"وجوهنا": اللجوء بحسب نضال شامخ

24 أكتوبر 2019
(من المعرض)
+ الخط -

في عام 2012، رسم الفنان التونسي نضال شامخ عملاً بعنوان "بماذا يحلم الشهيد". حضرت في العمل شخصيتان، كان الجسد جسد إنسان والرأس لحيوان خاضع هو كالحمار والخروف، وكان واضحاً أن الواقع التونسي هو الهاجس الرئيسي له. بعد بضع سنوات، يعود شامخ إلى لعبة التهجين، ولكن ليس لتناول الموضوع نفسه الذي قدمه في تلك اللوحة، ففي سلسلته الجديدة "وجوهنا" والتي تُعرض هذه الأيام في "غاليري سلمى فرياني" في تونس العاصمة، حتى 27 من الشهر الجاري، يقدّم مجموعة كبيرة من البورتريهات المرسومة على قماش يثنيه الفنان من المنتصف فيقسم الوجه إلى نصفين، الأعلى منه لا علاقة له بالأسفل، أو هذا ما يهيأ لنا، لندرك أن الفنان يتناول سؤالاً جديداً، وهو في الحقيقة سؤال العالم اليوم: كيف ندير اختلافات العِرق والهوية، وهل من المقبول أخلاقياً أن يتواصل الفصل العنصري بين الناس في عالمنا.

يتضمّن المعرض أيضاً جانباً تاريخياً يقدمه شامخ ضمن تجهيز فيديو، يضم أكثر من خمسين لقطة، بينها صور أرشيفية، يلجأ فيها الفنان إلى المونتاج، ليس التقني فقط، بل الذهني أيضاً، وفقاً لما يقول بيان المعرض. هكذا يبدو الفنان وقد غادر الواقع التونسي للانشغال بما هو عالمي، وإن كان المجالان يتقاطعان بشكل جلي، فتونس تعيش منذ سنوات مأساة قوارب الهجرة غير الشرعية نفسها، وتضم عدداً من ملاجئ النازحين من بلدان أفريقية أو ليبيين بسبب العنف المخيّم في بلدهم، ومن وراء ذلك يسائل شامخ الواقع العالمي في مجمله، وكيفية تعامل الدول الليبرالية مع هذه الملفات، وهنا يجمع شامخ التاريخي بالراهن، حيث يعود إلى المرحلة الاستعمارية، ليقول إن ثمة أموراً لا تتغير مع تغيّر المسمّيات.

الأعمال المعروضة جرى الاشتغال عليها بين 2016 و2017، في غابات كاليه في فرنسا. في هذا المكان الممتد على حوالى ثلاثين هكتاراً، تَشكّل أكبر مخيم للمهاجرين في فرنسا في ربيع 2015 قبل تفكيكه بالكامل في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 بعد عنف قوات البوليس الفرنسية نحو المهاجرين الذين رفضوا المغادرة.

يعود شامخ إلى آثار اللجوء، ليقدم لنا تحليلاً بصرياً لكيفية بقاء الناس على قيد الحياة ضمن تلك الظروف، وأي آليات طوروها ليجعلوا العيش ممكناً. في المعرض سنرى ذلك القماش المشمع الأزرق الواقي الذي بات يحيلنا فوراً إلى اللاجئين والطوارئ، لقد أصبح هذا البلاستيك، وفقاً لبيان المعرض، "علماً بلا جنسية ولا مستقبل".

تكشف صور الحياة كما وثقها نضال شامخ، عن مجتمع عاش مطروداً بالكامل، من رجال ونساء نزحوا بحثاً عن حقوقهم الأساسية في الكرامة والسلامة، ووجدوا أنفسهم في ملاجئ من ألواح خشب وزينك.

يدفع شامخ المتلقي للتفكير في مسألة العيش من خلال التساؤل: هل من الممكن في عالم تحكمه حالة طوارئ منذ عقدين تقريباً، ألا تبدو بذلك أداة يستخدمها النظام العالمي للسيطرة؟

من العناصر البصرية التي تؤثث الكثير من أعمال شامخ، نجد حضوراً لافتاً للأوراق الثبوتية كما لا نجده عند فنانين آخرين. نرى أصابع تبصم على جهاز حدودي، وامرأة بالعباءة ترفع صورة مناسبة لوثيقة رسمية من أي نوع، يدان تحملان ورقة تعطيها اسماً وشرعية مؤقتة. هناك رسمة لمصيدة فئران وسط كل هذه الأوراق، ونرى في إحدى الرسومات سيقاناً تتدلى من قارب وتلامس الماء، وحواجز "حرس الحدود".

هكذا وإن تقلّصت تلك الصور الدموية التي رافقت أعماله بعد الثورة التونسية، فقد استحضر رموزاً أخرى لكنها ليست أقلّ وحشية؛ إنه نفسه السؤال حول شرعية الوجود، في الوطن أو في مكان غريب، وحاجة الإنسان للانتماء وهي حاجة على ما يبدو ينكرها عليه العالم، إضافة إلى الحق في البدء من جديد.

المساهمون