تعنيف المرأة اللبنانية...القانون 293 برسم ثلاثة أعوام من الفشل

21 اغسطس 2017
ثغرات في تطبيق القانون 293 تفقده فعاليته (فرانس برس)
+ الخط -
عانت الثلاثينية اللبنانية صابرين (اسم مستعار) لمدة عام ونصف من قسوة زوجها الأول الذي ارتبطت به وهي في السادسة عشرة من عمرها، ما دفعها إلى الطلاق، والتزوج بآخر علها تجد الطمأنينة المفقودة معه، لكنها عانت وللمرة الثانية من قسوة أشد من زوجها الجديد، والذي لا تعرف كيف يمكنها وقفه عند حده، إذ لم تفكر باللجوء إلى قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري رقم 293، لعدم معرفتها به ما يجعلها واحدة من "ثلثي السكان الذين لا يعرفون القانون" بالإضافة إلى عدم ثقتها بالقضاء وهو ما يتفق مع آراء "42% من العينة المستطلعة" وفقا لنتائح التقرير الوطني الأولى عن سلوكيات اللبنانيين الذي أجرته شركة إيبسوس لأبحاث السوق، بطلب من جمعية كفى لمناهضة العنف ضد النساء، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان.

على خلاف حالة صابرين، فإن 285 امرأة تعرضت للعنف تقدمن بشكاوي إلى ثماني مفارز قضائية خلال الفترة من بداية عام 2015 وحتى الربع الأول من عام 2017، من بينهن 164 امرأة سجلت مفرزة الجديدة القضائية وحدها شكواهن، وفقا لإحصائية موثقة حصلت عليها "العربي الجديد" عبر قوى الأمن الداخلي اللبناني.

وتضم قائمة الشكاوى تعرض الضحايا للضرب أوالإيذاء أوالقدح والذم أوالاغتصاب أو خطف الأولاد أو حجز الحرية أو التهجم أو تحريض قاصر على ترك المنزل أو الطرد من المنزل أو التهديد بالقتل وصولا إلى القتل، وهو ما جرى لابنة بلدة حداثة الجنوبية العشرينية داليا سامي حجازي التي قتلها زوجها في 11 أغسطس/آب الجاري بعد عامين ذاقت خلالهما كل أنواع العذاب، إذ كان يضربها باستمرار، والمفاجأة أنه سبق اتهامه بقتل خطيبها السابق. لتترك خلفها طفلين أكبرهما هدى ذات السنة والنصف لتصبح الحالة السابعة، إذ سجلت جمعية كفى 6 جرائم قتل ضد النساء من قبل أزواجهن، أو أصدقائهن منذ بداية العام 2017، بينما وقعت خمس جرائم مماثلة في العام 2016، فيما وقعت 8 جرائم قتل مماثلة في العام 2015، بحسب المديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم النويري.



تزايد العنف الأسري

دخل قانون "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري" حيز التنفيذ في مايو/أيار 2014، ويتكون القانون من 23 مادة، مقسمة إلى شقين، عقابي، والآخر حمائي، ويسمح القانون لثلاثة مراجع أساسية في إصدار أمر الحماية، وهم قاضي التحقيق، والمحكمة الجزائية، وقاضي الأمور المستعجلة بحسب المادة 12 التي تعد أمر الحماية تدبيرا مؤقتا يصدر عن المرجع القضائي المختص.

وحصلت 137 سيدة على قرارات حماية بمساعدة جمعية كفى عنف واستغلال التي استقبلت 2379 حالة معنفة منذ إبريل/نيسان 2014 وحتى مارس/آذار 2017، في مقابل 288 سيدة تقدمن بشكاوى إلى الجمعية منذ أبريل/نيسان 2013 حتى مارس/آذار 2014 بحسب تأكيد مديرة الجمعية زويا روحانا، التي كشفت عن صدور 350 قرار حماية في مختلف المحافظات اللبنانية منذ إقرار القانون وحتى نهاية العام 2016، "وهو ارتفاع غير مسبوق في حالات العنف يتبدى بعد دخول القانون حيز التنفيذ" كما تقول، وهذا ما يؤكده مصدر قضائي يعمل في بيروت، معني بتطبيق القانون، لافتا إلى رصد ارتفاع تدريجي لعدد النساء اللائي لجأن إلى القانون من مايو/أيار 2014 حتى ديسمبر/كانون الأول 2016.


