التعقب الإلكتروني لنشطاء مصر.. "الأخ الأكبر يراقبك"

20 يناير 2016
تزايد حالات القبض على نشطاء بسبب نشاطهم على الإنترنت(Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي كان مقدم البرامج التلفزيونية أحمد موسى، القريب من الأجهزة الأمنية، يعلن إلقاء القبض على مؤسسي حركة "بداية" المعارضة في مصر في حلقة تلفزيونية، كانت قوات الأمن في ذات اللحظات، تعتقل شريف دياب أحد وجوه الحركة التي جمدت نشاطاتها بعد صدور حكم القضاء الإداري بحظرها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقب 6 أشهر من تأسيسها.

عقب انطلاق حملة الاعتقالات ضد كوادر الحركة، سعى محمود السقا، (أحد مؤسسيها)، إلى مغادرة منزله، إلى مكان غير معلوم تجنباً للتعرض للاعتقال أو الإخفاء القسري، إلا أن مغادرته لمنزله لم تكن كافية، إذ اختطف بعدها بيوم واحد في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من منطقة المهندسين بمحافظة الجيزة، واختفى قسرياً لمدة يومين حتى ظهوره مع صديقه شريف دياب و3 آخرين في نيابة أمن الدولة العليا لاتهامه بالانتماء إلى جماعة أسست على خلاف القانون وهي حركة "شباب 25 يناير".

منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في قضايا ما يعرف بالحركات التي أسست على خلاف القانون، من بينها قضية 6 إبريل والمتهم فيها 6 ناشطين سياسيين، يتأسيس جماعة على خلاف القانون، والقضية الثانية معروفة إعلامياً بقضية "شباب 25 يناير" ومتهم فيها 10 أشخاص كان آخرهم الطبيب طاهر مختار الذي اعتقل من منزله على ذمة نفس القضية 14 يناير/كانون الثاني الحالي.

بحسب ما وثقته معدة التحقيق، فإن الوقائع السابقة، ووفقا لمقربين من النشطاء، تمت عبر تتبع أجهزة الأمن لهؤلاء المعارضين عن طريق شبكة الإنترنت وشبكات الاتصالات التليفونية، بخاصة أن عدداً من المتهمين في القضيتين تم اعتقالهم من أماكن لم يعتادوا التواجد فيها، لكن كيف تتم عملية التتبع وما آلياتها؟

اقرأ أيضاً: خليجيون في ذكرى يناير..حكم السيسي لن يعمر مثل مبارك

عنوان الولوج إلى الإنترنت

في 12 يناير/كانون الثاني الجاري، اعتقلت "كوثر"، من منزلها بمركز مطاي بمحافظة المنيا، ( 241 كم جنوبي العاصمة المصرية القاهرة)، ووجهت لها، تهم إدارة 6 صفحات معارضة تحرض على مؤسسات الدولة والانتماء إلى تنظيم الإخوان، طبقاً لما ذكرته صفحة وزارة الداخلية المصرية، على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، إذ تعقبت وزارة الداخلية حساب كوثر عبر الإنترنت، وتوصلت إلى عنوان الولوج للشبكة العنكبوتية وعبره نجحت في الوصول إلى مقر سكنها.

تكررت الطريقة السابقة، في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ اعتقلت أمينة أحمد زوجة أحد مصابي مذبحة رابعة، وأحد المطاردين من قبل النظام المصري من منزلها بمركز السنبلاوين، التابع لمحافظة الدقهلية، ( 100 كم شمالي العاصمة المصرية القاهرة)، بتهمة إدارة صفحة تحرض على العنف وتم التوصل إلى مقر سكنها بنفس الطريقة السابقة، وفقا لذات المصدر السابق (صفحة وزارة الداخلية على الفيسبوك).

أما "رجاء" فقد اعتقلت من مقر سكنها في 5 يناير/كانون الثاني، الجاري، بتهمة إدارة صفحة "أزهريون ضد الانقلاب"، عبر تتبع عنوان ولوج الإنترنت الخاص بها، طبقاً لصفحة وزارة الداخلية المصرية على موقع التواصل الاجتماعي.

