تهريب العملة الصعبة في الجزائر... وكالات سياحية مجبرة على مخالفة القانون

09 مايو 2018
فراغ قانوني يحرم وكالات السفر الجزائرية تحويل المال(العربي الجديد)
+ الخط -

فوجئ العميد السابق لكلية العلوم الاقتصادية بجامعة البليدة 2 غربي الجزائر، كمال رزيق بطلب صاحب الوكالة السياحية التي ذهب معها لأداء مناسك العمرة من الفوج المكوّن من 50 معتمراً، حمل أجزاء من مبلغ 100 ألف دولار مخصص لدفع نفقات الفندق والتنقلات في البقاع المقدسة، نظرا لعدم السماح لوكالات الأسفار بإخراج العملة من البلاد.

اعتبر الدكتور رزيق الأمر مخاطرة، لكنه قبل بما أن العديد من رفاقه حملوا مبالغ بسيطة أو متوسطة، قائلا "الحمد لله أننا وصلنا إلى البقاع المقدسة من دون إشكال".

لكن ستّ وكالات سياحية أخرى وقعت في الإشكال الذي نجا منه صاحب الوكالة التي ذهب معها العميد السابق لجامعة البليدة إلى العمرة، إذ لم تتمكن من إخراج الأموال اللازمة لدفع تكاليف الخدمات التي يستفيد منها زبائنها مثل الإقامة والنقل، ما عرضها إلى مصادرة أموالها خلال عام 2017 على الحدود التونسية الجزائرية، حسب ما كشفه لـ"العربي الجديد" الأمين العام لفيدرالية وكالات السياحة نجاح بوجلوة، قائلا "نرفض اتهام أصحاب الوكالات بتهريب الأموال، الجميع يعلم أنه لا توجد سبل أخرى لتسديد مستحقات الفنادق في الخارج".


مجبرون على التهريب

دفع غياب السبل القانونية لتحويل العملة الصعبة الأربعيني أسامة عبدو صاحب وكالة سياحية في حي بلكور وسط العاصمة إلى تحويل مستحقات الفنادق والمنتجعات السياحية التي يتعامل معها في تونس ومصر وتركيا عبر إخفائها في ملابس أو حقائب اثنين من موظفيه بعدما كان يحولها عبر الطلب من زبائنه حملها معهم خلال رحلاتهم عبر مطار هواري بومدين الدولي أو المنافذ الحدودية البرية.

ويحتاج أسامة خلال موسم العطلة، وخصوصا في فصل الصيف، إلى إخراج مبالغ مالية تترواح بين 13 ألف دولار و35 ألف دولار لكل فوج سياحي يتكون من 15 شخصاً إلى 20 شخصا، قائلا "أفكر في تجزئة المبلغ إلى قسمين، وتوزيعهما بيني وبين أحد معاونيّ والذي سيعبر معي الحدود التونسية عن طريق السيارة".

ويتجه سياح جزائريون في أيام العطل ونهاية العام إلى تونس ومصر وتركيا، وهي الدول التي اعتادت الوكالات السياحية وعددها 2500 تحويل الأموال إليها بطرق غير شرعية، كما يقول عضو المكتب التنفيذي لفيدرالية وكالات السياحة محمود عتو، وهو ما يتفق معه فيه مالك بن صاري صاحب وكالة سياحية في قسنطينة شرقي الجزائر، والذي قال لـ"العربي الجديد": "لا يوجد قانون ينظم لشركات السياحة إخراج العملة الصعبة، فقط يسمح القانون لنا كأشخاص بإخراج ألف يورو إذ تنص المادة 72 من قانون مالية عام 2016 على أن كل جزائري بإمكانه إخراج ألف يورو أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى. ونحن كوكالات سياحية نحتاج أضعاف هذا المبلغ من أجل تسديد مستحقات الفنادق فقط".


