إعلام تنظيم القاعدة...أفول زمن المنتديات وصعود "تليغرام"

17 مارس 2017
إعلام القاعدة تطور من المنتديات إلى التليغرام (فرانس برس)
+ الخط -

في أوج مواجهة تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الأميركية، كان لأيمن الظواهري، الرجل الثاني وقتها بعد زعيم التنظيم أسامة بن لادن، كلمة انتشرت بين الجهاديين، مفادها أن "الإعلام نصف المعركة"، إذ كانت القاعدة والتنظيمات الجهادية المنضوية في ركابها، ترى أن وسائل الإعلام العالمية والعربية تشوه سمعتها ولا تنقل وجهة نظرها، وعليها كسر هذا الحاجز من أجل نقل وجهة نظرها إلى العالم ونشر أفكارها بين الجماهير.

وبعيد إنشاء الجبهة العالمية لجهاد اليهود والصليبيين في عام 1998، صعد نجم شبكة ومنتدى الإخلاص اللذين أصبحا واجهة لنشر الأنشطة والكلمات المرئية لقيادات القاعدة، وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ظهر منتدى وشبكة الحسبة اللذين صارا رديفاً للإخلاص، بحسب عضو في المنتديين المذكورين، رفض الكشف عن هويته حفاظاً على أمنه الشخصي.

وأضاف المصدر أن شبكة ومنتدى الحسبة لم يكونا معتمدين وموثوقين وسط الجهاديين، إلا أنهما مع الوقت اكتسبا الثقة في الأوساط الجهادية، حتى إن عطية الله الليبي نائب أيمن الظواهري عقد لقاء مفتوحاً في المنتدى المذكور.


مأسسة إعلام القاعدة


مع صعود نجم القاعدة، أرسل التنظيم الشرائط المصورة لقناة الجزيرة، كما حدث عند تبني أسامة بن لادن لأحداث 11 سبتمبر وما تلا ذلك من أحداث وعقب احتلال العراق وفي ذروة مقاومة الاحتلال بين عامي 2003 و 2006 ظهرت مقاطع مرئية لعمليات المقاومة من كل الفصائل ومن مشارب شتى مثل الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وجيش المجاهدين وجماعة التوحيد والجهاد التي بايعت القاعدة فيما بعد، وبحسب خبراء في الجماعات الإسلامية، فإن تلك الفترة تعد بداية مأسسة الإعلام الجهادي، إذ ظهرت أهم المنتديات التي نشرت فكر القاعدة، وعلى رأسها الفلوجة وشموخ الإسلام وأنصار المجاهدين، بعد أفول نجم الإخلاص والحسبة نتيجة الهجمات الإلكترونية ضمن ما عرف بالتعاون لمكافحة الإرهاب الدولي والذي قادته الولايات المتحدة الأميركية، أو بسبب القبض على القائمين على هذه الوسائط،  كما وقع مع مشرف شبكة الإخلاص "أبو دجانة الخراساني" همام البلوي الأردني الذي قبضت عليه المخابرات الأردنية وجندته لصالحها إلا أنه خدعها في النهاية وفجّر نفسه في جمع من ضباط السي آي إيه ومدير جهاز المخابرات الأردني في خوست في عام 2009.

مؤسسة إعلامية لكل فرع من القاعدة

لكل فرع من التنظيمات المبايعة للقاعدة، مؤسسة إعلامية خاصة به، إذ إن قيادة القاعدة العامة لها مؤسسة السحاب التي أنشئت عقب اندماج جماعة الجهاد المصرية وتنظيم القاعدة تحت اسم تنظيم قاعدة الجهاد عام 1998، وتطورت السحاب بعد إنشاء فرع للقاعدة في شبه القارة الهندية عام 2015 وصارت تنشر موادها بالعربية وبلغات شبه القارة الهندية أما فرع اليمن فله مؤسسة صدى الملاحم التي أنشئت مطلع 2009 عقب اندماج فرعي القاعدة في اليمن والسعودية تحت إمرة ناصر الوحيشي، ولفرع المغرب مؤسسة الأندلس التي أنشئت في أكتوبر 2009، بعد ازدياد عملياتها في منطقتي القبائل الجزائرية والصحراء الكبرى، أما فرع العراق فأسس مؤسسة الفرقان (قبل الانقلاب على قيادة القاعدة) وظهرت في الفضاء الإلكتروني بعد الإعلان الأول عن ظهور تنظيم الدولة أواخر عام 2006، تحت اسم دولة العراق الإسلامية وفرع سورية (قبل الانفصال) وكانت له مؤسسة تعرف بالمنارة البيضاء أعلن عنها مع بدء نشاط الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية في يناير/كانون الثاني 2012، وأخيرا مؤسسة الزلاقة التابعة لفرع القاعدة في الصحراء الكبرى التي أعلن عنها في 2 مارس/آذار الجاري بعد اندماج عدة جماعات تابعة للقاعدة وهي جماعة "المرابطون" وجماعة أنصار الدين وإمارة الصحراء التابعة مباشرة لفرع القاعدة في المغرب وجماعة أخرى من خارج القاعدة تعرف بحركة تحرير ماسينا تحت اسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في الصحراء الكبرى وتتفاوت هذه المؤسسات من حيث قوة المحتوى وجودة الإنتاج إلا أن الثابت هو التطور الدائم لها.


