التمور العربية [3/6]... صادرات مصرية هزيلة رغم تصدر الإنتاج العالمي

21 يونيو 2017
صادرات مصرية هزيلة من التمور (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يجد الناقد الفني المصري طارق الشناوي، من تفسير لإصرار مؤلفي الدراما والسينما، على تكرار مشهد أشجار النخيل ومن ورائه الصحراء، في سياق درامي لتوصيل فكرة موحية بأن من يعيش فى تلك المنطقة ما يزال في عصر الجاهلية أو حتى استخدام مشهد النخيل ومن ورائه النيل لنقل فكرة أن من يعيش في تلك المناطق يحيا في عزلة مثل المطاريد، إلا بعدم إدراك المشتغلين في صناعة الفن السابع بأن بلدهم ينفرد بصدارة الإنتاج العالمي من تلك الفاكهة، الأمر الذي أدى إلى تكرار تلك الثيمة الفنية، وتغييب أهمية إنتاج وصناعة التمور عن عقول المشاهدين، على الرغم من أن مصر تعد الأولى عالميا فى إنتاج التمور بإجمالي 1.5 مليون طن متري في كل عام بما يعادل 17.7% من الانتاج العالمي المقدر بـ 7.5 ملايين طن، وفق تقرير حديث صادر عن مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة في يونيو/حزيران الماضي.

غير أن كمية الإنتاج الكبيرة هذه، لم تنعكس على ما تصدره مصر، إذ لا تتجاوز حصة التمور المصرية في السوق العالمية نسبة 2.7 % من إجمالى التمور المصدرة على مستوى العالم بإجمالى 38 ألف طن، بينما تحتل تونس المركز الأول دوليا في تصدير التمور إذ قامت بتصدير حوالي 80% من إنتاجها في العام الماضي، الأمر الذي استدعى وضع خطة استراتيجية لتطوير قطاع النخيل والتمور عبر مركز البحوث الزراعية من أجل الوصول إلى تصدير 120 ألف طن متري خلال السنوات الخمس المقبلة ورفع متوسط سعر التصدير الذي يصل حاليا إلى ألف دولار للطن، بإجمالي لا يزيد على 41.8 مليون دولار، في الوقت الذي يصل فيه عدد أشجار النخيل في مصر إلى 15.582.000 نخلة، منها 6.112.000 نخلة في محافظة الوادي الجديد الصحراوية الواقعة في جنوب غربي مصر، وفق ما أعلنه وزير التجارة والصناعة المهندس طارق قابيل عقب اجتماع مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لاستعراض استراتيجية تطوير قطاع النخيل والتمور في يونيو/حزيران الجاري.

وتستهدف الاستراتيجية التي تم وضعها قبل شهر في مايو/أيار الماضي، تطوير صناعة وقيمة قطاع التمور عبر الاستفادة من مخلفات التمور والنخيل في مجالات صناعية متنوعة، وتعظيم القيمة المضافة لصناعة التمور بما يعود بالنفع على المستثمرين والمصنعين والتجار، وصغار المزارعين، إلى جانب تنشيط قطاع صناعي واسع يعتمد على النخيل، وتوفير المزيد من فرص التشغيل للشباب، إذ تعد صناعة التمور من الصناعات كثيفة العمالة، وفق ما أفادت به "العربي الجديد" المهندسة حنان الحضري مقررة مجلس الصناعة للتكنولوجيا والابتكار في وزارة التجارة والصناعة.


مشاكل صناعة التمور في الوادي الجديد

يبلغ متوسط إنتاج النخلة الواحدة 116 كيلوغراماً من التمور، ويوجد في محافظة الوادي الجديد 36 مصنعا و20 وحدة تعبئة وتغليف وتعد واحة الخارجة الأولى في إنتاج التمور، ويعد نوع (الصعيدي) نصف الجاف أكثر الأنواع التي تنتجها الواحة، تليها في الإنتاج الواحات البحرية (تتبع إداريا محافظة الجيزة) ثم واحة سيوة (تتبع محافظة مطروح)، وأخيرا واحات الداخلة (تتبع الوادي الجديد)، وفق ما قاله المهندس عماد بحر مدير مجمع التمور بالوادي الجديد (حكومي)، والذي يفسر أسباب انخفاض الكميات المصدرة إلى الخارج مقارنة بحجم الإنتاج الكبير، بسبب نقص اليد العاملة وعدم اهتمام الدولة بمصانع التمور.

