الفصائل الفلسطينية: قراءات متعددة... ومواجهة معدومة

23 يوليو 2017
محاذير من أن تستهدف الصفقة مستقبل غزة(مصطفى حسونة/ الأناضول)
+ الخط -
بدا مصطلح "صفقة القرن" العامل المشترك في الخطاب السياسي للفصائل الفلسطينية، التي حرصت على العروج على المصطلح فقط واكتفت بالإشارة إليه إشارة هي أقرب للقراءة البلاغية أو ربما للدقة تناولت تعريف الصفقة لغة لا اصطلاحا، ورغم التعرض للأمر إلا أن كل فصيل قدم قراءة مختلفة، فبات الاختلاف في القراءة الملمح الأبرز، رغم خطورة الصفقة التي تستهدف في أهم ملامحها ثوابت القضية الفلسطينية وترويض أجنحة المقاومة. 

تردد مصطلح صفقة القرن أول مرة في عام 2006 وعُرف بـ"عرض أولمرت" (نسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، أو تفاهمات أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس) والذي كان يقوم على أساس حل الدولتين مع تبادل طفيف للأراضي يصل إلى ما نسبته 6% من الضفة الغربية المحتلة، ولكن هذه الصفقة أجريت عليها تغييرات عديدة بما يتلاءم مع المصلحة الإسرائيلية، ونوقشت في مباحثات عديدة جرت بين الأردن ومصر و"إسرائيل" برعاية أميركية، وباتت تحمل في طياتها العديد من المشاريع التي تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين وليس حل الصراع فحسب.

ومن بين هذه المشاريع التي يدور الحديث عنها، عودة مسألة توطين الفلسطينيين في أكثر من بقعة جغرافية، وضم جزء من سيناء لقطاع غزة لتصل مساحة القطاع إلى 600 كيلومتر مربع مقابل حصول مصر على 200 كيلومتر مربع من صحراء النقب ومزايا اقتصادية أخرى، وتبادل أراضٍ بين الضفة والداخل المحتل يصل إلى ما نسبته 12% وليس 6% فقط، وإنشاء كونفيدرالية أردنية فلسطينية.

لم تتضح بشكل رسمي معالم الصفقة واستهدافاتها إلا أن الفصائل الفلسطينية اجتهدت في تقديم قراءات متعددة تجمع كلها على أن القضية مستهدفة لكن كل فصيل يقدم رؤية مختلفة، بل ربما تختلف القراءة في الفصيل الواحد وإنْ اتفقت على الأهداف. ما يعني أن الأمر لم يتبلور من فكرة إلى ممارسة لمواجهة تبعات صفقة القرن المرتقبة. ربما تنتظر الفصائل الفلسطينية الخطوة الأولى وبالتالي سيبدو فعلها كردة فعل أكثر منه كإجراء استباقي وقائي كاف لأن يحول دون تنفيذ المخطط.

قراءة حماس: الصفقة فاشلة
حركة حماس وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، كانت أبرز من تعرض لصفقة القرن، في أول خطاب سياسي له عقب توليه رئاسة المكتب السياسي، وقال بشكل واضح: إن "صفقة القرن فاشلة، وإننا سنقف سَدّاً منيعاً أمامها"، الأمر الذي اعتبره كثير من المراقبين أول اعتراف فلسطيني بحقيقة صفقة القرن وبأنها تستهدف مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية، ولكن المتأمل لاستحضار "الصفقة" في الخطاب يجد أنه تم المرور عليها مرور الكرام ولم يشَر إلى ملامحها، وهو الأمر الذي وقعت فيه الفصائل الفلسطينية كلها.

ربط هنية بين انتعاش "صفقة القرن" ومجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة بالولايات المتحدة، حيث شَنَّ هجوماً لاذعاً عليه، مُؤكّداً أنه "ذهب بعيداً في العبث بالموروث الوطني الفلسطيني"، وأن "موقفه من القضية الفلسطينية أصبح نفس موقف الاحتلال الإسرائيلي، ولا يوجد في قاموسه حتى ما يُسمَّى بحل الدولتين". وأضاف هنية "أن أخطر ما تتعرَّض له القضية الفلسطينية هو التَّماهِي مع المتطلبات الأميركية، وإدارة ترامب تبنَّت الرؤية الإسرائيلية". لكنه لم يتوقف عند الطرف الذي يتماهى مع المتطلبات الأميركية وإن كانت تعني الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية، وهو ما يفسر التقارب الحاصل عقب ذلك بين حركة حماس والمفصول من حركة "فتح" محمد دحلان. وهو التقارب الذي تحاول حركة حماس تبريره على الأقل في وسط عناصرها والمنتسبين إليها، خاصة بعدما تردد بأن دحلان هو الآخر جزء من مخطط صفقة القرن.