عملية التزكية

تتم عملية تزكية المنتديات والشبكات الجهادية عبر ما يعرف بـ"مركز الفجر للإعلام" وثيق الصلة بالقاعدة والذي ظهر كأداة آمنة لضبط عملية النشر في ظل فوضى البيانات التي جرت في تلك الفترة ولمنع تزوير بيانات يتم نسبتها للجماعات الجهادية وهو ما تم عبر تزكية منتديي الفلوجة وشموخ الإسلام، ولم ينتج المركز مواد إعلامية مرئية، إذ اقتصر دوره الرئيسي على تزكية غيره من وسائط القاعدة.

ويعد مركز الفجر، المخول بالنشر لمختلف فروع القاعدة، عدا فرع الصومال والذي اعتمد منذ البداية على ما يعرف بالجبهة الإعلامية كوسيط للنشر واستمر الحال كذلك، إلا أنه كان ينشر لفصائل من خارج القاعدة، كالحزب الإسلامي التركستاني وجماعة أنصار الإسلام في العراق.

أما منتدى أنصار المجاهدين فقد تمت تزكيته من خلال ما يعرف بـ "الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية" وقامت بذات مهام مركز الفجر والذي يعد أكثر ثقة منه بين الجهاديين، إذ أنه الأقدم والمكلف بالنشر لمعظم فروع القاعدة، لكن تبقى تزكية الجبهة الإعلامية معتمدة وهو ما يعني أن المنتدى آمن وغير تابع لأحد أجهزة المخابرات.

ونشرت الجبهة إصدارات لما يعرف بمؤسسة الكتائب للإنتاج الإعلامي الذراع الإعلامية لحركة الشباب المجاهدين، (فرع القاعدة في الصومال)، وأنشئت الكتائب في ديسمبر/كانون الأول عام 2009 قبل بيعة الحركة الرسمية للقاعدة.

مهام الجبهة الإعلامية

من أبرز مهام الجبهة الإعلامية بعد كونها أداة تزكية وضبط للنشر، القيام بترجمة البيانات والمواد المرئية لمختلف المؤسسات التابعة لفروع القاعدة إلى لغات شبه القارة الهندية وما زالت الجبهة تقوم بنفس مهامها حتى وقت كتابة هذا المقال. وفي موازاة ذلك كانت توجد مؤسسات إعلامية مهمتها "التحريض" و"كشف الحقائق" وفق أفكار القاعدة الإعلامية، مثل نخبة الإعلام الجهادي ومركز يقين.

وحفلت هذه المنتديات بجماعات من بقاع شتى تنشر بشكل مستقل مثل حركة طالبان الأفغانية التي كانت تنشر باسم عبدالله الوزير الذي ما زال ينشر على تويتر بنفس الاسم، بحسب ما وثق معد المادة الصحافية.

التوجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي

بالتزامن مع الثورات العربية وانتعاش دور مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) شهدت تلك الفترة انتشارا كبيرا لأعضاء المنتديات الجهادية على موقع تويتر، والذي امتازت سياسته تجاه غلق حسابات الجهاديين، بأنها كانت أخف في تلك الفترة من فيسبوك، ما أدى إلى تخفيف وجود أعضاء تنظيم القاعدة على المنتديات الجهادية.

