إدمان القمار في روسيا...صالات غير قانونية ومجموعات مغلقة لجمع اللاعبين عبر الإنترنت

14 ابريل 2019
نقل صالات القمار لمناطق نائية بعد تفاقم ظاهرة الإدمان(تاس)
+ الخط -
يرصد دميتري سلوبودكين، أحد مؤسسي نشاط المقامرة التجاري في الاتحاد السوفييتي السابق وروسيا حاليا، آلافا من صالات القمار غير المرخصة وغير القانونية التي تواصل نشاطها في البلاد، على الرغم من حظر ألعاب القمار في معظم الأقاليم الروسية منذ عشر سنوات، مرجعا هذا الانتشار الواسع لها إلى قرار السلطات الروسية نقل جميع صالات القمار إلى مناطق متخصصة ونائية مع بقاء الطلب في المدن الكبرى كما هو، إذ انتشر إدمان ألعاب القمار بين الطبقات المتوسطة في روسيا، وفق نتائج استطلاع أجرته وكالة Profi Online Research للدراسات التسويقية وقت دخول قانون نقل أنشطة القمار إلى مناطق نائية حيز التنفيذ، في منتصف عام 2009، وكشفت النتائج أن 43 في المائة من المستطلعة آراؤهم لجأوا إلى مختلف أنواع خدمات القمار، بما فيها السحوبات وألعاب القمار الإلكترونية، خلال آخر ستة أشهر، بينما رحب 72 في المائة بقرار إغلاق صالات القمار.

وباتت صالات القمار "خارج اللعبة" في معظم الأقاليم الروسية منذ عام 2009، مع دخول القانون الفيدرالي رقم 244 الخاص بتنظيم ألعاب القمار، حيز التنفيذ، والذي حدد بضع مناطق سياحية ونائية مصرح بفتح صالات القمار فيها، بهدف تنميتها وجعل القمار بعيدا عن متناول عامة الروس إثر تفاقم ظاهرة الإدمان.

نص القانون الجديد أولا على تحديد أربعة أقاليم نائية وحدودية لإقامة مناطق لألعاب القمار فيها، وهي إقليم آلتاي في جنوب سيبيريا، وإقليم بريموريه في الشرق الأقصى، ومقاطعة كالينينغراد المطلة على بحر البلطيق والمعزولة عن باقي أنحاء روسيا، بالإضافة إلى منطقة "آزوف - سيتي" بين إقليم كراسنودار ومقاطعة روستوف في جنوب غرب روسيا، التي يتم استبدالها حاليا بأخرى في منتجع سوتشي.

وعلاوة على ذلك، تقررت إقامة منطقة لألعاب القمار في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وسط سعي السلطات الروسية لجذب مزيد من السياح إلى شواطئ البحر الأسود. لكن لا يمر أسبوع دون إغلاق صالة قمار غير مرخصة في مختلف الأقاليم. ومن آخر الفضائح الكبرى من هذا القبيل، إغلاق سلسلة كبرى ضمت 15 صالة قمار في موسكو في سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت تعمل وراء لافتات شركات المراهنات.



تقييم قرار الإغلاق

جاء قرار إغلاق جميع صالات القمار في كافة أنحاء روسيا وفرض حد أدنى مرتفع لقيمة الأصول للعمل بالمناطق الجديدة اعتبارا من منتصف عام 2009، بعد تفاقم مشكلة الإدمان وسط انتشار ماكينات القمار بشكل عشوائي وبأعداد كبيرة في جميع المدن الروسية. وبحسب أرقام صحيفة "إر بي كا" الروسية، فإن عدد صالات القمار في موسكو وحدها قبيل دخول القانون حيز التنفيذ، كان يبلغ 546 صالة، منها 516 لماكينات القمار و30 تقليدية، وعمل بها جميعا نحو 40 ألف شخص.

