رداً على بطرس المعرّي: بيداغوجيا وبابا غنّوج

29 مايو 2017
سبهان آدم/ سورية
+ الخط -

لم يكن لدي الوقت الكافي للرد على مقالة هنا ومقالة هناك، فعملي المتواصل لشهور طويلة في مرسمي بشارع العابد الدمشقي، جعلني لا أبصر سوى كائنات لوحاتي التي تتطلب مني التداعي بالسهر والحمى لإنجازها. لكن ما كتبه بطرس المعرّي مؤخراً في "العربي الجديد" عن تجربتي تحت عنوان "سبهان آدم.. ما يُقال ولا يُكتب" (11 أيار/ مايو 2017) دفعني إلى التفرغ ذات ظهيرة شامية حنونة لأرد على ما صاغه من اتهامات.

يستغرب المعرّي ما يكتب عن تجربتي، ويلمح إلى أن الصحافيين والنقاد والكتاب الذين تناولوا تجربتي لا يقولون الصواب عن أعمالي، غامزاً من قناة العديد ممن كتبوا عن معارضي في كل أرجاء الأرض.

حسناً.. ماذا سنقول للشاعر أدونيس الذي وصف تجربتي بأنها "انفجار في أحشاء الفن العربي الإسلامي"؟ هل يرمي المعرّي بأنني أرشو الصحافة والصحافيين للكتابة عن لوحتي؟ ماذا عن عشرات المجلات الأوروبية التي حملت أغلفتها صوراً للوحاتي؟ هل رشوتها أيضاً؟ هل منعتها من الكتابة؟ هل منعت صحافة الغرب وصالاته التي استضافت لي قرابة سبعين معرضاً في باريس ونيويورك وبرلين وجنيف ولندن وسواها، هل كممت أفواه الصحافة يا سيد معري؟ عجبتُ فعلاً من هذا الالتباس الذي دهم الأستاذ بطرس الذي صبّ جام ضغائنه على لوحاتي، قائلاً إنها لوحة واحدة؟من أعمال سبهان آدم الجديدة

وهنا دعونا نوضح أيها الأعزاء القراء للسيد المعرّي المتخصص بالأنثروبولوجيا الاجتماعية: الرسم هو لوحة واحدة تخلق توجهاً واحداً راديكالياً، ربما لا يتفق مع الآخر لا في ظرفه الزماني ولا المكاني، يظهر أنه عمل واحد لكنه بمناخات وكثافات وحشود بشرية متنوّعة.

سيرتي لم أخفها يا سيد بطرس، وغير مرة صرحت بها للصحافة والإعلام، واسمي ليس فضيحة، أستغرب فعلاً كل هذا التحشيد ضدي فيما لا أجد وقتاً حتى لأتحدث مع نفسي؟

عزائي أنني اتخذت الفن قصة جميلة خاصة بي، فيها بذخ شديد لم أستعن فيها بمساعدة أحد، لا بمؤسسة ولا بكلية ولا بصحافة، بل بدأت من تحت الصفر بعيداً عن بيداغوجيا التربية الفنية التي لم تغرني يوماً ولم أمتثل أو أنصع لقوالبها المتجمدة والناقمة على كل فطرة وموهبة برية عذوبتها هي سر حدسها التشكيلي، لا مساطر ومقاييس الأكاديميات التي صادرت براءة الفن وصراحته وحوشيته الأولى، مدمرةً في طريقها كل من لم يركع لقمصانها الجاهزة! أجل اقتحمت المدينة بشهادة إعدادية، لكنني كنتُ هارباً كحصان بري وما زلت من إصطبل المدارس والجامعات والمعاهد التي تركتها لمن لا يستطيعون العيش والرسم بدونها.من أعمال سبهان آدم الجديدة

ثم لماذا يصر المعرّي على انتقاء لوحة من بين مئات اللوحات التي رسمتها ليصدرها للقارئ على أنها مثال ساطع عن تجربتي، ألا يعرف الأستاذ المعرّي أن الفنان يطوّر في كل لحظة مهاراته وتقنياته؟ بعد سبعين معرضاً، يعرف كثير من المقربين مني أنني أتهرب يومياً من الصحافة والصحافيين، لكن عملي بما يستدعيه من ظروف يتطلب مني الكثير من العناية بطقس أميل إليه، مع أن البرجزة قاتلة للإبداع.

لو شئت استعمال نفس منطق المعرّي في "ما يقال ولا يكتب" لأشرت إلى انكبابه في برلين، على استنساخ أعمال أبو صبحي التيناوي وبرهان كركوتلي، وهي أعمال تستقي من الموروث والحارة الشامية، كما هو حال أعمال اللبناني رفيق شرف، وهذا أسلوب خاص بكل من التيناوي وكركوتلي وشرف لا أميل إليه لكنني أحترمه.

وشتان بينه وبين النفَس الاستشراقي السياحي الذي يستدعيه المعرّي عن أعمال هؤلاء، محاولاً استحضار الزمن العثماني في أعماله التي تستند إلى تصعيد اللوغو ونقل خبرات في الاتصالات البصرية إلى مساحة لوحة قوامها الغرافيك والكولاج لتصدير شخصيات مثل عبلة وعنترة وكراكوز وعيواظ بأسلوب كرتوني، أسلوب يمزج تقنيات الحاسوب بالأكريليك والبابا غنّوج!


* فنان تشكيلي سوري/ دمشق

دلالات
المساهمون