"المقاوم المنفرد"... استثناء تحول إلى موجة ثورية فلسطينية

20 نوفمبر 2014
المقاومون المنفردون كابوس ثوري يهدد إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الانتفاضتان الأولى (1987- 1993) والثانية ( 2000-2005) هجمات على أهداف إسرائيلية نفذها مقاومون بشكل منفرد من دون أن يكونوا أعضاء في تنظيمات فلسطينية، فيما شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً حاداً في تلك الهجمات، خصوصا في مدينة القدس لتتحول إلى ظاهرة ثورية فلسطينية. "العربي الجديد" ترسم ملامح الظاهرة وأسبابها وتُحللها بالاستعانة بنشطاء في المقاومة وباحثين في العمل المقاوم ورجال أمن سابقين.

نشأة الظاهرة

محمد أسير سابق وباحث متخصص في العمل المقاوم - فضل ذكر اسمه الأول فقط - يؤرخ لظاهرة المقاوم المنفرد قائلا لـ "العربي الجديد" إن الظاهرة لم تظهر خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، إذ ظلت مجرد حالات استثنائية، ويتابع موضحا "في حال نفذ أحد الشبان هجوما بمفرده، وأفلح بالهرب، كان يتحول إلى مطارَد، وغالبا بعدها ينضم إلى التنظيمات المتواجدة في منطقته".

ويرجع الأسير السابق أسباب ارتفاع وتيرة منفذي الهجمات بشكل منفرد مؤخرا، إلى نجاح جيش الاحتلال ومخابراته بتوجيه ضربة قوية للبنى التحتية للأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية عن طريق الاغتيال أو الاعتقال في الضفة الغربية بعد اجتياحها في إطار عملية السور الواقي عام 2002 بالإضافة إلى تفكيك أجهزة الأمن الفلسطينية البنى التحتية للأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية بفعالية بعد وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ما أدى إلى الحد من قدرة المقاومة المنظمة على تخطيط وتنفيذ الهجمات أو حتى تجنيد أعضاء جدد، طبقاً لتقديراته.

ويوافق الرأي السابق تفسير د. هشام المغاري أستاذ الدراسات الأمنية والاستراتيجية في أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية لـ "ظاهرة المقاوم المنفرد" والذي يرجع الظاهرة إلى ضعف التنظيمات الناجم عن القمع الذي تمارسه السلطة والاحتلال ضد فصائل المقاومة، ويقول لـ"العربي الجديد" سلوك المقاومين الفرديين يشير إلى أن تزايد الحس الوطني لدى الشباب بدرجة عالية جدا، وهو ما يدفع الفلسطيني الذي لا يجد تنظيما قادرا على استيعابه واحتواء طاقته، إلى أن يذهب منفردا بجهده المحدود وبأدوات بدائية للقيام بعملية فدائية مقاومة، كما حدث في عملية الكنيس اليهودي في القدس".

ارتفاع كبير لثمن السلاح بالضفة

رجل أمن فلسطيني سابق -طلب عدم الكشف عن هويته- لفت إلى أن المرحلة التي أشرف فيها الجنرال الاميركي كيث دايتون 2005- 2010، على عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية شهدت تنسيقا مشتركاً بين القوى الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية استهدف قطع قنوات التمويل عن الأجنحة العسكرية للمقاومة الفلسطينية بهدف شلها، مما أدى إلى أن يصبح العمل العسكري في الضفة الغربية مكلفا جدا، فثمن قطعة السلاح أو الرصاص باهظ جداً، مقارنة بأي دولة في العالم (ثمن قطعة سلاح في الضفة تعادل ثمن عشر قطع في الدول المجاورة) وهو ما أثر على قدرة الفصائل وقلل من قدرتها على المقاومة لصالح الأفراد.

وبحسب رجل الأمن الفلسطيني السابق، فإن ثمن قطعة السلاح من طراز "الكلاشينكوف" في السوق السوداء بالضفة الغربية بات يتجاوز ثمانية آلاف دولار، رغم أنه بالإمكان شراء "كلاشينكوف" في قطاع غزة بألف دولار، فيما يبلغ سعر الرصاصة بين 7 و9 شيكل، بينما يبلغ سعر الرصاصة في غزة شيكلا ونصف (الدولار يساوي 3.8 شيكل) وبأقل من ذلك بكثير في مصر أو الأردن، مرجعا ارتفاع الثمن إلى اكتمال بناء الجدار الفاصل بين مصر وإسرائيل، والجدار الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل، إذ كان الجزء الأكبر من سوق السلاح في الضفة يعتمد على التهريب من سيناء إلى إسرائيل، ومن ثم تهريب السلاح إلى الضفة، بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري بين الضفة وإسرائيل الذي جعل مهمة شراء السلاح من السوق السوداء الإسرائيلية أمرا بالغ الصعوبة.

الاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى جانب عمليات الاغتيال والاعتقال التي نفذتها إسرائيل بحق رجال المقاومة منذ عام 2003 قلصت قدرة الأجنحة العسكرية على ضم عناصر جديدة قادرة على تنفيذ هجمات، وترافق ذلك مع استمرار الاعتداءت الإسرائيلية، مما خلق جيلا جديدا يملك دافعا ذاتيا للمشاركة في العمل المقاوم رغم أنه غير مدرب، ولا ينتمى إلى أي فصيل بحسب رجل الأمن الفلسطيني.

لكنّ ناشطا في المقاومة الفلسطينية ربط خلال حديثه مع "العربي الجديد" بين ما وصفه موجة المقاومين المنفردين وعجز الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة عن تجنيد هؤلاء الشبان وتأهليهم عسكريا وأمنيا، كما كان عليه الوضع خلال الانتفاضة الثانية في عام 2001 ، وفشل الاحتلال في القضاء على دافعية واستعداد الشبان لتنفيذ هجمات.

ويستذكر الناشط أيام الانتفاضة الثانية عام 2001 بالقول "غالبية منفذي الهجمات الاستشهادية خلال انتفاضة الأقصى تطوعوا لتنفيذ هجماتهم قبل أن يكونوا أعضاء في فصائل. كان يكفي أن يتوجه المتطوع إلى ناشط في أي فصيل لإبداء رغبته، وبعد فترة وجيزة من التدقيق الأمني في هويته وحقيقة دوافعه وبعد تدريب كان يتم تنفيذ الهجوم، فالأجنحة العسكرية كانت تعمل على الحفاظ على حياة الكوادر المؤهلة عسكريا من أجل استمرار العمل".

لماذا القدس ؟

ومضى الناشط بتفسير حقيقة أن غالبية المهاجمين المنفردين من القدس، بالتأكيد أن رغبة الشبان في سائر مدن الضفة الغربية في تنفيذ هجمات لا تقل عن نظرائهم من القدس، ولكنّ تنفيذ هجوم في الضفة الغربية أمر متعذر، ما لم يملك المهاجم سلاحاً نارياً أو عبوات ناسفة، وهذه الأمور مكلفة ويتطلب استخدامها تدريباً لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال العمل ضمن جناح عسكري، والأهداف المتاحة في الضفة الغربية شحيحة ومحاطة بإجراءات أمنية معقدة وتجاوزها أمر غير مضمون، وإمكانية الاقتراب من تلك الأهداف في مرحلة جمع المعلومات قبل تنفيذ الهجوم، مخاطرة كبرى، فاحتمال التعرض للاعتقال من جانب الأجهزة الأمنية الفلسطينية كبيرا جداً، لا سيما أنها تنشر مخبرين في نقاط التماس لتحديد الأشخاص الغرباء الذي يقتربون من تلك المناطق".

ولكن الحال في القدس وفقا للناشط في المقاومة مختلف، فبإمكان المهاجم استخدام سيارته أو سكين أو مسدس، وكل هذه الأدوات لا تتطلب تدريبا عالي المستوى، والأهداف بالإمكان الوصول إليها بحكم امتلاك المقدسيين القدرة على الدخول إلى التجمعات الإسرائيلية لامتلاكهم بطاقة الهوية الإسرائيلية.

ويوضح المقاوم الذي كان يعمل ضمن مجموعة تابعة لفصيلٍ قتل واعتقل غالبية أعضائه، أن "المقاوم المنفرد" يلجأ إلى الاعتماد على وسائل جديدة، لا يمكن رصدها (السلاح يتم رصده بسهولة) مثل الزجاجات الحارقة، ويضيف "يجد المهاجمون المنفردون أنفسهم مجبرين على استخدام وسائل قتالية بدائية مثل السكين أو وسائل مبتكرة مثل "السيارة للدعس" أو الزجاجات الحارقة، لأن عملية البحث عن سلاح ومحاولة شرائه، قد تؤدي إلى انكشاف أمرهم من جانب أجهزة أمن السلطة أو الأجهزة الأمنية الإسرائيلية".

من السكاكين إلى الأحزمة الناسفة

ولا يستغرب د.ناجي البطة، الأستاذ في أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية في غزة، اعتماد المهاجمين المنفردين على السلاح البدائي بالقول "هذه أدوات المهاجم الفردي غير المنظم وربما يتطور الأمر بعد ذلك إلى حزام ناسف في المستقبل، لكن تبقى مواصفات سلاح المهاجم المنفرد السكين والبلطة أما غير ذلك فيدخل في دائرة العمل التنظيمي".

وتوقع باحث متخصص في المقاومة في الضفة الغربية -رفض ذكر اسمه- تواصل ظاهرة المقاومين المنفردين خصوصا بالقدس لأن "مثل هذا النوع من الهجمات مرتبط بالأجواء المتوترة والانتهاكات الاسرائيلية المتصاعدة لحرمة المسجد الأقصى بالإضافة إلى نجاح المهاجمين المنفردين بتهديد الأمن الشخصي للمستوطنين بما يشجع شبان جدد على شن هجمات، لا سيما أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تعجز عن إحباط هذه الهجمات، لأن المنفذ يعمل من تلقاء نفسه ولا يطلع أحداً على مخططاته، وغالباً ما يهاجم أهدافاً مبتكرة من دون استخدام سلاح ناري أو متفجرات".

