المساعدات المنهوبة [2-4]..العمل الإغاثي لا يلبي حاجات نازحي لبنان

02 مارس 2016
مناطق إقامة السوريين في لبنان تتميز بالتهميش(فرانس برس)
+ الخط -
لم تتغير نظرة اللاجئين السوريين للسيارات رباعية الدفع التي تجول بين مخيماتهم في المناطق الحدودية شمالي وشرقي لبنان، إذ تسارع السيدات والأطفال للتجمع قرب السيارات، التي تحمل شعارات مؤسسات الإغاثة، فور وصولها للسؤال عن موعد توزيع المساعدات. دخل هؤلاء اللاجئون عامهم الخامس وهم يترقبون وصول ممثلي الجمعيات والهيئات الإغاثية داخل تلك السيارات، في ظل أثر خفض المساعدات أحياناً أو تقنين توزيعها على حياتهم، بينما يشاهدون استبدال السيارات بالطرازات الأحدث بصورة سنوية.

مع تجاوز عدد اللاجئين السوريين عتبة المليون و300 ألف شخص (لاجئ واحد مقابل أربعة لبنانيين)، تضخم العمل الإغاثي في لبنان بشكل كبير دون أن يتمكن، حتى اللحظة، من تأمين كافة احتياجات اللاجئين. وفي ظل غياب الإشراف الرسمي من السلطات اللبنانية على ملف اللجوء، تحولت "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة إلى المعني الأول بهذا الملف، تعاونها جمعيات إغاثة محلية (غير حكومية ودينية) وأخرى دولية تقدم كل منها المساعدات على شكل مشاريع إغاثية وطبية، وفقاً لما رصده وعد التحقيق.

اقرأ أيضا: المساعدات المنهوبة [1- 4]..المصروفات الإدارية تلتهم دعم النازحين السوريين

اللاجئون يعيشون بين المهمشين

تكشف دراسة لـ"معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" في الجامعة الأميركية ببيروت عن تمركز 86% من اللاجئين السوريين في نفس المناطق التي تضم 66 في المئة من المجتمعات المُهمشة في لبنان. كما تشير الدراسة إلى إقامة 82 في المئة من اللاجئين في غرف مستأجرة أو مواقف سيارات مسقوفة أو أبنية متداعية، مقابل 18 في المئة يُقيمون في مخيمات عشوائية، ما يعرضهم لكافة المخاطر الطبيعية، كاندلاع الحرائق في الصيف والطمر تحت الثلوج في شتاء. تتميز المناطق التي يعيش فيها اللاجئون السوريون بالفقر وضعف شبكة البنى التحتية (عكار، الضنية، عرسال).

خصخصة الإغاثة

يصف مصدر معني بعمل الجمعيات غير الحكومية في وزارة الداخلية اللبنانية واقع العمل الإغاثي في لبنان بـ"القطاع المُخصخص". ويقول لـ"العربي الجديد" إن "غياب المتابعة الرسمية لملف اللجوء طوال الأعوام الثلاثة الأولى من الأزمة أدى إلى استلام مفوضية شؤون اللاجئين للملف بشكل شبه كامل، من تسجيل اللاجئين الوافدين وصولاً إلى تسليمهم المساعدات ومتابعة ملفاتهم الإدارية".

وتخضع موازنة المفوضية لرقابة الأمم المتحدة، كما تخضع مشاريعها لرقابة الجهات الدولية المانحة سواء كانت دولا أو منظمات. وبحسب المصدر نفسه، فقد اقتصر العمل الإغاثي الحكومي على "تسجيل الهيئة العليا للإغاثة (مؤسسة رسمية تابعة لمجلس الوزراء) أول دفعة من اللاجئين السوريين الذين عبروا الحدود من منطقة تل كلخ نحو بلدات عكار شمالي لبنان عام 2011".