ومن بين جموع الجهاديين الذين ذهبوا إلى تويتر، ما يعرف بكبار كتاب المنتديات الجهادية وهم عادة من لهم كتابات سياسية وتحليلية للشأن الجهادي ومن بين هؤلاء أسد الجهاد٢ وعبد الله بن محمد وأبو الفضل ماضي وأبو شادية وقاعدي موقوت وأبو الخطيب وغيرهم ومع اشتداد الخلاف بين القاعدة وفرعها المتمرد عليها في العراق وسورية انقسم هؤلاء وانقسم معهم التيار الجهادي إلى غير رجعة فمنهم من بقي على فكر القاعدة كأبي الفضل ماضي صاحب حساب تحليلات ودراسات ومنهم من جنح يسارا نحو تنظيمات أقل غلوا كأبي الخطيب (المشرف في شبكة انصار المجاهدين) وعبد الله بن محمد صاحب الحساب المشهور "شؤون استراتيجية" الذي مال بقوة نحو القاعدة قبل أن يذهب بعيدا عن فكرها ومنهم من جنح يمينا نحو داعش كقاعدي موقوت وأبو شادية الذي كفر رفاقه السابقين في المنتديات الجهادية!


أفول المنتديات


ساهم الخلاف الحاصل بين القاعدة وفرعها السابق في العراق (تحول إلى داعش بعد ذلك)، في هجر المنتديات الجهادية وفقدان الثقة بها قبل أفولها نهائيا منتصف عام 2013 وبحسب مصدر مطلع فإن الأمر تم بعد تبين للأعضاء نجاح الدواعش في اختراق مركز الفجر للإعلام، وهو ما ظهر في نشر كلمة أبو بكر البغدادي التي أعلن فيها عن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" كما أن الأعضاء شكوا طوال الوقت في أن المركز كان مخترقا على نطاق واسع من قبل أجهزة المخابرات العالمية.

وفي مطلع عام 2014، سرب مركز الفجر لقاءات لقادة في القاعدة قبل نشرها رسميا، أحدها اللقاء السابع للظواهري، ولقاء لآدم يحيى غدن الأميركي، وهو ما سبب حرجاً بالغاً للقاعدة، ما أدى إلى غلق المركز نهائيا، وفي هذا الصدد أضاف مصدر آخر لـ"العربي الجديد" أن مركز الفجر كان يسرب لقيادة تنظيم الدولة المواد التي كانت تنتجها مؤسسة السحاب بخصوص الخلاف الحاصل بينهما، فيرد عليها العدناني المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم الدولة قبل أن تصدر، فتصبح بذلك كلمات قيادة القاعدة المركزية لا قيمة لها مضيفا أن ذلك سبب حرجا بالغا للقاعدة وساهم في تعطيل إنتاج مؤسسة السحاب حتى يتم "تنظيف الوسائط الإعلامية من الدواعش" حسب قوله وعلى إثر ذلك أغلق مركز الفجر نهائيا.

"تليغرام"

كما كانت المنتديات تهاجم إلكترونياً وتغلق واجه الجهاديون نفس الأمر على تويتر فكانت إدارة الموقع تغلق الحسابات الرسمية للجماعات الجهادية والمؤيدين لها في فترات متباعدة وتصاعد الأمر بعد إصدارات تنظيم الدولة المتضمنة عمليات ذبح الرهائن الغربيين، فمنذ ذلك الوقت منعت إدارة تويتر أي وجود للمؤسسات الرسمية التابعة للتنظيم، ولا حتى لأنصاره، وشمل المنع بقية الجماعات الجهادية وعلى رأسها القاعدة وتوابعها، وإن كان الوضع أخف قليلا لأنصار تلك الجماعات فما زالوا موجودين تغلق حساباتهم ويعيدون إنشاءها مرة أخرى من دون كلل أو يأس.

وأدت سياسة المنع هذه إلى توجه التنظيمات الجهادية إلى تطبيق تليغرام الذي يمكن القول بدون مواربة إن الجهاديين قد ساهموا بشكل كبير في معرفة الجمهور العربي به، إذ إن غلق الحسابات فيه نادر وفي حالة تنظيم الدولة تغلق في فترات متباعدة ما جعل التطبيق المتنفس الأول للجهاديين، غير أن تشديد سياسة الغلق مؤخرا في تليغرام، سيجعل من تنظيم القاعدة وأنصاره يبدأون رحلة البحث عن متنفس جديد لنشر أفكارهم وآرائهم.