غياب آليات تحويل المال إلى الخارج

يمنع القانون الجزائري تحويل الأموال إلى الخارج عبر حسابات بنكية تجارية إلا للمستثمرين، إذ تنص المادة 12 من المرسوم التشريعي 93- 12 لقانون الاستثمار الصادر في 10 أكتوبر/تشرين الأول 1993 بأن عمليات الاستثمار تستفيد من تحويل الأموال إلى الخارج، شريطة تأكد البنك المركزي بأنها تقوم بالاستيراد لتمويل نشاطات اقتصادية أو شراء وسائل تقنية أو سلع موجهة للسوق.

ويضع بنك الجزائر شروطاً تضبط عملية تحويل العملة الصعبة التي تتم بموافقة مجلس النقد والقرض على مستوى البنك، وأهمها أن يكون التحويل محصوراً على الشركات التي تحقق إرادات من الصادرات وفق نشاطها الإنتاجي في الجزائر، وفي هذا الإطار أوضح وزير المالية السابق عبد الرحمان بن خالفة أن الشروط المقننة من طرف بنك الجزائر تهدف لمنع تهريب الأموال، وهنا يفسر الوزير السابق عدم استفادة وكالات السياحة من هذا الإجراء بأن الوكالات لا تندرج ضمن المستثمرين كونها لا تستورد وسائل أو سلعاً موجهةً للسوق، وليس لديها نشاط اقتصادي في الجزائر، لكن عضو فيدرالية وكالات السياحة محمود عتو ردّ بأن هناك فراغاً في قانون الاستثمار الجزائري في شطره المتعلق بتحويل رؤوس الأموال للخارج، إذ إن عدم إدراج الوكالات السياحية كمؤسسات اقتصادية حرمها من تحويل الأموال" قائلا "صحيح نحن لا نستورد سلعا لكن نصدر سياحا إلى الخارج فكيف نحرم من تحويل الأموال؟ وكيف يمكن تسديد مستحقات الفنادق والمنتجعات التي يقيم فيه هؤلاء السياح؟ الدولة تعلم أننا في حاجة للعملة وهي تغض الطرف عن نشاطنا ما جعل الفوضى هي من تُسيره".



فراغ قانوني

طرحت فيدرالية وكالات السياحة مشكلة تحويل الأموال على وزارة السياحة في عام 2011 وطالبتها بقانون يسهل حركة رؤوس الأموال، لكنّ تغيّر الوزراء على القطاع عطّل النظر في الموضوع، كما أوضح محمود عتو قائلا "قطاع السياحة الجزائري لا يشهد استقرارا، لا نجد من نتعامل معه، فقد تعاقب ستة وزراء في ست سنوات وبمجرد طرح الموضوع على وزير نُفاجأ بأنه تغيّر".

وتعاني الجزائر فراغا قانونيا في ما يخص تحويل الأموال بالنسبة للوكالات السياحية، وفق ما قال رئيس لجنة المالية بالبرلمان توفيق طورش، والذي تابع "لم تستحدث الجزائر قانوناً ينص على تحويل العملة لوكالات السياحة، لم يصلنا أي قانون من الحكومة حول تحويل الأموال للمتعاملين السياحيين، ولو اقترحت وزارة السياحة مشروع قانون لناقشناه ووافقنا عليه".

وتنص المادة رقم 01 من الأمر 96-22 المؤرخ في 9 يوليو/تموز من عام 1996 من قانون العقوبات أن تحويل الأموال للخارج، جريمة خطرة لها آثار على الاقتصاد وتقضي عقوبة المخالف بالسجن بين 3 إلى 5 سنوات، وبغرامة تساوي ضعف القيمة محل المخالفة.


شركات سياحة متورطة

تهرب بعض وكالات الأسفار العملة الصعبة، مستغلة غياب القانون وهنا يقول محمود عتو عضو فيدرالية الوكالات، "ليس كل الوكلاء السياحيين ضحايا لغياب القانون، ففيهم من يستغل الوضع لتهريب العملة والسلطات الأمنية عبر الحدود تتساهل أحيانا مع أصحاب الوكالات، وهي تدرك أنه ليس لديهم حل للقيام بنشاطهم السياحي"، وهو ما يؤكده الخبير المالي نبيل جمعة قائلا إن "بعض أصحاب وكالات السياحة يستغلون غياب القانون لتهريب المال، صحيح أن المتعاملين في السياحة لا يملكون حلولا في ظل غياب قانون لتحويل الأموال، لكن يفترض أن يجتهد هؤلاء في الضغط على الوزارة لوضع مشروع قانون ينظم نشاطهم التجاري".

