العشوائيات العربية [5-6].. أخطار بيئية وصحية تهدد التونسيين

15 نوفمبر 2015
السيول والفيضانات تهدد حياة ساكني العشوائيات في تونس (Getty)
+ الخط -
تعاني الطفلة التونسية هاجر، من حساسية مزمنة، أدخلتها المشفى مرات عدة، إذ لم يقوَ جسدها الغض، أن يصمد أمام الروائح الكريهة المنبعثة من قنوات تصريف المياه ولا أمام الناموس، المحيط بمنزل أسرتها في عشوائيات منطقة روّاد بولاية أريانة التي تبعد 25 كلم عن العاصمة تونس والمتاخمة لعديد الأحياء الراقية كقمرت والمنازه، إذ لا تبعد عنها سوى خمسة كيلومترات.

التمرد على القوانين

تنتشر العشوائيات في تونس في العديد من المحافظات والمساحات الزراعية والأملاك العمومية، وبالقرب من أماكن قطع الصخور والأماكن المهددة بالفيضانات، كمنطقة جعفر العليا وأحياء معاوية وخميس وبالقرب من وادي الخياط ووادي الزيرو في ولاية أريانة.

وتشهد تونس، ومنذ ثورة 14 يناير/كانون الثاني2011، زحفاً عمرانياً غير مسبوق، وتمرداً على القوانين البلدية وعلى أجهزة الرقابة ما أدّى إلى ظهور تجمعات سكانية وأحياء عشوائية شملت إقليم تونس والولايات الساحلية كنابل وسوسة والمنستير والمهدية وحتى الجنوب كتطاوين وقابس وقبلي، لكن تظل المباني المشيدة بالقرب من الأودية ومجاري المياه الأكثر خطورة ، فكلما هطلت الأمطار بغزارة يدق الأهالي ناقوس الخطر بسبب فيضان وادي روّاد، ومع ذلك يقوم السكان ببناء منازلهم بمجرى الوادي وفي أماكن قطع الأحجار، وعلى الرغم من قيام ولاية أريانة بإقناع عدد من العائلات بضرورة مغادرة مساكنهم الواقعة بمجرى الوادي خوفا على حياتهم، فإنه لا يزال عديد السكان يسكنون بالقرب من الأودية.

يقول مجدي أحمد، أحد أهالي منطقة رواد، أنّ حلمهم في الحصول على سكن لائق يضمن كرامتهم تلاشى، إذ إن بيتهم هو الأقرب إلى مجرى وادي القنال الذي لا يبعد عنهم سوى 3 أمتار وبالتالي حياتهم مهددة في أي لحظة.

ضيق اليد وقلة الإمكانات المادية دفعت عائلة مجدي الفقيرة إلى تشييد مسكنها في مكان محفوف بالمخاطر أو بالأحرى اختارت العائلة، مكان تغيب فيه الرقابة البلدية، حتى تشيد منزلها. يتابع مجدي قائلا: "رغم خطورة فيضان الوادي فهو لا يخفينا ولا ينغص حياتنا بقدر ما تنغصها قنوات تصريف المياه التي لم تشيّد على أسس صحيحة فتخرج منها مياه الصرف الصحي المليئة بالقاذورات والأوساخ وهو ما يهددنا وأطفالنا بكارثة صحية وبيئية".

اقرأ أيضا: عمال تونس يدفعون ثمن "أزمة حفتر"

حي الأمل

في حي "الأمل" بروّاد غاب الأمل وأصبح الحي عنوان للألم، إذ رصدت "العربي الجديد" عبر جولتها في المنطقة، منازل دون طرق تؤدي إليها، وأبنية متلاصقة تخنق الأنفاس وأخرى ذات طوابق تغيب عنها بشكل تام المرافق الأساسية والتهيئة العمرانية، في ظل انتشار الأتربة والأوساخ، فيما تقترب العديد من المنازل من الوادي الذي يهدد حياة السكان في حال قدوم الفيضانات.