مزودو الخدمة

بحسب ناشط متحصص في شؤون التقنية، فإن طرق التتيع الإلكتروني تنقسم إلى التتبع عبر عنوان الـ IP، ويمكن من خلال هذه الطريقة تحديد مكان المستخدم عن طريق عنوان الـ IP الخاص به.

يذكر الناشط الذي رفض ذكر اسمه، أن هذه الطريقة يعيبها فقدان الدقة الكافية، إذ تحدد الدولة أو المدينة التي يجلس بها المستخدم، وهو ما يتطلب تعاون شركات الاتصالات والإنترنت مع الأجهزة الأمنية، لتحديد المكان، الذي يتواجد فيه المستهدف بشكل أدق.

الطريقة الثانية، بحسب الناشط، تتم عبر أبراج شركات الاتصالات، التي يمكن عبرها تحديد مكان المستخدم عن طريق معرفة عدد من أبراج الاتصالات التي حوله، وهذه الطريقة مشهورة في الهواتف وهي سريعة ودقيقة ولكنها ليست بدقة نظام تحديد المواقع (جي بي اس)، والذي يمكن من خلاله تحديد مكان المستخدم إذا كان يستعمل خدمة أو جهاز GPS وهي أكثر الطرق دقة في تحديد المكان ولكنها بطيئة نوعاَ ما إذ يلزم انتظار مدة دقيقة أو أكثر لتحديد المكان بدقة.

الطريقة الثالثة، تتم من خلال شبكات الوايرلس، إذ يمكن تحديد مكان المستخدم عن طريق معرفة عدد من شبكات الوايرلس أو الـ Routers التي تحيط به، ويصف الناشط هذه الطريقة بالدقيقة والسريعه، قبل أن يتابع "تحتاج هذه الطريقة إلى قاعدة بيانات كبيرة لأماكن تواجد شبكات الوايرلس والراوترات وهي موجودة عند  شركات التقنية الكبرى في العالم مثل Google، ولكنها كذلك ليست بدقة نظام تحديد المواقع المعروف بالجي بي اس، بينما تكمن خطورتها في إمكانية، معرفة مكان المستهدف حتى لو كان جهازه بدون شريحة وكان غير متصل بالإنترنت أيضا.

بحسب الناشط والمدون وائل عباس، فإن تقنيات التتبع الإلكتروني، تبدأ من التنصت على المكالمات عن طريق شركات المحمول إلى التنصت على كل النشاط الإلكتروني بين الناشط والإنترنت عن طريق الشركات مقدمة الخدمة، وهو ما يعرف بالـ"ديب باكيت انسبكشن".

ويضيف عباس في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد":"الديب باكيت انسبكشن" هو اعتراض للبيانات التي تخرج من الأجهزة المستهدفة، فكل نشاط على الأجهزة الإلكترونية يخرج في صورة "حزمة بيانات" يتم اعتراضها وترجمتها لفهم محتواها سواء كانت رسالة أو صورة أو غيره".

وحول التعقب الإلكتروني قال عباس إن تحديد الأماكن عبر الهاتف المحمول يتم عن طريق عملية تدعى " تراينجوليشان" وهي باختصار تحديد موقع الشخص المستهدف عن طريق قوة إشارة هاتفه بين أقرب ثلاثة أبراج اتصال له عن طريق الشركة المزودة للخدمة، والتي تستطيع بعملية حسابية تحديد موقعه".

يلفت عباس إلى أنه بالإضافة إلى التعقب الالكتروني، هناك أيضا المراقبة الفيزيائية عن طريق المخبرين، أو تجنيد موظفي الأمن أو أصحاب الأكشاك او حارس العقار الذي يسكن به الناشط، (وهي وسيلة مازالت مستخدمة في مصر).

