انتهت حياة العشرينية المصرية شادن محمد بعدما صدمتها سيارة "هوندا" مسرعة في مدينة كوتبوس بولاية براندنبورغ (شرق ألمانيا)، غير أن السائق الشاب توقف على بُعد عدة مئات الأمتار، بينما كان زملاؤها والمارة يحاولون مساعدتها، وعاد برفقة أصدقائه إلى موقع الحادث موجهاً حديثه لهم قائلا "واضح أنه ليس لديكم شوارع، لكن على المرء في ألمانيا أن ينظر إلى الشارع"، وتابع: "فلتنصرفوا إلى بلدكم، لن يصدمكم شيء هناك.. لاجئون قذرون".
قبل مصرعها في الثامنة ليلاً يوم 15 إبريل/نيسان 2017، عاشت شادن لعدة أشهر في مدينة كوتبوس، من أجل دراسة هندسة العمارة في جامعة براندنبورغ للتكنولوجيا الواقعة في شرق ألمانيا والتي تنشط فيها الأحزاب اليمينية التي استغلت الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي في شرق ألمانيا من أجل أن توسع من نشاطاتها وتكسب أعضاء جدداً في صفوفها عن طريق تحميل اللاجئين والأجانب مسؤولية المشاكل في البلاد، كما يقول الناشط الاجتماعي توماس برغمان، والذي يشعر بالخطر من انتشار وتوسع مشاركة النازيين في التظاهرات التي ينظمها مؤيدو اليمين الشعبوي، وتجوب المدن الألمانية بهدف التحريض وتأليب الرأي العام على المستشارة أنجيلا ميركل وحكومتها واللاجئين من أجل شد عصب الجمهور في فترة انتخابات عدد من برلمانات الولايات الجارية حالياً، وفي مرحلة بدأت فيها الأحزاب الألمانية بالتحضير للانتخابات التشريعية العامة المقررة في 24 سبتمبر/أيلول من عام 2017.
لم تكن حادثة مقتل شادن الأولى من نوعها، إذ لم تتوقف تحركات النازيين الجدد عند حد المسيرات المناهضة للأجانب واللاجئين، إذ بلغ عدد الاعتداءات التي تعرض لها الأجانب واللاجئون 3533 اعتداء في عام 2016، من بينها 2545 اعتداء على المهاجرين من الأفراد أي بنسبة 72%، كما تعرض 988 من نزل الشباب التي يقيم بها المهاجرون للاعتداءات وتعرض 560 شخصاً، من بينهم 43 طفلاً، للإصابة خلال تلك الاعتداءات، وفق ما كشفته وزارة الداخلية الألمانية في ردّها على سؤال برلماني وجهته أُولا جيلك من حزب "داي لينك" اليساري، في فبراير/شباط الماضي.
تحالف اليمين المتطرف والنازيين
بلغت نسبة المتعاطفين مع النازيين الجدد واليمين المتطرف 5.4 % من الألمان في عام 2016، ويشكل العنصر النسائي وكبار السن العدد الأكبر منهم، ولا سيما من الطبقات الفقيرة في المناطق الريفية وشرق ألمانيا، حسبما يؤكد الدكتور فضل الله العميري مؤلف كتاب "الفصل العنصري بين المهاجرين وأبناء الوطن العرقي في ألمانيا، موضحاً أن اليمين المتطرف يتمتع بحيثية داخل المجتمع الألماني وتتشابه مبادئه مع الأيديولوجية الآرية التي يتبناها النازيون ويتفقان في الشعار الشعبوي "لا مكان للأجانب ولا قبول للاجئين".
ويتواجد النازيون الجدد في ولايات براندنبورغ التي لقيت شادن محمد مصرعها فيها، ومكلنبورغ فوربومرن وهيسن وسكسونيا السفلى وشمال الراين ووستفاليا ووراينلاند بفالتس بادن فورتنمبرغ وبرلين، بحسب ما أكده توماس برغمان، مضيفا أن مبادئهم هي العنصرية والاستبداد والشوفينية وتمجيد النازية وكره الأجانب ورفض التعددية في القيم الليبرالية.
وتمكن اليمين الشعبوي والمتطرف في ألمانيا خلال فترة قياسية منذ تأسيسه عام 2013 ومشاركته في أول انتخابات على مستوى الولايات الألمانية من الدخول إلى 11 برلمانا من مجالس الولايات النيابية من أصل 16 محققا نسبا وأرقاما جيدة، وهو ما يراه الباحث الأكاديمي في العلوم السياسية في جامعة كارل فون أوسيتسكي، محسن عاشوري، ثمرة العلاقة بين الحزب القومي الألماني (إن بي دي) الفصيل السياسي للنازيين الجدد وحزب البديل الألماني المُتطرف المعادي للأجانب، عبر عمل الحزب القومي على حشد أصوات انتخابية لصالح حزب البديل، بعد أن فشل في السيطرة على الشارع.
ويرى الباحث عاشوري، "أن الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة في ألمانيا تشتمل على نفس الثقافة والمعايير التي ينادي بها النازيون الجدد، وهو ما أدى إلى انتشار الإسلاموفوبيا في ألمانيا، بسبب عمل الطرفين على نشر كراهية الأجانب وإخافة الألمان من تسللهم إلى المجتمع والتخويف مما يطلقون عليه الانقراض الوشيك للشعب الألماني".
طرق التجنيد
يستغل النازيون واليمين المتطرف المشاكل التي يواجهها الألمان في الحياة من أجل الحط من قدر الأجانب واللاجئين وإلقاء الذنب عليهم، وهو ما انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت بزيادة خطابات العنصرية والكراهية المعادية للديمقراطية، وفق ما رصده الدكتور فضل الله العميري في كتابه عن اليمين الشعبوي والمتطرف، موضحا أن عناصر النازيين واليمين المتطرف استغلوا المجتمع الرقمي من أجل مزيد من التنظيم، وتطوير المفاهيم وإيجاد فضاء للنقاش الاجتماعي وترتيب صفوفهم ونشر دعايتهم المتطرفة القائمة على العنصرية المعادية للاجانب والمسلمين.