ترمق السبعينية مختارة حيدري، الحي بنظرة حزينة، وهي تقول لـ"العربي الجديد": "نزح أغلب الوافدين من مناطق الشمال الغربي ومن سيدي بوزيد والقيروان من المنطقة، في الماضي لم تكن هناك الكثير من المباني ولكن في الأعوام الأخيرة شهدنا طفرة سكانية غير مسبوقة وما عزّز النمو العمراني الهائل الانفلات الكبير الذي عرفته تونس إبان الثورة".

رجحت مختارة أسباب النزوح إلى البحث عن العمل في المصانع التي تتمركز في العاصمة كما أن الأراضي في روّاد زهيدة الثمن بحكم أنها غير مهيأة وثمن المتر المربع لا يتعدى الـ25 دولارا، أما في الأماكن المهيأة فيصل المتر المربع إلى 250 دولارا.

اقرأ أيضا: سجون تونس: الثورة لم تمر من هنا!

الانفلات الأمني

ينتشر في ولاية بن عروس في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، العديد من المناطق العشوائية، خاصة في المناطق التي توجد بها مساحات خالية شاسعة أو أراض زراعية مثل معتمدية مرناق والمحمدية وبرج السدرية وفوشانة ونعسان والخليدية وبومهل والمروج الخامس. ويؤكد مصدر مسؤول بولاية بن عروس أن الانفلات الأمني والاعتداءات التي تعرض إليها موظفو البلدية المختصون بمراقبة حركة البناء ومنح التراخيص، ساهمت في انتشار العشوائيات التي استفحلت في الأعوام الأخيرة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "نسبة تنفيذ قرارات هدم المباني المخالفة، ما زالت إلى حد الآن ضعيفة جدا، ودون المأمول مشيرا إلى أن العقوبات تكون صارمة كلما كانت المخالفة فوق الملك العمومي كالغابات والطرقات والمباني الحكومية".

من جهته، يرى رئيس الشرطة البلدية بولاية بن عروس جلال الحمزاوي أنه تم تسجيل عديد المخالفات في ولاية بن عروس جلها تتعلق بالعشوائيات والبناء بدون رخصة وإضافة طوابق وبناء أكشاك فوق الملك العمومي للدولة. وأوضح الحمزاوي في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أنّه في عام 2015 تم تسجيل 158 مخالفة بناء دون رخصة كما تم إصدار 16 قرار هدم شملت إنجاز أكشاكاً ومباني فوق الملك العمومي بعضها سجلت ضد مجهول".

بدورها تشهد محافظة صفاقس، انتشارا واسعا للعشوائيات، التي امتدت حتى بناء محلات تجارية دون ترخيص وترميم وتوسيع المحلات السكنية دون الحصول على رخص البناء ففي حي الرياض وسيدي منصور وطريق قرمدة ومنزل شاكر فجلها مناطق تعيش نموا عمرانيا عشوائيا غير مسبوق. ويرجع خبراء في التهيئة العمرانية ذلك إلى حالة الانفلات التي عرفتها تونس وضعف الرقابة البلدية الذي ظل دورها غير مفعل خاصة بعد الثورة مما أثر على مداخيل البلديات المتأتية من تراجع دفع قيمة تراخيص البناء ومخالفات البناء دون ترخيص والتي تراجعت كلها كثيرا.

وكانت الإدارة التونسية قد عمدت إلى تحسين ظروف عمل أعوان الرقابة البلدية ودمجهم ضمن فرق أمنية مشتركة تضم عناصر من الأمن والجيش الوطني، لإنجاز مهام الرقابة والمتابعة وتنفيذ قرارات الهدم لكن مع ذلك ظل دورهم محدوداً رغم كل الإجراءات المتخذة لفائدتهم.

وعرفت ولاية منوبة التي تميزها الأراضي الزراعية بدورها انتشارا كبيرا للعشوائيات فقد التهمت المباني مئات الهكتارات الفلاحية وخاصة في معتمدية وادي الليل ودوار هيشر، ويبدو أن الزحف العمراني الذي قام به المواطنون بعد الثورة وتعمّد البناء في أراض تابعة للدولة وأملاك الخواص كان كبيرا إلى درجة أن الدولة تجد نفسها عاجزة عن التصدي وتنفيذ جل قرارات الهدم.