يجيز قانون الإرهاب المصري للأجهزة الأمنية التنصت ومراقبة الرسائل الخاصة (Getty)


اقرأ أيضاً: فشل حكم الجنرال.. هل انتهى نظام السيسي؟

اقتحام منازل مشتركي وصلات الإنترنت

يروي المحامي والحقوقي المصري محمد الباقر، عضو حملة "الحرية للجدعان" ومحامي المتهمين في قضية "6 إبريل"، أن إحدى القضايا التي يتولاها، تم خلالها تعقب مدير إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، عن طريق عنوان الولوج إلى حسابه، متابعا: "يعيش الناشط في أحد المناطق الشعبية، لم يكن مشتركا في خدمة الإنترنت من الشركة، وإنما عن طريق "وصلة" من أحد مقاهي الإنترنت، فاقتحمت قوات الأمن منازل كل المشتركين في "وصلات" هذا المقهى".

وتصاعدت حالات اقتحام الأمن المصري، للشقق قبل ذكرى ثورة يناير الخامسة، إذ قال ناشطون إن الأجهزة الأمنية شنت حملة تفتيشية على ما يقرب من 5 آلاف شقة في منطقة وسط البلد بالقاهرة فيما تم تفتيش الهواتف وأجهزة الكمبيوتر الشخصية (اللاب توب) للسكان.

التقييم القانوني

يجيز قانون الإرهاب المصري للأجهزة الأمنية التنصت ومراقبة الرسائل الخاصة، إذ تنص المادة 46 منه على أنه للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، في جريمة إرهابية أن تأذن لمدة ﻻ تزيد على 30 يوما قابلة للتجديد مدة أو مددا آخرى مماثلة، بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل اﻻتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من الوسائل الحديثة. ويحق لسلطات التحقيق المصرية أيضا، تسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات اﻻتصال أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وكذلك ضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها.

لكن المحامي الباقر يرى خلافا، بين الواقع والقانون، قائلا: "القانون يقبل عمليات التعقب والتتبع الإلكتروني في إطار ما بعد التحريات في الجرائم الكبرى، إذ يصبح هناك متهم وقضية قائمة قبل عملية التعقب، ومحضر تحريات متماسك في ضوئه تأمر النيابة بتعقب الشخص أو التجسس على مراسلاته وهذا مقبول قانوناً، ولكن ما يحدث على أرض الواقع هو تتبع النشطاء السياسيين بصورة عامة، والتجسس على اتصالاتهم ومراسلاتهم بدون إذن قضائي وتحريات جدية، ثم تتم عملية الاختفاء القسري للشخص ثم استصدار أمر نيابة إجرائي عند عرضه على النيابة".

وأضاف الباقر أن تدخل النظام مع شركات الإنترنت والاتصالات كان جلياً بصورة كبيرة في قطع الاتصالات في يوم جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011، مشيراً إلى أن التدخل في عمل هذه الشركات هو جزء من العقود التأسيسية بينهم وبين النظام، وهو إجراء معمول به في كل الأنظمة الاستبدادية.

اقرأ أيضا: بالوثائق.. هكذا روّج السيسي نظامه في "كي ستريت"

رسالة تحذير

كثيرا ما تشارك العشرينية نوران نبيل، منشورات للتضامن مع المعتقلين على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، لم تتصور يوميا، كما تقول، أن تتلقى رسالة على هاتفها المحمول من رقم يحمل اسم "Egy Gov" جاء فيها " نرجو من سيادتكم بكل احترام التوقف عن السب والقذف لوزارة الداخلية والقوات المسلحة والرئيس عبدالفتاح السيسي وعدم المشاركة في أي وقفات أو مظاهرات تدعو للعنف وتدمير الوطن، نهيب سيادتكم بأن حسابك الشخصي على الفيسبوك ورقم الهاتف الخاص بك تحت المراقبة، برجاء حذف كل المنشورات التي تم كتابتها على حسابك وإذا لم تتوقف باستمرار السب والقذف والتعدي على هيبة قيادات الشرطة والجيش، سنقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".

تقول نوران، لـ"العربي الجديد":"نشاطي عبر موقع التواصل الاجتماعي لا يزيد عن النشاط العادي، صفحتي ليست مشهورة، تحمل ذكريات وأراء في الحياة، لست ناشطة عبر الإنترنت بصورة تستدعي هذه الرسالة، التي لم تثر أكثر من سخريتي".