وتعمل الهيئة اليوم على متابعة ملف اللبنانيين العائدين من سورية، وهم عائلات لبنانية كانت تقيم بشكل دائم في البلدات الحدودية السورية قبل أن تجبرها الظروف الأمنية على العودة إلى لبنان. وتم توقيف الرئيس السابق للهيئة، العميد المتقاعد إبراهيم بشير، نهاية عام 2013 بتهمة "اختلاس وتبييض أموال". وتحدثت التقارير الصحافية التي نشرت بعد التوقيف عن استخدام أموال الهيئة كـ"رشاوى سياسية" دفعتها الحكومة لبعض الأطراف الداخلية.

اقرأ أيضا: الطريق إلى اليونان..كيف تخدع مافيا التهريب اللاجئين السوريين

مؤسسات محلية ودولية

تدرج العمل الإغاثي في لبنان من مبادرات البلديات والأهالي لاستقبال اللاجئين بشكل فردي، قبل أن تتدخل مؤسسات الإغاثة المحلية والدولية وتطلق برامج الإغاثة. ويشير مصدر "العربي الجديد"، في الداخلية اللبنانية إلى أن "تعامل السلطات مع هذه الجمعيات ظل على حاله لناحية منح التراخيص لإنشاء جمعيات جديدة أو مراقبة أعمال الجمعيات القائمة على الصعيد الإداري فقط وبصورة سنوية".

ويصف المصدر زيادة نسب مئوية معينة على ميزانيات المشاريع بـ"الأمر الطبيعي لتمويل المصاريف الإدارية لهذه الجمعيات، وهو ليس شكلا من أشكال فساد". وبحسب المصدر ذاته فإن موازنات المؤسسات الإغاثية الرعوية أو الدينية لا تخضع إلى رقابة خارجية، وتتميز هذه الجمعيات بتلقي دعم مالي من الحكومة اللبنانية بعكس الجمعيات غير الحكومية.

الأونروا

إلى جانب العمل الإغاثي المخصص للاجئين السوريين، تعمل "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) منذ عشرات الأعوام في لبنان. ويُفصل منسق العلاقات العامة والإعلام في "المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان" (شاهد)، ما يصفه بـ"الفساد الإداري الواضح"، قائلاً "المفوضية رفعت عدد التلاميذ في صفوف مدارسها إلى 50 بحجة ضغط النفقات، بالتزامن مع تنفيذ مشروع كلف مئات آلاف الدولارات لتطوير أداء المدرسين الفلسطينيين العاملين في هذه المدارس، بينما أكد المدرسون أن الدورات التي خضعوا لها كانت شكلية فقط ولم تقدم أي خبرات جديدة لهم. ثم كانت المفاجأة في الاستغناء عن خدمات عدد كبير من هؤلاء المدرسين وصرفهم من عملهم".

وعلى صعيد إعادة الإعمار، يشير الشولي إلى "سوء تنفيذ عشرات مشاريع تأهيل البنية التحتية في المخيمات الفلسطينية في لبنان. فلا تكاد إحدى الشركات المُتعهدة أن تنهي صيانة شبكة المجاري في مخيم عين الحلوة حتى تنفجر المواسير، ولا تكاد شركة أخرى أن تنهي أعمالا كهربائية في مخيم البص حتى ينقطع التيار الكهربائي نتيجة الأعطال".

ويصف الشولي أعمال إعادة مخيم نهر البارد الذي دمرته المعركة بين تنظيم "فتح ــ الإسلام" والجيش اللبناني عام 2007 بـ"حنفية الهدر والفساد المفتوحة منذ 8 أعوام". فقد دمرت الأعمال الحربية معظم المخيم الممتد على مساحة 16 كيلومتراً مربعاً شمال مدينة طرابلس شمالي لبنان، وكان يسكنه 30 ألف لاجئ فلسطيني. وتم تخصيص 125 مليون دولار خلال أحد المؤتمرات الدولية عام 2008 لإعادة إعمار المخيم. واليوم وبعد ثمانية أعوام على المعركة، يؤكد الشولي أن حوالى 50% من المخيم أُعيد إعماره فقط "نتيجة الهدر والفساد".