أمر الحماية

تتوجه طالبة الحماية إلى قاضي العجلة، وهو قاض مدني منفرد يعمل بشكل مستقل عن النيابة العامة، ولديه صلاحية إصدار أوامر الحماية في المرحلة الأولى من دون الاستماع إلى المدعى عليه، إذ يدخل القرار مباشرة حيز التنفيذ وفقا لهذا القانون، الذي تضمن في مادته الـ 14 أمر الحماية وفق 9 تدابير أهمها إلزام المدعى عليه بإخراج الضحية والمقيمين معها المشمولين بالحماية، وهم الأطفال في سن الحضانة، والأولاد المقيمون معها لدى استشعار أي خطر من المنزل إلى سكن آمن وملائم مع دفع المشكو منه لنفقة السكن والمأكل والملبس والتعليم، أو إخراج مرتكب العنف من المنزل مؤقتا ولفترة يحددها المرجع المختص لدى استشعار أي خطر على الضحية، وهي من أكثر الإجراءات التي يعتمدها المحامي علي ناصر الذي يعمل بشكل أساسي في منطقة البقاع، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكنني أن أترك المرأة معه في البيت، ما الذي يضمن لي أنه لن يتعرض لها"، لكن العشرينية سوسن (اسم مستعار) تدرك جيدا أن أخاها الذي لم يلزمه قاضي العجلة بالخروج من المنزل سيعود إلى ضربها مجددا، رغم أنها نجحت في الحصول على قرار حماية من قاضي العجلة عبر مساعدة جمعية كفي، وهو ما أكده قاضي عجلة يعمل في بيروت (فضل عدم ذكر اسمه) قائلا إن "المعنف قد لا يلتزم بأمر منعه التعرض للمرأة إذا بقت في المنزل، معتبرا أن القرار غير رادع لمن لديه النية بالقتل".


ثغرات رافقت تنفيذ القانون

أجرت معدة التحقيق، استطلاع رأي غير قياسي عبر موقعي التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، شارك فيه 103 نساء تتراوح أعمارهن بين 21 عاما و61 عاما، 64 منهن متزوجات، و36 عازبات، وأكدت نسبة 58 % من المشاركات في الاستطلاع أنهن سيتوجهن إلى الجهات القضائية في حال تعرضهن لعنف أسري، فيما ستكتفي 34 % منهن بالشكوى للأهل في حال تعرضهن للعنف الجسدي، وتفضل نسبة 2 % الصمت، بينما أجابت 6 % من المستطلعات بأنهن يفضلن الدفاع عن النفس، وحل المشكلة بطرقهن الخاصة من دون اللجوء إلى القانون لعدم ثقتهن به، ويمكن الربط بين نسبة الـ 42% من غير الراغبات في اللجوء إلى القانون رغم تزايد العنف الأسري، ووجود ثغرات بنيوية في القانون 293، بحسب المحامية ليلى عواضة، التي شرحت قصدها بالقول إن القانون لم يكن بقدر طموح النساء بسبب تلك الثغرات وعلى رأسها ما جاء في المادة 12 من القانون، التي تنص على أن أمر الحماية يهدف إلى حماية الضحية وأطفالها الذين هم في سن الحضانة، دون أن تشمل المادة، الأولاد الذين تجاوزوا سن الحضانة، ومن بين تلك الثغرات كما تضيف المحامية والناشطة منار زعيتر التي تلقي دورات تدريبية للمحامين عن القانون، ما تصفه بتعارض مواد القانون، مع قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالطوائف، التي تراعي صلاحياتها وخصوصياتها"، وهو ما شرحه قاضي عجلة يعمل في منطقة البقاع عبر مثال النفقة المؤقتة التي يقررها القاضي العدلي، والتي قد تخالف تلك التي يعطيها قاضي الشرع، وكذلك تسليم الطفل لأحد الوالدين منعا لتعرضه للعنف، والذي قد يخالف سن الحضانة التي تستند إليها المحاكم الشرعية، وتابع قائلا "القانون فصل بين المستوى الجزائي والمدني من جهة والمستوى الديني من جهة أخرى".