وبعد مرور عشر سنوات على تطبيق القانون، يعتبر سلوبودكين نتائجه سلبية بامتياز، قائلا في حديثه لـ"العربي الجديد": "أصدرت الدولة 6500 ترخيص لألعاب القمار أولا، ولكنها، لم ترغب في تنظيم نشاطها، فبدأت حملة عليها وقررت إغلاقها ونقلها إلى مناطق نائية. أما وسائل الإعلام، فبدأت بالترويج لفكرة انتشار إدمان القمار في بلادنا رغم عدم صدور أي دراسة تؤكد ذلك، فجاء هذا القرار الشعبوي".

وعلى الرغم من غياب إحصاءات رسمية، إلا أن تقديرات الاتحاد الأميركي لقضايا بزنس القمار عن منتصف العقد الأول من القرن الـ21، تشير إلى أن 14 في المائة من سكان روسيا جربوا حظهم بماكينة قمار مرة واحدة على الأقل، وعانى 10 في المائة منهم من مشكلة الإدمان، وكانوا يتركون بصالات القمار نحو 40 في المائة من مالهم الخاص.

وحول نتائج إغلاق صالات القمار، يضيف: "النتيجة الرئيسية هي انتشار صالات القمار غير المرخصة التي لا تقدم أي ضمانات لحقوق المقامرين، كما أن ميزانيات الأقاليم خسرت إيرادات ضرائبية كبيرة بلغت في عام 2005، مثلا، أكثر من مليار دولار. كما تم تسريح نحو 600 ألف موظف كانوا يعملون بصالات القمار، وإلحاق ضربة كبيرة بالبزنس بشكل عام".

ولما كان القانون الروسي الجديد يحظر إقامة صالات القمار خارج المناطق المخصصة لها، يربط سلوبودكين استمرار عملها في المدن الأخرى بتستر عليها من قبل مسؤولين أمنيين، قائلا في هذا السياق: "لا يمكن فتح منشأة غير مرخصة في روسيا إلا بالتنسيق مع الجهات الأمنية، وبذلك أصبحت صالات القمار غير المرخصة مصدرا آخر للنقود السائلة يغذي منظومة الفساد".

وفي أحيان كثيرة، كان يتضح أن صالات القمار السرية وغير المرخصة كانت تعمل لفترات طويلة تحت غطاء من ضباط الشرطة الروسية. ومن بين هذه الوقائع على سبيل المثال لا الحصر، إدانة مسؤول رفيع بمديرية الشرطة المحلية في مدينة تشيليابينسك عام 2017، كان يبلغ أصحاب صالات القمار بالحملات المرتقبة مسبقا.

وفي السياق ذاته، يؤكد مدمن قمار سابق في نهاية العقد الرابع من عمره، عرّف نفسه بالاسم المستعار ألكسندر، (لعدم إحراجه أمام زملائه وعائلته)، أن إغلاق صالات القمار لم يثنه عن الاستمرار في المقامرة بصالات القمار غير المصرح بها، قائلا لـ"العربي الجديد": "من بحث وجد. صالات القمار غير المصرح بها ليست لها لافتات تدعو المقامرين، ولكنه يمكن الوصول إليها بسهولة عبر مجموعات مغلقة على الإنترنت".

منذ توقفه عن التردد على صالات القمار قبل ست سنوات، شعر ألكسندر بتغييرات جذرية في حياته، متمثلة في انتظامه في عمله الجديد في مجال الأمن، وتدارك علاقته مع أسرته السابقة ونجله، واستعادة ثقة الأصدقاء.



مجموعة المقامرين السريين

يروي ألكسندر معاناته من إدمان القمار، قائلا: "كنت أقامر منذ صغري، ولكنني أدمنت القمار تماما خلال الفترة من عام 2008 إلى عام 2012، إذ كنت أجد فيها مخرجا لانفعالاتي وهمومي. كنت أشعر بارتياح كبير عند دخولي إلى صالة القمار، وأستمتع بالعملية حتى وإن كنت أخسر. صحيح هناك أشخاص يترددون على صالات القمار على سبيل الترفيه، ولكنني كنت أترك فيها كل ما كان بين يدي من المال، وحتى ميلاد ابني لم يوقفني عن ذلك".

