الذهب الموريتاني... أجهزة تنقيب مقلدة تجهض حلم الثراء السريع

نواكشوط

محمد فال الشيخ

avata
محمد فال الشيخ
23 أكتوبر 2016
+ الخط -

سيطرت مشاعر خيبة الأمل على الشاب الموريتاني عال ولد الفالي، عقب عودته ورفاقه من مناطق التنقيب عن الذهب في صحراء تيرس شمالي نواكشوط، إذ أنفق ورفاقه ثلاثة ملايين أوقية (8400 دولار أميركي)، بينما لم يعودوا سوى بـ 50 غراما من الذهب، تقدر قيمتها بنحو 500 ألف أوقية أي ما يوازي نحو 1500 دولار أميركي.

تقاسم عالي ورفاقه الثلاثة عائد بيع الذهب، أو بالأحرى "تقاسمو الخسارة" حسب تعبيره، موضحا أنه ورفاقه اشتروا جهاز تنقيب عن الذهب، قيمته مليون ونصف مليون أوقية (4200 دولار) كما دفعوا مبالغ أخرى من أجل ترخيص التنقيب وكراء سيارة دفع رباعي مجهزة للسير في الصحراء، بالإضافة إلى مصاريف الإعاشة خلال مدة التنقيب التي استمرت أسبوعا، غير أن حلمهم في الثراء السريع، تبخر سريعا بعد تأكدهم من تعرضهم لخدعة شراء جهاز تنقيب عن الذهب، اتضح أنه مقلد.

تكرر ما جرى للشاب عالي ورفاقه مع آخرين في ظل تفاقم ظاهرة بيع أجهزة التنقيب المقلدة في موريتانيا، وفق ما وثقه معد التحقيق، عبر تتبع خمس رحلات للبحث عن الذهب، نجح منظمو واحدة منها فقط في جمع كميات توازي حجم تكلفة الرحلة، في الوقت الذي عجزت بقية الرحلات الأربع عن تحصيل أكثر من 50% من مصروفات البحث عن المعدن الثمين.


تفاوت أسعار أجهزة التنقيب عن الذهب

يعتبر التاجر يحيى ولد الهادى، أن عمله في مجال بيع أجهزة التنقيب عن الذهب يمر بأفضل مراحله، إذ توسط في عملية بيع عشرة آلاف جهاز من نوع gpx 5000، عبر مطار نواكشوط الدولي، تم إدخالها في أبريل/نيسان 2016، يقول ولد الهادي:"الصفقة تمت سريعا، الإقبال على أجهزة التنقيب عن الذهب منتشر بشدة".

وبينما ابتسم الحظ للتاجر ولد الهادي، إلا أن ثلاثة رجال الأعمال من معارفه خسروا 300 مليون أوقية (840 ألف دولار)، بسبب تورطهم في شراء صفقة أجهزة اكتشفوا أنها مقلدة بعد وصولها إلى موريتانيا، ويوضح أنه تم بيع هذه القطع المزورة بأسعار تصل إلى 500 ألف أوقية (1400 دولار)، في الوقت الذي تضاعفت فيه أسعار أجهزة التنقيب إلى  ثلاث مرات، إذ قفز سعر جهاز gpx 4500 وgpx 5000 وهما الأكثر مبيعا وتوفرا فى السوق من سبعمائة ألف أوقية (نحو 2000 دولار) ليصلا خلال أبريل/نيسان إلى مليوني أوقية (5600 دولار)، ووفق ما رصده التاجر ولد الهادي، فإن أسعار الأجهزة المقلدة، تراجعت بشدة عقب رجوع قوافل المنقبين عن الذهب الذين عانوا من خسارة كبيرة بسببها".