اقرأ أيضا: "تزكيات" للبيع في "الرئاسية" التونسية

تنفيذ قرارات الهدم

قبل الثورة، وصلت نسبة تنفيذ قرارات الهدم في ولاية تونس (تشكل مع ولايات أريانة وبن عروس ومنوبة إقليم تونس الكبرى) إلى حدود 50٪ فيما تقلصت إلى نحو 2٪ بعد الثورة بسبب استمرار إضراب أعوان البلدية لأكثر من عام.

ويؤكد المدير العام لوكالة التهذيب والتجديد العمراني (منشأة عمومية تتبع وزارة التجهيز والإسكان) منجي الشاهر أن أغلب الأحياء العشوائية نشأت نتيجة عدم قدرة التونسي على البناء المنظم في ظل ارتفاع أسعار الأراضي.

وبين أن نسبة التونسيين الذين يشيدون مساكنهم بمفردهم دون الحصول على التراخيص المطلوبة بـ 77 بالمائة . وأوضح الشاهر في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "أنه رغم لجوء التونسي الى بناء مسكنه بمفرده وفي مكان يفتقر إلى البنية التحتية لكنه عادة يترك مساحة للطرقات لأنه يأمل دائما أن تتدخل الدولة وتنجز مثال للتهيئة العمرانية مما ساهم في انتشار الأحياء شبه المنظمة".
وقال إن تونس نجحت في القضاء على الأحياء القصديرية بفضل السياسة التي اتبعتها في توفير السكن اللائق وتوفير مساكن اجتماعية لضعاف الحال فرغم وجود مساكن غير منظمة وعشوائيات ولكن لا وجود لأحياء قصديريه في تونس، على حد قوله.

ويرى المدير العام لوكالة التهذيب والتجديد العمراني أنه للحد من ظاهرة العشوائيات والتمدد العمراني واكتساح الأراضي الفلاحية فإن تونس من قبل العشوائيات، لابد من حلول استباقية تكون عن طريق توفير مجمعات سكنية تراعي البعد الاجتماعي، ما يسهل على المواطنين التوجه نحو السكن المنظم بعيدا عن العشوائيات.

ومن بين الحلول الاستراتيجية التي اتبعتها تونس في إطار خطة تمتد من 2012 إلى 2016، تطوير 120 حيا يوجد بهم ما لا يقل عن 700 ألف ساكن وأكثر من 130 ألف مسكن غير نظامي.

وتنتشر هذه الأحياء بكامل المحافظات التونسية في تونس العاصمة وبنزرت وجندوبة وسليانة والقصرين وقفصة وسيدي بوزيد وتوزر وقبلي وتطاوين ومدنين وصفاقس والمهدية والمنستير وسوسة ونابل، وبين الشاهر أن الكلفة الإجمالية لهذا المشروع بلغت 508 ملايين دولار، فيما حصلت تونس على قرض من البنك الأوروبي للاستثمار بقيمة 140 مليون دولار و60 مليون دولار من الوكالة الفرنسية للتنمية و122 مليون دولار هبة من الاتحاد الأوروبي والبقية عبر تمويل تونسي.

وأكدّ أن المشروع سيحسن ظروف عيش المواطنين وسيعمل على تعبيد الطرقات ومد قنوات الصرف الصحي وتحسين حالة المساكن وإنجاز فضاءات متعددة الاختصاصات، كملاعب الأحياء وفضاءات صناعية واقتصادية.

في المقابل، يرى مختصون أنه لا يجب تحميل المسؤولية بشكل دائم للمواطن، فالدولة تعتبر نفسها مسؤولة عن انتشار العشوائيات بسبب نقص الأراضي المهيأة للبناء وارتفاع كلفتها والفرق بين الواقع العمراني والنصوص العمرانية، مما جعلها غير قادرة على مواكبة حاجات المواطن.

-------
اقرأ أيضا:
الدواء في زمن الحرب: التهريب شرقا وغربا إلى ليبيا
دلالات