الإنجازات

وعن الإنجازات التي حققتها تلك الهجمات المنفردة التي تم تنفيذها مؤخراً يقول د. هشام المغاري "بسبب الهجمات المنفردة ظهرت الدعوات داخل إسرائيل من سياسيين وحاخامات إلى التوقف عن السماح لليهود المتشددين باقتحام المسجد الأقصى".

ويلفت المغاري إلى نقطة قوة إضافية لصالح الفلسطينيين في الهجمات المنفردة "عندما كانت التنظيمات توجه المقاومة كان يتوقع الإسرائيلي من حكومته أن تتخذ إجراءات لحمايته، مثلما حدث عندما ابتكرت منظومة لابتكار لاعتراض صواريخ القسام، ولكن عندما ينتقل العمل المقاوم من التنظيم إلى الأفراد يصبح العمل دافعه فرديا مما يفقد الإسرائيلي الثقة بحكومته لأن الأهداف التي يختارها المهاجم المنفرد متنوعة جدا والإجراءات الأمنية الوقائية لن تكون قادرة على منع مثل هذه الهجمات، وهو ما يضاعف فقدان الشعور بالأمن الشخصي لدى المستوطنين لشعورهم الدائم بأن المهاجم قد يظهر في أي لحظة".

ويتفق المغاري مع كل الآراء السابقة في أن" التنظيمات ضُيق عليها بشكل كبير في الضفة الغربية، وهو ما أفقدها القدرة على التواصل مع عناصرها أو التواصل مع الجيل الجديد من الشباب، وبالتالي فإن هؤلاء الشبان سواء كانوا منتمين إلى تنظيمات سابقة أو مواطنين عاديين غير منتمين، فإنهم سينفذون هجمات بشكل منفرد، وفي هذا الحالة ستتحول مهمة اعتقال هؤلاء الشبان لتصبح أكثر تعقيدا والاحتلال يصبح الخاسر الأكبر".

وتشير المعطيات وفقا للباحث المتخصص بالعمل المقاوم بالضفة الغربية إلى أن منفذي الهجمات المنفردة ليسوا بالضرورة من غير الأعضاء في التنظيمات المقاومة، ولكن عددا كبيرا منهم أعضاء في تنظيمات تفككت بناها التحتية وفقدوا التواصل مع قياداتهم، وبعضهم اضطر لتنفيذ هجمات بالتعاون مع أقاربه، لأنه غير قادر بفعل المتابعة المتواصلة للأجهزة الأمنية الفلسطينية الإسرائيلية على تشكيل خلية، مثلما حدث في الخليل قبل عدة أشهر، عندما نفذ أحد محرري صفقة شاليط هجوما أسفر عن قتل ضابط رفيع في الاستخبارات الاسرائيلية.

وخلص الباحث في شؤون المقاومة إلى أن عددا كبيرا من المقاومين حتى أولئك الذين عملوا في صفوف الفصائل يدركون أن الخيار المتاح حاليا لمواصلة المقاومة هو تنفيذ الهجمات المنفردة على الرغم من أن الخسائر البشرية التي ألحقتها بالاحتلال أقل من الهجمات المنظمة، ولكنها جعلت المستوطنين يشعرون بخطر يتهدد أمنهم الشخصي.

نقطة ضعف إسرائيل والسلطة

واعتبر المقاوم الذي تحدث إلى "العربي الجديد" أن النشطاء وأعضاء التنظيمات يدركون أن المهاجم المنفرد هو نقطة ضعف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية، فليس من السهولة اعتقاله، لأنه في الغالب يستخدم سلاحاً غير ناري، علماً بأن غالبية الخلايا يتم اعتقال أفرادها في مرحلة البحث عن سلاح أو التدريب على السلاح قبل تنفيذ الهجمات.

ويدلل المقاوم على صحة رأيه بالقول "نجح الاحتلال بالتعاون مع أجهزة الأمن الفلسطينية بشل الأجنحة العسكرية بالضفة الغربية، ولكنهم أخفقوا بقتل روح المقاومة لدى الجيل الجديد فتحول المقاوم المنفرد من استثناء بسبب تعاون الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع الاحتلال إلى ظاهرة وها هو يتحول إلى موجة ثورية يعترف قادة الاحتلال بأنها أفقدت المستوطنين أمنهم الشخصي".

ويعتقد د."ناجي البطة"، أن الهجمات المنفردة تربك إسرائيل أكثر من الهجمات المنظمة، قائلا "الأعمال الفردية تهز المجتمع الإسرائيلي لأن القيادة الأمنية والسياسية الإسرائيلية لا تعرف أين ترد، بينما لو قام بذلك تنظيم فهي تعرف العنوان، وبالتالي لا تملك إسرائيل عندما تواجَه بعمليات فردية إلا هدم بيت المنفذ، ومن وجهة نظر الاحتلال، فإن ذلك غير كاف، لأنه لا يشكل ردعاً للآخرين، ولن يمنعهم من مواجهة الاحتلال".