ويحشد النازيون الجمهور عبر الإنترنت، إذ يعملون عبر الصفحات المغلقة والشبكات المشفرة مثل الوتساب ويتم استغلال هذه الطرق من أجل الدعوة إلى اجتماع أو مهاجمة مركز إيواء، وفق ما وثقه العميري، فيما أضاف برغمان إلى أن تلك الجماعات تلجأ عادة إلى تنظيم عدد من الأنشطة من أجل جذب الجماهير من بينها المسيرات والحفلات الموسيقية وتكرس الكثير من اهتماماتها للدعاية عبر شبكة الإنترنت وخلق عوالم موازية والتركيزعلى البروباغندا الإعلامية في الأندية الرياضية ونوادي الرقص حتى تظهر أكثر جاذبية وعصرية، وتلجأ إلى العمل عبر وسائط سياسية أهمها حزب "ان بي دي" و"برو كولن" وهي حركة شعبوية عنصرية تعمد إلى التخويف من الإسلام، ويرتكز نشاطها في ولاية الراين وستفاليا وحركة "مواطنو الرايخ الألماني" ذات التوجهات العنصرية ويرفض أعضاؤها الاعتراف بجمهورية ألمانيا الاتحادية ويرتكز وجودهم في جنوب البلاد، وخاصة في مدن ولاية بافاريا مثل ميونخ وانغولشتات وكذلك يوجدون في لايبزيغ ودريسدن وروستوك في شمال ألمانيا.
وأدى ظهور حركة بيغيدا في 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، وهو الاسم المختصر لحركة "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب" إلى تأثير أساسي في عودة النازيين الجدد للتغلغل في صفوف المتظاهرين خلال المسيرات الأسبوعية التي نظمتها في معقلها مدينة دريسدن في شرق ألمانيا، بحسب ما يؤكده العميري وبرغمان.
العقوبات القانونية
يحظر قانون العقوبات الألماني في المادة 86 والفقرات 1 و2 و4 منها، علامات النازية ومنها رفع الأعلام والشارات واللباس الموحد والشعارات وأشكال التحية، ويعاقب كل من ينتهك الحظر بغرامة مالية أو السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، ويشرح الباحث الاجتماعي برغمان أن القانون الجنائي يعاقب من يقومون برسم الرموز التي تعود إلى عهد النازية على الجدران وفي الساحات العامة وأهمها الصليب المعقوف إضافة الى استخدام شعار تحية هتلر (هايل هتلر)، وهي تحية رسمية استخدمت زمن النازية للتعبيرعن الولاء والطاعة وتمجيد الأمة الألمانية، كذلك رمز 88 الذي يشير إلى هتلر المقدس، وعادة ما يتم وشم هذا الرمز على الأجساد أو الرؤوس ويعني الرقم 8 حرف H بحيث يشكل الحرفان مختصر كلمتي "هايل هتلر" كما يحظر القانون شعار "شعب واحد، إمبراطورية واحدة، قائد واحد".
ورفضت المحكمة الدستورية العليا في 17 يناير/كانون الثاني من عام 2017، طلبا تقدم به مجلس الولايات لحظر "الحزب القومي الألماني" الذي يعد الفصيل السياسي للنازيين الجدد، وعللت المحكمة قرارها بأنه: "على الرغم من العقيدة النازية للحزب ونواياه المخالفة للدستور فإنها لا تجد أن ذلك يشكل تهديداً للديمقراطية في ألمانيا، إذ إن الحزب غير قادر على التأثير وتهديد ركائز الدستورالألماني، بالرغم من اعتراف المحكمة بأن عقيدة الحزب ومفهومه لألمانيا عنصري ولا يحترم توجهات حقوق الإنسان، إلا أن ذلك غير كاف لحظره، في المقابل دعا وزير الداخلية ووزير العدل إلى عدم استفادة الحزب من أموال الضرائب بتأكيدهما أن الدولة يجب ألا تمول أعداء الديمقراطية.
وتتطلب مواجهة النازيين، تشجيع الألمان على مناقشة موضوعية لظاهرة النازيين دون تحريض أو كراهية وإظهار الوقائع كما هي من دون مواربة، والتركيز على أهمية مفهوم التنوع داخل المجتمعات والمؤسسات التربوية، كما يقول الدكتور العميري، والذي يشدّد على "ضرورة تطوير استراتيجيات مضادة للوقوف في وجه اليمين الشعبوي وعنصرية الجماعات المتطرفة ومعارضة مضمون المواقف على أساس الحقائق لدحض الشعارات التي ينادي بها النازيون الجدد"، وهو ما قام به المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا خلال شهر مارس/آذار الماضي، إذ دعا بمناسبة الأيام الدولية ضد العنصرية المشرفين على البرامج والجمعيات الثقافية الإسلامية في إلمانيا إلى تنظيم ندوات ولقاءات حوارية وتعميق الحوار مع الإعلام للتنبيه من خطورة التمييز العنصري في البلاد وتصاعد الظاهرة مع صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة، وتزايد عدد المواطنين المعادين للحكومة الائتلافية في البلاد والمكونة بأكثريتها المطلقة من الحزبين التقليديين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي، في ظل تردي الأحوال الاقتصادية والقدرة الشرائية لدى الفرد وظهور الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع الألماني، الأمر الذي جعل تلك الحركات أكثر خطورة من السابق بعد عملها على حشد الألمان خلال العامين الأخيرين.