مشعوذون يستغلون الغزيين.. السحر بديلاً للطب

18 مايو 2015
163 عيادة تدعي العلاج بالقرآن في قطاع غزة
+ الخط -
أصرّت عائلة الغزية نجاح على ذهابها إلى إحدى عيادات العلاج بالقرآن، في محاولة لإيجاد حل لمشاكلها الإنجابية، سعت العائلة بقوة لإقناعها بالأمر، خاصة في ظل رفضها له، بسبب مخاوف من مصير مشابه لابنة بلدها، إسراء زعرب (17عاماً) التي قتلت في الثاني من شهر فبراير/شباط 2014، أمام والديها وشقيقها حين أجبرها المعالج على شرب لتر من الماء به نصف كيلو من الملح، لطرد الجن الذي يتلبسها.

تقول نجاح لـ"العربي الجديد": "ذهبت إلى الشيخ المعالج بالقرآن علّني أحمل، تمتم وقال كلاما غير مفهوم، أخذ اسمي واسم والدتي وأطلق بخوره وأحرق بعض المواد لا أدري ماهيّتها، ثمّ صدمني بالقول إنّ في داخلي جناً ولكنّه جن مسلم لا يؤذي مثل الجن الكافر، ضربني حتى يخرج الجن، هربت مسرعة ومنذ ذلك الحين لم أرجع له، وأشعر بالخوف كلما أتت سيرته ومن هم على شاكلته".

نفس السيناريو السابق هو ما وقع لأسماء التي عانت من حالة نفسية سيئة، عجز الأطباء عن علاجها، حتى وجدت ضالتها في شيخ يُعالج بالقرآن، بعد أن تمّ إقناعها أنّها تعاني من مسّ جنيّ، وكانت طريقته في طرد الجن هو الضرب بالعصا، حتى سالت دماؤها.

لم يستطع أهل أسماء، أن يذهبوا بها إلى مستشفى لعلاجها، نتيجة الضرب الجنوني، باعتبارهم من شجعها على الذهاب إلى الشيخ، عالجوها بشكل بدائي من آثار الضّرب وحتى الحرق الذي حاولوا التكتّم عليه، وبعد أن تفاقمت حالتها النفسية، بحثوا عن طبيب نفسي للعلاج.

النساء أول الضحايا

عبر استبيان أجراه العربي الجديد على 100 امرأة في قطاع غزّة، جاءت نتيجة الاستبيان، تأييد 60% من العينة العشوائية المستطلعة، الذهاب إلى تلك العيادات، لحلّ مشاكل التأخّر بالزواج والحمل والوفاق بين الأزواج وبعض المشاكل العائليّة، والمشاكل النفسية، وهو ما يوافق دراسة أجراها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بعنوان "الصحة في قطاع غزة الواقع والطموح"، تؤكد انتشار عيادات العلاج والتداوي بالقرآن والأعشاب في كافة مدن قطاع غزة، إذ أصبح التوجه لهذه العيادات أمرا طبيعيا يفوق الحالات التي تتوجه لعيادات الطب النفسي.

يفسر سامي عويضة أخصّائي الطبّ النفسي، في برنامج غزّة للصحّة النفسيّة، تأييد نسبة كبيرة من الغزيات، الذهب إلى المعالجين بالقرآن، "كون المرأة في المجتمعات الشرقيّة دائماً ما تكون الحلقة الأضعف، تركيبتها النفسيّة عاطفيّة، تعرّضها للاستجابة للضغوط المجتمعية التي تروج لهذه المراكز، كما أصبح التردد على المراكز الصحيّة النفسيّة، مرتبطا بوجهة نظر سلبية مترسخة، ترى في الأمر عيبا".