وأردف في تصريحات خاصة إلى "العربي الجديد": "نعاني من مشكلة في اليد العاملة، خاصة أن الوادي الجديد محافظة نائية وعلى أطراف الدولة وفي الصحراء، وعدد سكانها منخفض للغاية، كما تمنع عادات وتقاليد البدو المقيمين في المناطق المنتجة للبلح، بناتهم من الخروج إلى العمل في المصانع بعد الزواج، على الرغم من تدريبهن على العمل طيلة الفترة التي تسبق زواجهن"، وأكمل موضحا: "في كل عام أدرب قرابة 20 فتاة، تترك خمس منهن العمل في العام التالي"، الأمر الذي دفع ياسر رؤوف صاحب مصنع خاص وأحد مصدري التمور، إلى الاتفاق مع الأهالي على توزيع الإنتاج على بيوت الفتيات المتزوجات لإتمام عملية التعبئة والتغليف اليدوي على أن تقوم سيارة بإعادة جمع العلب من المنازل في نهاية اليوم.

ويهدي رؤوف الفتيات العاملات في مصنعه علبة تمور إضافة إلى الأجر اليومي البالغ 100 جنيه (5.5 دولارات أميركية) مرددا وهو يضحك "الموسم الجاي اليومية هتزيد بس أهم حاجه مفيش زواج"، لكن العشرينية سعاد التي تستعد للزواج ثالث أيام العيد ردت عليه بينما تقف وسط مئات من علب التمور وأجولة البلح قائلة: "ده آخر موسم لي فى المصنع، سأتزوج واقعد في البيت، دي العادات والتقاليد هنا، البنت ملهاش غير بيت زوجها". ويرد صاحب المصنع :"كل السيدات يعملن بعد الزواج في كل مكان إلا عند البدو، عادة غريبة".

تكمل سعاد موجهة حديثها إلى معد التحقيق، "وفرت قرابة 10 آلاف جنيه بعد ثلاثة أشهر من العمل في موسم التمور، سأشتري بهم مستلزمات زواجي، عملت 7 مواسم في المصنع، أصبحت ماهرة في عملية التعبئة، ممكن أغلف البلح أو أحشيه، بينما أنظر إلى الخلف"، ويعلق مالك المصنع، قائلا: "بالفعل البنت بعد ما تبقى ماهرة وتتقن العمل، تتزوج وتجلس في المنزل، دي أكبر مشكلة تواجهنا هنا في مصانع التمور، نأمل في نجاح تجربة العمل من المنزل".




الفاو تحصر مشاكل قطاع التمور المصري

أصدرت منظمة الفاو في يناير/كانون الثاني الماضي، بيانا حذرت فيه من أن قطاع التمور المصري يعاني ضعفا في الخدمات الفنية وضعفا في إدارة الجودة مع قلة عدد المنشآت الحاصلة على شهادات الجودة وعضوية المجلس التصديري وبالتالي لا يتم الالتزام بالمعايير الخاصة بقياس جودة الصنف والافتقار إلى الرقابة والبيانات الدقيقة والمفصلة عن السوق المحلي، كما أن المنتجات المعروضة لا تطابق مواصفات السوق العالمي.

وأكد تقرير الفاو، أن قطاع التمور يعاني من  ضعف في استغلال الموارد المرصودة لصالح الدعاية للتمور، مشيرا إلي ضرورة وضع خطة عمل تمكن من تطوير قدرات كل المتدخلين في القطاع على العمل مع بعضهم بعضاً بهدف تحقيق نمو اقتصادي مشترك للقطاع ومفيد لكل الأطراف لإيجاد حلول لكل هذه الإشكاليات والمعوقات.


