الرعاية الصحية في الخليج [2/3]...بحث عن العلاج خارج الكويت

29 مارس 2017
علاج أمراض القلب والصدر متقدّم في الكويت (فرانس برس)
+ الخط -

أبقت وزارة الصحة الكويتية ملف وفاة النائب السابق في مجلس الأمة فلاح الصواغ في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي جراء خطأ طبي بعد عملية شفط دهون، مفتوحاً على الرغم من هروب طبيب التخدير، المتهم الأول في الحادثة، وقررت تحويل ملف القضية إلى النيابة بعد التأكد من وجود إهمال وخطأ طبي تسبب في الوفاة.

ويعد الصواغ واحداً من مئات الكويتيين الذين وقعوا ضحية للأخطاء الطبية، والتي زادت مؤخراً بشكل مقلق للمرضى، إذ يتراوح عدد القضايا الخاصة بالأخطاء الطبية، والتي ترفع ضد وزارة الصحة سنوياً بين 70 الى 90 قضية، بحسب الدكتور محمود عبدالهادي وكيل وزارة الصحة المساعد للشؤون القانونية، وهو ما يؤكده المحامي حمود البنعلي الذي ترافع عن عدد من هذه القضايا. ويقول البنعلي لـ"العربي الجديد": "وفاة النائب الصواغ بخطأ طبي لم تكن الحادث الأول، ولن يكون الأخير، شخصياً ترافعت عن ست قضايا، وكسبت خمساً منها، وفي كل مرة كان موكلي يحصل على تعويض"، يسكت قليلا قبل أن يواصل: "مهما كان حجم التعويض فهو لا يعوض عما حصل له".

تتنوع الأخطاء الطبية، والتي وصلت للمحاكم، بين عمليات جراحية خاطئة، وإهمال، وسوء تقدير لحالة المريض، وصرف أدوية بطريق الخطأ، غير أن ما يزيد من عدد تلك الأخطاء هو عدم مراجعة وزارة الصحة لما يحدث في مشافيها القليلة، والتي لا تزيد عن 10 مشافٍ حكومية و17 مشفى خاصاً تخدم أكثر من 3.6 ملايين مواطن ووافد، حسبما يؤكد الناشط الحقوقي والإعلامي داهم القحطاني، ملخصاً مشكلة المشهد الصحي بالكويت في سوء الإدارة، والتي لا تتواكب مع التطور الحاصل في الصحة، قائلا لـ"العربي الجديد": "لدينا إمكانات هائلة وإنفاق كبير على الصحة، ولكن مشكلتنا تتمحور في الإدارة الصحية، والتي هي للأسف سيئة". ويؤكد القحطاني الذي خضع مؤخرا للعلاج في أحد مستشفيات الكويت أن هناك بعض التقدم في قطاعات لم يطاولها الفساد، ولكنها قليلة، مرجعا ذلك لاجتهاد الأطباء بالدرجة الأولى.

ويقول "تطور الصحة الكويتية الحاصل لا يمكن أن يُحسب على الإدارة الصحية، بل هو نتاج اجتهاد الأطباء الكويتيين بالدرجة الأولى، في المستوى العام، هناك قطاعات متقدمة، لم تتأثر بالفساد، مثل أمراض القلب والصدر، فهي متطورة في البلاد، وكذلك عمليات جراحات المخ والأعصاب". ويضيف "في الجانب الآخر هناك قصور في الرعاية الصحية الأولية، ما تزال تحتاج للتطوير، وما يحدث لها لا يواكب التطور المفروض".


البحث عن العلاج في الخارج

يتفق طبيب الأمراض الصدرية محمد العجمي مع القحطاني، ويسير معه في الاتجاه ذاته، محملاً قيادات الوزارة مسؤولية كل ما يحدث من تراجع في المشهد الصحي الكويتي، يقول العجمي لـ"العربي الجديد": "عشرات الأخطاء الطبية تقع، ولكن لا نجد تحركاً من الوزارة لعلاج الخلل، يتمسكون بأن الأخطاء تقع في كل أنحاء العالم، ولكنهم يتناسون أنه عندما يقع خطأ ما في أي بلد متقدم، فإن الجميع يتحرك لمنع تكراره، ويتم تغيير البروتوكولات الطبية، والأنظمة لضمان عدم وقوعه مرة أخرى، أما لدينا فلا أحد يهتم".

لا يقتصر الأمر على الأخطاء، فبحسب الدكتور العجمي تشكو الكويت من قلة عدد المشافي، ومن هجرة العديد من الأطباء المميزين، وهو ما يعتبر سبباً في عدم ثقة المواطن بالجهاز الصحي في الكويت، لهذا يبحث عن العلاج في الخارج.