وصنفت منظمة النزاهة المالية العالمية الجزائر في المرتبة الثالثة إفريقيا والثانية مغاربيا من حيث حجم الأموال المهربة في تقريرها الصادر عام 2010، والذي قدر الأموال المهربة بـ 26 مليار دولار، بينما بلغ حجم الأموال المهربة من الجزائر 15.246 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2013 بحسب التقرير الصادر عام 2013، إذ جاءت الجزائر في المرتبة 58 عالميا في تهريب الأموال من بين 75 دولة شملها التقرير، وبالمقابل لم يصدر بنك الجزائر أي تقارير عن الأموال المحولة أو المهربة عبر وكالات السياحة وبرر رئيس جمعية البنوك بوعلام جبار ذلك بأن التحويلات لا تتم عبر البنوك وإنما بطرق غير شرعية وبالتالي لا يمكن مراقبتها.

خسارة النظام المالي

يؤكد العميد السابق لكلية العلوم الاقتصادية أن البنوك الجزائرية تخسر من وراء غياب قانون يمكّن شركات السياحة من تحويل العملة الصعبة بطريقة شرعية بدلا من شرائها من السوق السوداء وتحويلها بشكل غير شرعي. وشاطره هذا هذا الرأي الخبير نبيل جمعة قائلا "خزينة الدولة لا تستفيد من الجباية المفروضة على الوكالات السياحية باعتبار أن الأموال لا تدخل البنوك أصلا وتمر من الزبون لصاحب الوكالة وبعدها إلى الخارج".

وتتوعد الحكومات الجزائرية المتعاقبة بمحاربة سوق العملة الصعبة السوداء، ففي عام 2013 أكد وزير المالية الأسبق كريم جودي، أن الحكومة ستحارب السوق الموازية لتجارة العملة خلال رده على أسئلة أعضاء مجلس النواب بمناسبة مناقشة قانون الموازنة، لكن السوق لا تزال ناشطة في شارع السكوار بقلب العاصمة، وفق ما يؤكده كمال رزيق قائلا "السوق الموازية لبيع العملة الصعبة موجودة في قلب العاصمة وغير بعيدة عن مباني هيئات رسمية كالبرلمان ومجلس الأمة" ويضيف "هناك غياب للإرادة السياسية في تنظيم المؤسسات المصرفية لتتكفل بعملية بيع وتحويل العملة نحو الخارج ما جعل وكالات السياحة تقصد السوق السوداء لشراء اليورو أو الدولار ثم تحوله بطرق غير شرعية".

من جهته، يطالب فارس مسدور أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، الحكومة باستحداث قنوات رسمية للاستفادة من تحويلات العملة، قائلا "ليست وكالات السياحة فقط من يعاني من تحويل الأموال، المغتربون الجزائريون أيضاً يفتقدون لآليات تحويل المال نحو بلادهم، في الوقت الذي يقدر فيه البنك المركزي التحويلات التي تتم بطريقة غير شرعية بـ 4 مليارات دولار".

ورغم توفر حلول عديدة من أجل تقنين عملية تحويل الأموال إلى الخارج إلا أن هذه الحلول مُغيّبة في رأي الخبير المالي، نبيل جمعة، والذي يؤكد أنه اقترح على البنك المركزي القيام بعمليات تصنيف لوكالات السياحة من أجل تقييمها والسماح لها بتحويل المال عبر البنوك، على أن يعتمد التصنيف على دفع الضرائب وتنمية رأس المال سنويا وتقديم فواتير الفنادق والمنتجعات في الدول السياحية التي يقصدها السياح الجزائريون، لكن هذه المقترحات بحسب المتحدث، لم تؤخذ بعين الاعتبار.