الجهاد الإسلامي: إنهاء القضية
لم تقدم حركة الجهاد الإسلامي موقفا رسميا من صفقة القرن، ربما لأنها غير منخرطة في مصالحة أو تقارب إقليمي، ولكنها عبرت عن قراءتها من خلال بعض التصريحات الصحافية التي أصدرتها قياداتها على مختلف المواقع التنظيمية، فالقيادي في الحركة أحمد المدلل يرى أن صفقة القرن التي ترعاها أميركا تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، من خلال العمل على ثلاثة محاور. المحور الأول هو تعزيز الهيمنة الأميركية على الإرادة العربية والسيطرة على المقدرات والموارد العربية، وقد رأينا هذا يحدث بشكل واضح من خلال منح النظام السعودي 460 مليار دولار لترامب لكي تتحول ضرائب هذه الأموال للعدو الصهيوني لزيادة تهويد الأرض الفلسطينية. ويصف المدلل المحور الثاني بأنه يدور حول دعم الصراعات الدائرة داخل أمتنا العربية والإسلامية، ويبين أن المحورين الأول والثاني يؤديان إلى المحور الثالث والرئيس في هذا المخطط والذي من أجله تقوم صفقة القرن وهو تصفية القضية الفلسطينية وتغييب الأمة العربية والإسلامية وانشغالها بصراعاتها وتطبيعها مع "إسرائيل"، وهذا سيؤدي إلى إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين وتفتيت الأرض الفلسطينية.

ويكتفي المدلل لمواجهة الصفقة التي يقر بخطورتها وبأنها تنهي القضية الفلسطينية بأنه يجب إنهاء الانقسام الفلسطيني والالتفات لخطورة الصفقة وتحقيق الوحدة الوطنية، ويبدو أن هذه القراءة لم تطلع رسميا على ملامح الصفقة ولكنها التقطتها من وسائل الإعلام، وهو ما بدا واضحا في تصريحات المدلل الذي قال إن ملامح الصفقة بدأت تتكشف من خلال ما يسرب عبر وسائل الإعلام. وبالتالي فالموقف مبني على تسريبات إعلامية وهذا على ما يبدو شرك وقعت فيه غالبية الفصائل الفلسطينية، التي بدت في قراءاتها للصفقة أن كل فصيل يغرد على حدة، ولم يحدث لقاء واحد يبحث في كيفية مواجهة الصفقة والتصدي لها رغم إقرار الجميع بخطورتها وبأنها تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

الجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية... ليستا استثناءً
لم يكن موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المبادرة الوطنية استثناءً من الفصائل الفلسطينية، وقد عقدت الحركتان اجتماعا قياديا وصف بأنه هام جدا، لكنه اكتفى بمناقشة التطورات السياسية الراهنة والبحث في سبل العمل المشترك لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الوطنية وتفاقم الأزمات وازدياد معاناة أبناء شعبنا الفلسطيني في ظل انغلاق الأفق السياسي وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، دون أن تقول القيادات كيف سيتم ذلك.

إننا وعن قصد ذكرنا حيثيات القراءات والمواقف حرفيا وكما وردت في الإعلام لا للتعليق عليها ولكن ليطلع عليها القارئ ويبدي قراءته وملاحظاته.
إن التربص بغزة لم يعد خافيا واليقظة وحدها لا تكفي مع الحاصل، والاستجابة مقتضياتها كبيرة جدا ليس أقلها التطويع لتمرير التطبيع، والجمود والعناد سيفضي إلى بقاء الحصار والإغلاق كما هو، وبالتالي نحن أمام مجموعة خيارات وتحديات أحلاها مر، لكن إذا ما تم تبادل للأدوار يمكن المرور بسلام من حقل الألغام، والمرور يقتضي من كل مكون وكل فصيل من مكونات القضية الفلسطينية القيام بدوره، وأن تحرص كل هذه الأطراف الفلسطينية على بقاء المقاومة ومقوماتها، والمرور من حالة الشد الجذب الإقليمية الحاصلة دون أن نكون طرفا فيها.

إن ما يحدث في أروقة الإقليم يستهدف ترويض المقاومة الفلسطينية شئنا أم أبينا والمقاومة مفاعلة وليست بندقية فقط، وأن ثمن أية انفراجة هو ترويض مشروع المقاومة بالكامل، حتى ولو لم تكن بعض أطراف المقاومة طرفا في ما يحدث، ويجب التنبيه من تبعات الاستفراد الحاصل إقليميا بكل طرف فلسطيني على حدة، والذي بموجبه بدا وكأن المشهد الفلسطيني لا يوجد به إلا سين أو عين، وخطورة ذلك أنه قد يكون مقدمة لاستبعاد باقي الأطراف الفلسطينية من أية حلول أو اتفاقات، وبالتالي ربما يتكرر سيناريو أوسلو بمكونات وحيثيات جديدة، أو ربما يتدرحج الانقسام.

إن المُستهدف ليست طرفا فلسطينيا واحدا، بل المشروع الوطني الفلسطيني بكل مكوناته، وملامح الأمر ستفضي لتلاشي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير تاليا وإعادة بناء حركة وطنية فلسطينية بمواصفات يصنعها الإقليم وفق محدداته ومصالحه وأهدافه، حركة وطنية ليست في عقيدتها المقاومة والتحرير الكامل لفلسطين. حركة وطنية فلسطينية تقبل بالمتاح أيا كان. ورغم ذلك لا زالت الفصائل الفلسطينية تقرأ "صفقة القرن" بناء على التسريبات الصحافية.



المساهمون