يوضح عويضة لـ"العربي الجديد": إن "المستوى الثقافي والوعي لكلّ شخص يختلف عن غيره، الظاهرة طبيعيّة من حيث الوجود ولا ضرر في اللجوء للقرآن، لكن من ناحية أخرى التعامل مع هؤلاء المعالجين لا بد ألا يعود بالسّوء على المريض". يُشير عويضة إلى أن المعالجين بالقرآن يمكن أن يكونوا عاملاً مساعداً في العلاج النفسي، بشرط عدم استخدامهم الأساليب الملتوية التي يدعون أنها قرآنيّة، ويكون كل الأمر تحت إشراف الطبيب النفسي.

عدد مراكز العلاج بالقرآن في غزة

بحسب صلاح عبد العاطي، مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بغزة ومنسق التوعية الجماهيرية والتدريب في الهيئة، فإن عدد مراكز العلاج بالقرآن وفقا للمتابعة مع بعض الجهات الحكوميّة، بلغ 163 عيادة تدعي العلاج بالقرآن، على طول مناطق قطاع غزّة من شماله وحتّى جنوبه. معظمها يكون داخل منازل ولا توجد طرق رسميّة لافتتاحها أو الحصول على تراخيص".

تخالف هذه العيادات المادة الثالثة من قانون أطباء الصحة، التي تنص على "يحظر على أي شخص أن يمارس الطب، أو يتظاهر مباشرة أو ضمناً بأنه يمارس الطب أو أنه مستعد لممارسة الطب إلا اذا كان مصرحا له بذلك"، وتُحاول الحكومة في غزة ملاحقة كلّ من يثبت تورّطه في إيذاء الجمهور داخل هذه العيادات، بموجب قانون العقوبات الجنائية رقم 74 لسنة 1936 المعدّل عام 2003 وقانون الإجراءات الجزائيّة رقم 3 لسنة 2001م بناءً على ما تقتضيه المصلحة العامّة".

ورثة كتبت عليها المشعوذة العلاج المزعوم (العربي الجديد)


تجربة العربي الجديد

"اقطعي تذكرة من أبو خميس صاحب الدكانة تلك، ثمّ تعالي". بهذه الكلمات تحدثت معالجة بالقرآن إلى كاتبة التحقيق، التي اشترت التذكرة (عبارة عن قطعة من البلاستيك تحتوي على رسوم تشبه اللغة الصينيّة بسعر خمسة شواكل -دولار أميركي ونصف) تُباع في دكان الزوج المقابل للعيادة، جلست المحررة في مكان انتظار لا تتجاوز مساحته الثلاثة أمتار، أمامه غرفتان، إحداهما مغلقة والأخرى لـ"المُعالجة" تستقبل بها زائريها الذين على ما بدا واضحاً أثناء جلستي لمدّة لا تقل عن الـ45 دقيقة أنّهم كُثر، بل وكُثر جداً.

كانت إحداهن قد دخلت غرفة المُعالجة، بينما انتظرت كاتبة التحقيق خارجاً، انتشرت في المكان رائحة بخور عنيفة، استمعت كاتبة التحقيق إلى صوت المريضة تقوم بإرجاع ما بداخل معدتها، والأخيرة تقول لها "اعتبريها سيجارة، ضعي إصبعك عميقاً في فمك كي تستفرغي بطريقة أسهل وتخرجي ما بمعدتك".

ظلت واحدة من بين المنتظرات تمجد في عمل المعالجة، وقدرتها على علاج النّساء وحل مشاكلهن الزوجيّة ومساعدتهن على الحبل -حسب قولها- وأن عملها موثوق منه كونها تعمل منذ سنوات وزوّارها لا يحصون، تقول المرأة عن السبب الذي دعاها للمجيء: "هذه المرّة أتيت كي أرى سبب ما يحدث لأحد أقربائي من هم خارج البلاد، فلا يستطيع العمل هذه الفترة وينتابه قلق مستمرّ بالإضافة إلى أنّه يُعاني من صداع"، أخرجت صورته من الحقيبة وتابعت: "أنا واثقة من عملها فهي ستفعل ما أريد وتريحه هنا، أنا آتي إليها دوماً في كلّ شيء يتعثّر علي".