حمى البحث عن الذهب

تتصدر موريتانيا نسبة البطالة عالميا بين الرجال بنسبة 31.5%، وفقا لأحدث تقرير صدر عن البنك الدولي في بداية عام 2016، الأمر الذي يدفع العديد من العاطلين إلى مهنة البحث عن المعدن الأصفر للتخلص من أوضاعهم الاقتصادية السيئة، ويكشف مستورد أجهزة الكشف عن الذهب التاجر محمد ولد أحمد، أنه مع اكتشاف الذهب السطحي فى السودان، بدأت الشركات العربية في الاهتمام باستيراد أجهزة التنقيب عن الذهب، وتابع "عندما اكتشف الذهب السطحي فى موريتانيا، تهافت الشباب الموريتاني بحثا عن هذه الأجهزة واستغلت مجموعة من الشركات، الإقبال الكبير على خوض مغامرة البحث عن الذهب، لخداع المنقبين وتسويق أجهزة رخيصة الثمن".

وكشف ولد أحمد أن الشركات المستوردة للأجهزة المقلدة، لجأت إلى تصنيع قطع أجهزة الكشف عن الذهب في الصين، ثم يتم نقلها إلى موانئ عربية ويتم تجميعها في المناطق الصناعية بها، لصنع شهادة منشأ مختلفة تماما عن مكان صنعها الأصلي، ثم تدخل إلى السوق الموريتاني على أنها قادمة من أوروبا وكندا وأميركا". ونصح ولد أحمد بضرورة التأكد من كون الأجهزة أصلية عبر فحص دقيق لمنظار أجهزة gbx والتاكد من وجود "استيكر أصلي عليه اسم الشركة الأصلية المصنعة".

ويتفق ما ذكره ولد أحمد مع ما كشفته إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية في شرطة دبي في سبتمبر/أيلول من العام 2014، إذ تم ضبط 24 ألفاً و372 قطعة مقلدة، تستخدم في الكشف عن الذهب والمعادن، تقدر قيمتها بنحو 14.6 مليون درهم، (أربعة ملايين دولار).

ووفقا لما أكدته إدارة البحث الجنائي فإن الأجهزة المضبوطة مقلدة من علامة تجارية أصلية مملوكة لشركة كبرى، وكان يتم تقليدها بطريقة احترافية، من خلال جمعها في صورة قطع، ووضع ملصق العلامة الأصلية على القطع المقلدة، ومن ثم إعادة توزيعها محلياً وخارجياً، بأسعار زهيدة.

ودفعت حمى البحث عن أجهزة كشف الذهب الأصلية، المستورد الحسين ولد اباه إلى شراء كميات الأجهزة المتوفرة في الكويت وتصديرها إلى موريتانيا كما يقول، موضحا أنه "أمام إلحاح التجار الموريتانيين لتوفير أجهزة أصلية، من أنواع gbx4500 وgbx 5000 وفورس كولد، بحث عنها في مختلف الأسواق العربية، وتوصل إلى توفر كميات صالحة للتصدير في الكويت".

ويضيف لـ"العربي الجديد":"تنتشر حمى البحث عن الذهب السطحي في ليبيا والسودان وموريتانيا ما أدى إلى استقبال شركات بيع وصنع هذه الأجهزة لعدد هائل من الطلبيات على أجهزة كشف المعادن المخصصة لاكتشاف شذرات الذهب (gold nuggets قطع صغيرة من الذهب الخالص)، فيما يحاول مشترون شراء تلك الأجهزة عبر الإنترنت، وهو ما ساهم في توفير بيئة خصبة لإدخال أجهزة مزورة".

المثير أن أسعار الأجهزة المقلدة ناهزت الأصلية، كما يوضح ولد اباه، إذ جرى بيع الأجهزة المقلدة بمليوني أوقية (5600 دولار) وهو ما يقارب سعر الأجهزة الأصلية، "ولم تتراجع أسعار تلك الأجهزة، إلا بعد النتائج المخيبة للآمال لمن استخدموها"، كما أكد المنقب الشاب عال ولد الفالي.