الوضع يشبه ما جاء في رواية 1984، لجورج أرويل، تقول نوران، إذ يسيطر الأخ الأكبر على جميع تفاصيل حياة سكان"أوقيانيا" الذين يعيشون تحت المراقبة المستمرة طيلة حياتهم ويتحكم بمشاعرهم ويلغي أغلبها مع إبقاء الغضب والكراهية والشك بالذات وبالآخرين، فيما تقوم وزارة الحقيقة بواسطة كادرها الكبير بتغيير البيانات والمعلومات الموثقة على مدار الساعة لتتماشى مع إستراتيجية وأهداف الحزب والحكومة بقيادة الأخ الأكبر.

تشفير البيانات هو الحل

"تشفير البيانات هو الحل" هكذا بدأ خبير أمن المعلومات محمد مصطفى السيد حديثه، قبل أن يتابع "النشاط الالكتروني مسجل ولكن الفكرة فيمن يستطيع الاطلاع عليه، فقسم الدعم الفني مثلاً في أي جهة عمل يمكنه الاطلاع على النشاط الالكتروني لكل فرد يعمل بالشركة مادام متصلا بخادم الشركة، وهو نفس الأمر مع شركات الإنترنت".

وأوضح السيد أن كل شركات الاتصالات لديها القدرة على تسجيل المكالمات، قائلا لـ"العربي الجديد": "هذه الخاصية ليست في مصر فقط، وإنما في كل الدول العالم، والتعاون مع جهات الامن يمكن وضعه ضمن بند من بنود عقود خطوط الهواتف المحمولة، ولا أحد يقرأ هذه العقود رغم أهميتها، وكذا لا يتم الإعلان عن الأمر حتى لا يثار جدل حوله".

وشدد السيد على ضرورة استخدام تطبيقات تشفير البيانات مثل متصفح "تور"، وغيرها من الوسائل التي تضمن عدم إمكانية الوصول إلى محتوى بيانات المستخدم بسهولة.

اقرأ أيضا: الانتحار في مصر.. المدنيون يفضلونه شنقا والشرطيون بالسلاح

لواء سابق: العالم الافتراضي خطر

في نهاية العام 2014، تم الإعلان عن تأسيس مجلس أعلى لأمن البنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حمل مسمى "المجلس الأعلى للأمن السيبراني"، وأتبع مجلس الوزراء المصري هذا القرار بآخر أصدره رئيس الوزراء المصري السابق إبراهيم محلب في شهر فبراير/شباط من العام 2015  بتشكيل لجنة أخرى تتولى دراسة إدخال تعديلات تشريعية على القوانين المتعلقة بالأمن القومي، بما يمنح المحاكم المصرية صلاحية البت في إزالة ما يبث على شبكة الإنترنت في مصر، وله علاقة بالإرهاب.

في ذات السياق يؤكد نشطاء حقوقيون ومختصون في التقنية وتقارير، على قيام الأجهزة الأمنية المصرية بمراقبة محتوى شبكة الإنترنت في مصر، عن طريق شركة "Blue Coat" الأميركية، المتخصصة في الأمن الرقمي والتي اتهمت بتركيب أنظمة تسهل عمليات الرقابة والتعقب لأنشطة المستخدمين المصريين على شبكة الإنترنت، ورغم نفي الداخلية للأمر فإن نشطاء وصحافيين مصريين، يؤكدون على حدوثه، بعد أن كشف موقع "بز فيد" الأميركي الأمر في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويرى اللواء فاروق المقرحي الخبير الأمني، أن الحديث عن التعقب الأمني خارج نطاق القانون "كلام فارغ"، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية لديها إدارة للمعلومات والتوثيق تقوم بنشاطها في تعقب والتصدي للجرائم الالكترونية في إطار من القانون.

وأضاف المقرحي في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "كل دول العالم تتعقب المخربين عن طريق الانترنت، العالم الافتراضي أصبح من الخطورة التي تقتضي ضرورة السيطرة عليه"، مشددأ على أن الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم "داعش" تستقطب أعضاءها الجدد عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وشدد المقرحي على أن كل تصرف تقوم به الإدارة المختصة بمراقبة الانترنت يتم بإذن من جهة قضائية وهو نص عليه الدستور على حسب قوله.