في السياق ذاته، يؤكد استشاري القلب الدكتور محمد الحربي، أن بحث المواطن الكويتي عن العلاج في الخارج دليل على عدم ثقته بالعلاج في الداخل، معتبراً أن الأخبار التي تتحدث عن قلة عدد المستشفيات والأخطاء الطبية تعززان هذا الشعور. ويقول لـ"العربي الجديد" "هناك خلل، لا بد أن نعترف به، حادثة وفاة مريض نتيجة تلقيه حقنة بالخطأ ستتكرر كثيراً إن لم تعترف الوزارة بأن هناك مشكلة ولا بد من علاجها، فضلاً عن التشخيص الخاطئ الذي يتسبب بالمعاناة لمرضى هم لا يعانون من شيء في الأساس".

أمام كم الاتهامات التي طاولت وزارة الصحة الكويتية يؤكد المتحدث الرسمي فيها الدكتور أحمد خضر الشطي أن "بحث الكويتيين عن العلاج بالخارج لا يعني سوء المشافي في الداخل"، متابعا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "نسعى إلى رفع عدد الأسرة في الداخل، كما أن دراساتنا لطلبات العلاج بالخارج أثبتت أنه في كثير من الحالات لم يكن السبب مرضيا بالدرجة الأولى، والآن يجرى تقنينه، وسنتخلص من نمطية التعامل مع بعض الأمراض، وسيتم علاجها في الداخل، ولن يتم إرسال المرضى للعلاج في الخارج إلا بسبب طبي حقيقي".

ويضيف "من غير المنصف اختزال الصحة في الكويت بالعلاج في الخارج، إذ إن مؤشرات منظمة الصحة العالمية عن الكويت إيجابية، سواء في رعاية المواليد أو معدلات الوفيات، إضافة إلى تحسين البنى التحتية، إذ يوجد مستوصف في كل حي من أحياء الكويت، كما أن هناك مشاريع قائمة وستزيد من تطور الصحة في البلاد".


35 مشروعا جديدا

أعلنت وزارة الصحة الكويتية في عرضها لموازنة عام 2016 أنها اعتمدت 35 مشروعا طبيا، موزعة على 18 مشروعاً إنشائيا و17 مشروعا تطويريا، وسيتم الانتهاء منها بين عامي 2019 و2020، بكلفة نحو 18 مليار دولار. وسترفع المشاريع الجديدة الطاقة الإجمالية لعدد الأسرّة في البلاد من 8230 سريرا حاليا لنحو 16908 أسرّة خلال خمس سنوات.

ويشدد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، على أن وجود 8 آلاف سرير في الكويت رقم كاف حاليا، معتبرا أن الكويت لا تعاني من مواعيد انتظار طويلة في الأيام العادية، ولا يوجد زحام كبير في المستشفيات، ويضيف: "ما يتم تداوله من صفوف طويلة من المرضى كان في حالات معينة، كما حدث في حالة الغبار في الصيف الماضي، وعندما تكون هناك حالات طارئة بسبب الأجواء، فمن الطبيعي أن تكون هناك صفوف انتظار طويلة. هذا يحدث في كل أنحاء العالم، ولو نأخذ الأمور بالمعدلات، فهو ليس بالسوء الذي يصوره البعض".


التطوير عبر رفع الأسعار

منتصف فبراير/شباط الماضي أقرت وزارة الصحة زيادة كبيرة في أسعار العلاج للوافدين تصل إلى 500%، وأكثر من 1000% لمن يدخل الكويت بتأشيرة زيارة، وبلغت الزيادة أشدها في رفع تكلفة علاج الأورام إلى 16388 دولاراً للزائر مقابل 1638 دولاراً للمقيم، بعد أن كان السعر القديم 1091 دولاراً فقط، وهو حال جميع أنواع العلاجات، والفحوص الطبية، منها على سبيل المثال فحص حجم بلازما الدم الذي ارتفع من 65 دولاراً لأكثر من 819 دولاراً للمقيم و1600 دولار للزائر، كذلك ارتفع فحص الحمل بالأشعة الصوتية ثلاثة أضعاف إلى 98 دولاراً، كما يقول الدكتور الحربي موضحاً أنه "مع الأسعار الجديدة باتت أسعار المشافي الحكومية مقاربة لمثيلاتها في القطاع الخاص، وفي بعض الحالات أغلى، تعتقد الوزارة أن هذا سيخفف الضغط على مشافيها، قد يكون ذلك صحيحاً ولكن المشكلة لم تكن أبداً في الزحام، بل ضعف المراقبة".