والأمثلة على ذلك عديدة، بحسب الحقوقي الفلسطيني: "فقد تجاوزت كافة أعمال التنقيب عن آثار بين الردم 7 ملايين دولار، بعد أن منعت السلطات اللبنانية استئناف أعمال إعادة الإعمار بسبب اكتشاف بقايا آثار". ويدعم الشولي ما سبق من تعليقات على إدارة الأونروا لميزانيتها بالإشارة إلى "فسخ المفوضية لعقود 85 مستشارا أجنبيا يعملون لديها في الفترة الماضية لتخفيف النفقات، ما يعني أن كل ما كان يُقال لنا عن دفع رواتب موظفي الوكالة من الميزانية العامة للأمم المتحدة كان كذباً، وأن رواتب هؤلاء التي تتجاوز 20 ألف دولار أميركي سنوياً كانت تدفع من موازنة الوكالة في لبنان على حساب تقليص الخدمات للشعب الفلسطيني" على حد قوله.

اقرأ أيضا: العائدون إلى حضن الأسد.. 5 اختراقات إعلامية للثورة السورية

تحقيقات داخلية

تؤكد المتحدثة باسم "الأونروا"، زيزيت دركزلي، طرد 4 موظفين من الوكالة خلال العام الماضي بعد تورطهم في قضية فساد. وتشير دركزلي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى "تفاعل الوكالة السريع مع الشبهات التي حامت حول الموظفين الأربعة الذين كانوا يتولون مسؤوليات في مخيم نهر البارد". وهو المخيم الذي نال حصة الأسد من ادعاءات الفساد بحق الوكالة المُكلفة بتنفيذ مشروع إعادة إعماره. تنفي دركزلي كل الأرقام التي يتم تداولها "عن هدر أو فساد في نهر البارد"، ومنها الملايين السبعة التي تُتهم الوكالة بصرفها على التنقيب عن الآثار.

وبعد اتصال سريع بمدير مشروع إعادة الإعمار، جون وايت، تؤكد دركزلي أن "المبلغ الذي صُرف من ميزانية المشروع على التنقيب عن الآثار بلغ 3 ملايين دولار ومن المتوقع أن تستلزم العملية مليوناً إضافياً، لتصبح كلفة التنقيب كاملةً 4 ملايين دولار بنسبة 1.4 في المئة من الميزانية الكلية للمشروع".

وعلى صعيد توظيف المستشارين والموظفين الأجانب، تؤكد دركزلي أن "38 أجنبيا يتعاونون مع الوكالة في لبنان من أصل 3000 موظف، بنسبة 1.26 في المئة". تستخدم المتحدثة الأُممية مفردة "التعاون" لأن الوكالة لا تتولى دفع رواتب هؤلاء جميعاً: "بعضهم متعاون لا يتقاضى رواتب وآخرون مُستشارون تُغطي المنح رواتبهم، والموظفون الثمانية الثابتون في مكتب الوكالة في بيروت يتلقون رواتبهم من ميزانية الأمم المتحدة مُباشرةً ويخضعون لسلسلة الرواتب الخاصة بالمنظمة الدولية وليس الوكالة".

أما على صعيد التعليم، فتؤكد دركزلي أن صرف عدد من المعلمين "لم يكن جزءاً من حملة صرف مُبرمجة انما لأسباب موضوعية مُختلفة، كوقف برنامج النوبات المُزدوجة الذي أطلقته الوكالة في مدارسها لاستيعاب التلاميذ الفلسطينيين النازحين من سورية إلى لبنان، بعد عامين على إطلاقه". وتشير المتحدثة الدولية إلى أن "تدريب المعلمين المُتعاقدين أو الموظفين في الوكالة جزء من برنامج التعليم الذي تقدمه الأونروا للاجئين". وقد أثبت البرنامج نجاحه "بعد زيادة عدد التلاميذ في الصفوف ولجوء المعملين إلى أساليب تعليم جماعي تدربوا عليها في دورات سابقة"، بحسب المتحدثة.

وعن سوء تنفيذ أعمال صيانة البنى التحتية في المخيمات، تؤكد دركزلي أن "الوكالة لا تملك أي سلطة لإدارة المخيمات، علماً أن مشاريع صيانة وتطوير البنى التحتية تخضع لرقابة الجهات المُمولة".
دلالات