غناء الرودانيات: توثيق عاجل قبل الزوال

30 ديسمبر 2017
(مجموعة بجاير الدالية الكريحة الرودانية)
+ الخط -
منذ عام 2011، تقوم "جمعية بحاير الداليا" في مدينة تارودانت (من أقدم المدن المغربية وتقع شرق أغادير)، بجمع أغانٍ عرفتها المرأة فيها وصدحت بها في مناسباتها المختلفة، حيث تتمتع المنطقة بتراث عريق من القصائد التي غنتها النساء وتوارثنها جيلاً بعد جيل.

لغاية الآن جرى توثيق وتنقيح وتحقيق 200 قصيدة من قصائد "الرودانيات" لحفظها من الضياع، كما صرحت رئيسة الجمعية هند الحسايني التي تقوم بجمع الأغاني والقصائد وتحقيقها بنفسها.

التوثيق عملية مكلفة وطويلة الأمد، من هنا حصلت الجمعية تحت إشراف وزارة الثقافة المغربية على تمويل لمشروع التوثيق من "صندوق التراث الثقافي اللامادي" الذي تموّله منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو".

تقول الحسايني في اتصال مع "العربي الجديد" إن آلية التوثيق صعبة وأخذت سنوات طويلة منها، وتعزو ذلك إلى "غياب المراجع والبحوث في هذا المجال"، لذلك أخذت عملية جمع المادة جانبين؛ الأول هو العودة إلى الاسطوانات القديمة، والثاني هو الرجوع إلى الذاكرة الحية، وذلك يجري عبر مقابلة نساء كن يمارسن هذا الغناء واعتزلن".

تشرح الحسايني "أعمل على الذاكرة المغربية، والرودانية بشكل خاص، قمت بتحيين أشرطة وترميم اسطوانات، وتحقيق قصائد".

بقي الكثير أمام الحسايني والجمعية، فبعد أن اشتعلت لسنوات على تراث غناء النساء في المدينة فقط، تنوي العمل على المنطقة ككل.

وعن الفرق بين الشيخات والرودانيات، تشرح "الفرق هو سياق الممارسة، فالرودانيات كن يغنين في مناسبات خاصة تقتصر على النساء فقط، ولا يختلطن مع الرجال، وهذا فرق أساسي مع الشيخات".

تنتقد الحسايني الصحافة التي تناقلت خبراً من دون التوثق من صحته، وهو أن التمويل الذي حصلت عليه الجمعية بالملايين ومن الولايات المتحدة، بينما كانت الجمعية قد تقدمت إلى "يونسكو"، وفقاً للباحثة، "بملف للصون العاجل للغناء، الذي كان مهدداً بالنسيان تماماً والضياع، فكل المتون والكلمات والأغاني والإيقاع والآلات والطقوس المرافقة لهذا الغناء كانت إلى زوال وسيطويها النسيان".

هنا كان لا بد من إحياء لهذه الأغاني، وتحويل الشفوي إلى كتابي، وهذا يتطلب ورشات وندوات وبحوث، من هنا تضمن ملف المشروع 16 نشاطاً، يتواصل لسنتين، تحت إشراف لجنة من وزارة الثقافة.

اليونسكو قالت في بيانها حول دعم المشروع إن "المنطقة تتوفر على كنوز تراثية غنية تعكس عراقة الاستيطان البشري بها، والتلاقح الثقافي الذي ميّزها عبر التاريخ، حيث يحتل الغناء النسائي عبر هذا الفسيفساء الثقافي مكانة هامة، كما يتميز بتعدد أصنافه وتنوع تلويناته الأدائية من خلال امتداده بين حاضرة تارودانت التاريخية والقبائل المحيطة بها".

وأضافت "إن هذا التراث الغنائي العريق طاله النسيان نظراً لتغير نمط العيش، واكتساح العولمة، وسيطرة التعابير الفنية الغنائية الجديدة، وعدم توفر الوعي الكافي بأهمية هذا التراث الغنائي وضرورة الحفاظ عليه والعمل على تلقينه للأجيال الصاعدة".

وقد أقامت الجمعية مؤخراً ملتقى شارك فيه أكاديميون وفنانون معنيون بقضايا التراث الثقافي الروداني، خاصة في جانبه المرتبط بالغناء النسائي، وجاءت المداخلات حول "المرأة الرودانية والغناء الصوفي"، و"تحديات وعراقيل إحياء التراث الغنائي النسائي الروداني"، و"التوثيق لحياة النساء من خلال الغناء"، و"نقاط القوة والتحديات في التراث الثقافي اللامادي"، و"علاقة التراث بالتنمية".

وتتوزّع القصائد الغنائية التي استطاعت الحسايني جمعها وتحقيقها على أنماط غنائية مختلفة تؤدّى حسب المناسبة التي يتم إحياؤها، حيث أن هناك قصائد لفن لكريحة (الأصل فيها القريحة، أي ما تجود به قريحة الناظمة، وتارودانت هي الوحيدة التي تتميز بهذا اللون النسائي مع العلم أن هناك الكريحة الرجالية وهو فن يعرف بالملحون وفقاً لما توضح الحسايني)، وأحيدوس، وشد الميزان، وحوران، والحضرة الذي ينقسم بدوره إلى أنماط غنائية فرعية وهي الحضرة الحضارية والعيساوية والضراوية وغيرها.

دلالات
المساهمون