وتتمثل إحدى الإشكاليات في الشق العقابي من القانون، إذ يقتصر تشديد العقوبات على الجرائم الواردة في المادة 3، التي عددت بعض الجرائم الموجودة في قانون العقوبات والتي تشمل الحضّ على الفجور والفساد، والدعارة، والقتل قصدا والزنا واستيفاء الحقوق الزوجية تحت التهديد، بحسب ما قالته زعيتر التي لفتت إلى أن تشديد العقوبات على جرائم أخرى غير واردة في هذه المادة مثل التهديد بأنواعه المختلفة، أحد أهم المطالب الحقوقية، في حين أن الثغرة الأخرى تندرج تحت تنفيذ أمر الحماية كما تقول عواضة، إذ أن القانون لم يعط النيابة العامة صلاحية في إصدار، أو تنفيذ القرار، رغم أن النيابة العامة لديها القدرة على تنفيذ القرار، لأن قاضي الأمور المستعجلة ليس لديه قوة تنفيذية على الأرض، وهو ما عانت منه الخمسينية سارة بعد أن حصلت على قرار يقضي بخروج زوجها من المنزل، وعدم التعرض بسبب اعتدائه عليها، غير أنها لم تستطع تنفيذ القرار كما تقول لـ"العربي الجديد".


اجتهادات قضاة البقاع الغربي

عدم وجود آلية محددة لتنفيذ قرارات الحماية، دفعت بقضاة العجلة لإيجاد الحلول، ومن هذه الحلول بحسب المحامي علي ناصر، حالة التكامل بين النيابة العامة الاستئنافية وبين قاضي العجلة والمخفر الذي يحضر المدعى عليه، وهو ما يعده المحامي ناصر ابتكار من قبل محاكم البقاع الغربي التي تعد من أفضل المحاكم في التنفيذ وتحديدا في محكمتي جب جنين وصغبين، قائلا لـ"العربي الجديد": "رصدنا تطورا في كيفية وآلية تطبيق القانون من قبل الجسد القضائي، إذ يتم التأكد من أن المدعى عليه سيحضر وسيبلغ بقرار الحماية والإجراءات التي ستتخذ بحقه إذا لم ينفذ، وهو ما شدد عليه قاضي عجلة يعمل ضمن نطاق البقاع (فضل عدم ذكر اسمه)، لافتا إلى أهمية إيجاد آلية للتنفيذ من خلال تعديل القانون في هذه الجزئية، ويجب أن ينص التعديل صراحة على إعطاء الصلاحية للنيابة العامة في تنفيذ أوامر الحماية، قائلا لـ"العربي الجديد" :"في حال قيام الشك حول الحالة المثارة أمامي أفسر الشك لمصلحة طالب الحماية لضمان السلامة، ولكن ذلك لا يمنع من استدعاء المدعي عليه لسماع وجهة نظره، إذ أن التدابير الحمائية في غير محلّها الواقعي قد تفتح المجال أو تشجع على الطلاق"، لكن التدابير الحمائية قد تصبح ضرورية عندما يصبح العنف ركنا أساسيا في الحياة الزوجية، وهو أمر لا يمكن تحمله مثل ما حدث للأربعينية لميس (اسم مستعار) التي تعرضت للضرب المستمر من زوجها، والتي تخشى على حياتها إن استمرت معه في بيت واحد كما تقول.