ارتفاع المبيعات والأسعار في رمضان

فى مارس/آذار الماضى افتتحت محافظة مطروح (تقع في أقصى الشمال الغربي على الحدود مع ليبيا)، أكبر مصنع للتمور فى واحة سيوة بتكلفة 40 مليون جنيه (2.2 مليون دولار) فيما بلغت تكلفة المعدات حوالي 20 مليون جنيه، ويوجد بالمصنع 6 خطوط إنتاج، يتجاوز إنتاجها 10 آلاف طن، وبحسب يوسف أحمد جيرى مدير المصنع الذى تم افتتاحه مؤخرا، فإن "الحصاد يبدأ من أول سبتمبر ويستمر خلال أكتوبر وحتى نوفمبر، وبعد ذلك تبدأ عملية تسليم التمور للمصانع من أجل تخزينه وتجفيفه استعدادا لإدخاله فى عمليات التصنيع المختلفة".

وتشتهر سيوة بإنتاج أصناف "السيوي الممتاز والسيوي الدرجة الثالثة، والبلح الأصفر والعزاوي بدرجاته والفريحي، وجميع هذه الأصناف تخضع لعمليات التصنيع المختلفة، إذ تم تخزينها في ثلاجات كبيرة عند درجة حرارة 3 مئوية ثم تبدأ عملية التجفيف ثم التكثيف والتعقيم والتهوية والفرز والتصنيع وأخيرا التغليف ويتم استخدامها فى خطوط إنتاج مثل البلح بالشيكولاته، أو البلح بالمكسرات، أو العجوة بالبسكويت أو التعبئة والتغليف وإعداد المنتج للبيع في السوق المحلي أو التصدير".

وينخفض معدل مبيعات التمور طيلة العام، غير أن السوق يتحسن بشكل واضح مع حلول شهر رمضان الذي ترتفع فيه معدلات المبيعات بشكل كبير، بسبب ارتفاع أسعار الياميش المستورد ما دفع المواطنين إلى التركيز على البلح الذي يعد صنفا رئيسيا ضمن ياميش رمضان وترك المكسرات المستوردة غالية الثمن مثل اللوز والبندق وعين الجمل، فضلا عن صدور قرار بوقف استيراد التمور من دول العراق والإمارات والسعودية، ما أدى إلى زيادة مبيعات التمور المصرية، وخاصة تمور الواحات عموما، على الرغم من ارتفاع الأسعار هذا العام بنسبة 80% بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الانتاج، وفق ما يقوله المهندس بحر، الذي أوضح أن معدلات التصدير زادت هذا العام، خاصة إلى المغرب العربى وشرق آسيا مشيرا إلى اعتماد المواصفات القياسية المصرية في البلح المصدّر والتي يتم فيها مراعاة نسبة الرطوبة وعدد الحبات في الكيلوغرام ونسبة الإصابة ودرجة النقاوة وتوحيد اللون.

وبعد تجهيز وتعبئة التمور في المصانع تبيعه بالجملة وفق أسعار تتراوح من 5 إلى 15 جنيهاً بالنسبة للبلح السادة بزيادة قدرها 50 % عن أسعار العام الماضي. ويتراوح سعر التمور المحشوة بالمكسرات (لوز وفول سوداني) بين 40 جنيها (2.2 دولار) و60 جنيها (3.3 دولارات) بزياده قدرها 120%. وتتراوح أسعار التمور فى الأسواق من 20 جنيها إلى 60 جنيها للكيلوغرام بزياده تصل إلى 100%، بحسب تامر العمده صاحب أحد مصانع التمور في الواحات، والذي يتمنى انخفاض الأسعار أو "بقاءها على ما هي عليه وعدم زيادتها حتى لا تختفي التمور من المائدة المصرية للأبد أو حتى ينقشع الغلاء" كما يقول.