إلا أن مثل هذا الإجراء لم يوقفه، ومن أجل التغلب على إدمانه، توجه ألكسندر إلى "مجموعة المقامرين السريين" gamblersanonymous.ru، وهي مبادرة خاصة ذاتية التنظيم توحد مدمني القمار لمساعدتهم على التخلص من الإدمان، فبات واحدا من مشاركيها الناشطين.


ويصف نشاط المجموعة، قائلا: "في السابق، كنت أهرب من الواقع الصعب إلى القمار، والآن إلى المجموعة التي تقدم برنامج الخطوات للتخلص من إدمان القمار. يأتي إلينا نحو 30 شخصا شهريا، ولكن نحو 2 في المائة منهم فقط يستمرون في جلسات المجموعة ويتخلصون من الإدمان".

وتلخص هذه المجموعة طريق التخلص من إدمان القمار في 12 خطوة، تبدأ من الاعتراف بالعجز عن التوقف عن المقامرة وخروج الحياة عن السيطرة، ووصولا إلى التقارب من الله ونشر هذه الرسالة بين المقامرين الآخرين. وتعرّف المجموعة إدمان القمار بأنه "مرض متصاعد بطبيعته لا يمكن علاجه، ولكن يمكن وقفه"، ملخصة سمات شخصية مدمن القمار في العجز عن قبول الواقع والهشاشة الانفعالية والصبيانية، وفق ما جاء في موقعها على الإنترنت.

ويرسم ألكسندر الصورة النمطية لمدمن القمار في روسيا، مضيفا: "هو رجل في منتصف العمر يعاني من مشكلات نفسية، مثلما كنت، حيث كانت مشكلتي الرئيسية هي وحدتي وخوفي من المسؤولية، فكنت أتوجه إلى صالة القمار، حيث لم يكن يزعجني أحد".


عوامل نفسية

يرجع المعالج النفسي يفغيني إدزيكوفسكي انتشار ظاهرة إدمان القمار إلى انعدام الرقابة من الدولة على هذا المجال في العقد الأول من القرن الجديد، مشيدا بإصدار قانون قضى بنقلها إلى مناطق نائية متخصصة على غرار مدينة لاس فيغاس الأميركية ومنطقة ماكاو الصينية.

وعلى الرغم من إدراك الجميع أن مالك صالة القمار هو الرابح الوحيد مما يجري بداخلها، إلا أن ذلك لا يثني المقامرين عن التوجه إليها مرة تلو الأخرى وترك أموالهم فيها، حيث يوضح المعالج النفسي إدزيكوفسكي أن بعضهم يشعر بالمتعة من المقامرة وهناك آخرون جربوها صدفة فأدمنوها.

يقول إدزيكوفسكي في حديث لـ"العربي الجديد": "يدرك هؤلاء أن صالة القمار تربح أكثر من غيرها، ولكنهم يأملون في حظهم. لا تسعى صالات القمار للاستيلاء على كل ما لدى روادها، وإنما لتحفيزهم على العودة. لذلك، فإن بعض ماكينات القمار ترد أكثر من 90 في المائة مما بداخلها تاركة للمقامر الفرصة والأمل في الفوز".

ويعتبر الخبير النفسي أن قرار السلطات الروسية نقل ألعاب القمار إلى المناطق النائية كان صائبا لتشديد رقابة الدولة والحد من حالات الإدمان بالصدفة ومنع تكوّن بؤر مشبوهة، مشيدا أيضا بتجربة بيلاروسيا في عزل صالات القمار عن أعين غير الأثرياء، ويفسر صحة قرار السلطات الروسية، قائلا: "أي مجال يعتمد على الجوانب الغامقة من الشخصية الإنسانية، سرعان ما يتحول إلى بؤرة إجرامية لولا رقابة صارمة من الدولة. سبق لروسيا أن شهدت تكون مثل هذه البؤر في محيط أكشاك الجعة التي كانت تجذب محبي الكحول ممن يستهدفون سرقة الناس في حالة السكر".