جمارك مرتفعة

يبلغ سعر غرام الذهب الذي يجمعه المنقبون، نحو 11 ألف أوقية (30 دولارا)، كما يؤكد متعاملون مع محال تجارة الذهب الموريتانية، وتؤكد التقديرات الحكومية أن موريتانيا يتوفر بها مخزون من الذهب يصل إلى 25 مليون أونصة من الذهب، (أونصة الذهب تعادل 31.1 غراماً)، ويستخرج الذهب الموريتاني من 8 مناجم تعمل في البلاد، وبحسب الباحث الجيولوجي محمد لغظف فإن شركة تازيازت التي تدير أكبر منجم لاستخراج الذهب في موريتانيا والذي يعد الثاني عالميا (شركة تابعة لشركة كينروس الكندية وتعمل على استخراج الذهب من منجم تازيازت الذي يبعد 350 كلم عن شمال العاصمة الموريتانية) كانت تعالج 8000 طن من خام الذهب سنويا، وأكدت الشركة في تقريرها السنوي الأخير أنها تطمح إلى رفع هذا الرقم إلى 12000 طن لعام 2016.

ويحدد تعميم وزاري شروط وآلية الحصول على رخص التنقيب العشوائي عن الذهب، وبحسب تصريحات لمسؤول في وزراة النفط والمعادن فقد تقدم 16000 شخص لطلب الترخيص، وتتضمن إجراءات نيل الترخيص، دفع رسوم تبلغ 100 ألف أوقية، بالإضافة إلى ضرورة تقديم وصل يثبت جمركة جهاز التنقيب الذين حصل عليه الباحث عن الذهب، والذي يحصل على رخصة تنقيب مدتها أربعة أشهر ضمن مساحة تبلغ 30 كلم، إضافة إلى اشتراط بيع كميات الذهب التي يصل إليها المنقبون لشرطة المعادن (تراقب وتتابع النشاطات المعدنية).

وقدرت الجمارك الموريتانية، الرسوم الجمركية على أجهزة التنقيب بـ 300 ألف أوقية (840 دولارا)، وتتواجد مئات الأجهزة فى مخازن الجمارك بسبب رفض صغار مستوردين دفع الرسوم الجمركية، بعد انهيار أسعار الأجهزة خاصة المقلدة التي أصبح سعرها يناهز قيمة الرسوم الجمركية، بحسب مصدر مطلع في الجمارك الموريتانية، رفض الكشف عن هويته لعدم تخويله بالحديث إلى الإعلام، ويؤكد مسؤول فى جمارك مطار نواكشوط الدولي، أنه تمت جمركة ما قيمته مليار أوقية من أجهزة التنقيب خلال شهر واحد وهو ما يكشف حجم الإقبال المتصاعد على أجهزة التنقيب عن الذهب.

وكان معد التحقيق قد تواصل مع مصلحة الجمارك ووزارة النفط والمعادن للحصول على رد حول دور هذه الجهات في مواجهة الأجهزة المقلدة ولماذا يتم السماح باستيرادها والموافقة على دخولها إلى موريتانيا، غير أن المسؤولين في الجهتين لم يتجاوبوا لتوفير ردود على الأسئلة المطروحة.


انتهاء مرحلة الذهب السطحي

يؤكد الباحث الجيولوجي محمد الاغظف ولد أحمد، أن مرحلة اكتشاف الذهب السطحي في منطقة تازيازت، شارفت على نهايتها، قائلا لـ"العربي الجديد":"هذه المنطقة لا تمثل غير نسبة ضئيلة من المناطق التي يوجد فيها ذهب سطحي في موريتانيا".

ويؤكد ولد أحمد أن "أجهزة التنقيب بعضها يعمل وفق موجات تكشف المتوفر على عمق متر، ومنها أجهزة للمسح الشامل تصل حتى عشرة أمتار غير أن هذه الأجهزة اختفت من السوق الموريتاني. وذكر الباحث الجيولوجي أن الأجهزة تشوش على بعضها في حال اقترابها من بعضها البعض، بسبب تقارب الموجات المغناطيسية التي يعمل عليها الجهاز، داعيا إلى ضرورة التأكد من طريقة عمل جهاز التنقيب ونوعيته قبل شرائه.