر "أمان" تشكيل تلك اللجان من المعايير غير الواضحة التي تبرز غياب الشفافية، إذ لم يحدد النظام معايير توجيهية لاختيار الوزير أعضاء اللجنة العليا.

اللافت أن دائرة المعادلة في وزارة التربية مفوضة بمعالجة كافة طلبات المعادلة أو المصادقة منذ عدة سنوات، ولم يُسحب التفويض منها، وتعالج شهادات البكالوريوس والماجستير مباشرة (ماجستير وبكالوريوس، التزامن بين الانتظام والإقامة غير مؤكد، والبرنامج الدراسي غير واضح)، وتحول إلى اللجان جميع ملفات الدكتوراه، وفق مدير دائرة المعادلة في وزارة التربية والتعليم العالي أحمد عثمان.

اقرأ أيضًا: بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل

أنواع الشكاوى المقدمة لجهات رسمية

فضلت هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، عدم عرض تفاصيل خمس شكاوى وصلتها على مدار عملها، واكتفت المديرة العامة للشؤون القانونية في الهيئة رشا عمارنة بسرد أنواع تلك الشكاوى، قائلة لـ"العربي الجديد":"منها ما يتعلق بمعادلة الشهادات العليا رغم ادعاء تزويرها، وكذلك عدم وضوح المعايير المتبعة من دائرة المعادلة، وشكاوى محالة من الوزارة تتعلق بالأمور الإدارية التي تصب في معادلة تلك الشهادات"، واستمعت الهيئة لإفادات الأشخاص ذوي العلاقة، وحولت ثلاثة ملفات للنيابة العامة، وقضية قيد الدراسة، وردت إحدى القضايا لعدم الاختصاص.

ووفق الدكتور أحمد براك، فإن نوعين من الشكاوى وصلا النيابة (قضايا جنائية جزائية لشهادات مزورة وردت من وزارة التربية والتي تدخل في إطار بيع أو شراء الشهادات من الخارج، ونوع متعلق بالمرافعة لدى المحكمة في القضايا الإدارية التي يطعن المستدعي بعدم التصديق على شهادته من قبل الوزارة).

شهادة اعتراف أم معادلة

عند معادلة تلك الشهادات تُكافأ بأخرى فلسطينية، غير أن جزءًا منها لبرامج دكتوراه غير موجودة في فلسطين، إذ توجد ثلاثة برامج دكتوراه فقط، وهو ما دفع الدكتور شتيوي للتساؤل حول إمكانية وكيفية مكافأتها بشهادة فلسطينية.

ودعا شتيوي لتغيير المفهوم من المعادلة إلى الاعتراف بالشهادة لتوصف بناء على البرنامج والمنهجية، والأسس التي اعتمد عليها والتخصص النادر، وهو ما يحدد كون الشهادة قوية أم لا، للتحقق من مصداقيتها.

عشرات الشهادات المزورة

"أمان" أوضحت أن وزارة التربية، كشفت 85 حالة تزوير للشهادات في فلسطين وخارجها للفترة (2007-2014)، وتم رفض 300 طلب معادلة لشهادات عليا غير فلسطينية مخالفة، وتمت معادلة (7187) شهادة.

غير أن إحصائيات دائرة المعادلة أظهرت تلقي الوزارة منذ العام 2013 أكثر من 3 آلاف طلب معادلة شهادات غير فلسطينية، من بينها 300 شهادة (توجيهي)، وتبقى منها 120 شهادة عليا لا تزال أمام اللجان المختصة.

وخلال عامي 2014و2013 عودلت (1943) شهادة، ورفضت معادلة (33) شهادة، ورصد عبر سنوات إنشاء الوزارة حتى تاريخه (38) حالة تزوير في شهادات ووثائق تدعم تلك الطلبات.

فيما أظهر تحليل إحصائيات مجلس القضاء الأعلى، أن عدد الدعاوى الخاصة بالقضايا الجزائية للفترة من 2005 وحتى العام 2015 بلغت 22 قضية، بينها 6 قضايا، قضى فيها بالإدانة في جريمة التزوير، و 10 قضايا حكم بها بالبراءة، فيما تم تأجيل 4 قضايا، وسقطت قضيتان بالتقادم.

توصيات

في حال وجود وثائق جديدة لإعادة التظلم بغض النظر عن انقضاء الفترة القانونية، يجب إدراجه بالنظام حال ثبوت قانونيته، وليس عبر قرارات اللجنة العليا، وإرفاق النظام بلوائح تنفيذية لإزالة الضبابية في بعض المواد، كما يؤكد الأكاديميون ممن يعانون حرمانهم من حقهم في معادلة شهاداتهم.

ويستوجب ذلك وجود معايير مكتوبة لاختيار أعضاء اللجان، والكف عن التذبذب الحاصل في نسبة معدل "التوجيهي"، وإيقاف تفويض دائرة المعادلة بمعالجة تلك الشهادات، وتحويل كل الشهادات الخارجية إلى اللجان. بالإضافة إلى تطوير مفهوم المعادلة إلى اعتراف بالشهادة، وإعلان نتائج أعمال اللجان، إلى جانب اعتبار عدم البت في الاعتراض بمثابة اعتراف بالشهادة وليس العكس، لتحفيز اللجان على سرعة الرد، وألا تطول فترة عدم البت في الطلب.

دلالات