جاء دور كاتبة التحقيق، دخلت إلى غرفة، متران عرضاً وطولاً، بداخلها مكتب مهترئ يتوسّطه مصحف، بينما يعبق بهواء الغرفة الضيقة، بخور ذو لونٍ أبيض، جلست المعالجة، خلف المكتب، يدها اليُمنى معصوبة بربطة زرقاء، يظهر ورمٌ على سطح يدها يكاد يشبه لون ربطتها. ما اسمك الأوّل وما هو اسم والدتك -قالت المعالجة- وحين أجابتها، مباشرة قالت: "تشعرين بصداع دائم، وقلق. أحلام مزعجة، من يأتي لخطبتك وتبدين موافقة عليه لا يرجع، في المقابل من يُبدي موافقته عليك ألا ترفضيه. المهم أن الموضوع لا يتم بأي حال من الأحوال"، بعض مما تحدّثت به المعالجة كان صحيحاً، في ما يخصّ القلق والأحلام، ما أثار توتر كاتبة التحقيق للحظات، تلتها كتابة المعالجة آيات قرآنيّة على ورقة، طلبت نقعها بالماء ثمّ شربها. إضافة إلى عشبة "هند شعيرة" طلبت شربها على مدار 5 أيّام، حتى تفكّ الحجاب الذي يسبب المشاكل في الجلسة المقبلة عبر "الاستفراغ".

تحذير حقوقي

تحذر الجهات الحقوقيّة الغزية، من استمرار تلك العيادات، إذ يقول صلاح عبد العاطي: "تم تسجيل حالة اغتصاب داخل إحدى تلك العيادات، وحالات كثيرة لضربٍ مبرح وقع على النّساء، وأدى بهم إلى الذهاب لتلقي العلاج في المستشفيات فيما بعد، ليس بمقدورنا كمؤسّسات حقوقيّة فعل شيء، إن لم يتقدّم أحد بالشكوى، ومعظم المترددين وحتى الذي تأذوا بالفعل يرفضون الإبلاغ".

على الرّغم من تضرّر الكثيرين من العيادات التي تدعي العلاج بالقرآن، إلا أن الإجراءات الحكومية ومحاسبة القائمين عليها، لا يتخذ إلا في حالات قليلة، عند تعرّض أحد الزائرين للضرب المبرح أو الموت، كما لا يوجد قرار رسمي يلزم المعالجين بأخذ تراخيص من الداخلية قبل ممارسة هذه المهنة.

لكن مدير عام الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف الدكتور يوسف فرحات، قال إنهم يحاولون قدر الإمكان مراقبة هذه العيادات، بالتعاون مع داخلية غزّة للعمل على إصدار قانون يجرّم عمل المُعالجين ممّن يثبت تورّطهم في ممارسة الشعوذة باسم الدين، قائلا: "تبيّن لنا أن هناك أمورا لا أخلاقية تصل حدّ الزنا والابتزاز بالمال تحدث بعدد من العيادات التي أغلقت، واعتقل من يعمل بها لاحقاً".

ويحذّر مدير عام الوعظ والإرشاد، الغزيين من التعامل مع المعالجين الذين يدّعون أنهم يعالجون بالقرآن، قائلا "هناك عدد من المشايخ لا يتجاوز عدد أصابع اليد، هم من يمكن الاستماع لهم".

يذكر أن وزارة الداخلية في الحكومة بغزة كانت قد حذرت المواطنين من الذهاب للمشعوذين والعرافين والسحرة للعلاج بالقرآن الكريم. وأعلن مدير المباحث في محافظة شمال غزة الرائد أحمد الكريري أنه تم ضبط (166) معالجا ما بين ساحر ومشعوذ ومعالج بالقرآن في قطاع غزة، حتى منتصف العام الماضي، وأكد أن النصيب الأكبر لعمل هؤلاء المشعوذين والسحرة كان في شمال ووسط قطاع غزة، محذراً المواطنين من التعامل مع مثل هؤلاء.

---------
اقرأ أيضاً:
"العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي
احتلال السياحة بالقدس.. إسرائيل تحاصر أهالي المدينة ثقافياً واقتصادياً