"أوركسترا" مجد القصص: من يجرؤ على النقد؟

15 يناير 2018
(المخرجة الأردنية مجد القصص في إذاعة تونس)
+ الخط -

ما الذي يدفع مخرجة أكاديمية إلى محاربة النقد، وتقديم شكاوى بمن ينتقد عرضها المسرحي؟ هذه محاولة لإلقاء الضوء على عرض "أوركسترا" للمخرجة الأردنية مجد القصص، عن نصّ للأردنية سميحة خريس، الذي لم ينجح في التأهل للكثير من المهرجانات المحلية والعربية، أو الترشح لجوائز تتعدى الأداء التمثيلي والإضاءة في مهرجان للهواة؛ إلا أن الجميع فوجئ بقبول العرض على هامش "مهرجان المسرح العربي" الذي تقيمه "الهيئة العربية للمسرح" الذي يختتم يوم غد في تونس.

وعلى الرغم من أن انتقاد عروض فرقة "المسرح الحديث" التي تأسست عام 2007، كان يقود في العادة إلى خصومة مع رئيستها ومخرجة مسرحياتها مجد القصص (نذكر صراخها الذي ملأ فضاء "المركز الثقافي الملكي" في عمّان، عندما قام الناقد الرئيس في الجلسة النقدية بانتقاد مسرحيتها "الحب في زمن الحرب" إثر مشاركتها في دورة مهرجان المسرح الأردني الـ23)، إلا أن انتقاد هذا العرض بالتحديد قاد إلى تقديم شكاوى قضائية، وإلى مراجعة وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية.

اعتادت المخرجة فور انتهاء العرض الأول من أي مسرحية لها، أن تقرّر بأن العمل قد نجح نجاحاً منقطع النظير، في ظاهرة تُعدّ استثنائية بكل المعايير، فهناك وسائل ومعايير أخرى للحكم على العرض ونجاحه، ولا يجوز أن يقوم المخرج بنفسه بتقرير ذلك، وهنا يكون دور النقد. كما اعتادت تصنيف عروضها السابقة على أنها تعتمد على "مسرح فيزياء الجسد"، قبل أن تدخل في جدال كبير في محاولة إقناع أهل الاختصاص، بتصنيف مسرحها دون جدوى، لتصطدم بحقيقة أن "مسرح فيزياء الجسد" له شروط تختلف تماماً عما تُقدمه في عروضها.

شاب "أوركسترا" الكثير من مظاهر الضعف على مستوى الشكل والمضمون؛ من سوء توزيع الممثلين والإكسسوارات على المسرح، إلى غياب أسس الإخراج المسرحي في "مسرح العلبة الإيطالية" مثل مراعاة قوانين المنظور المسرحي، إلى حجب الممثلين لبعضهم بعضا، فحرص المخرجة على توحيد أداء الممثلين (الممثلات) تبعاً لتوجيهاتها بحيث أصبحت هناك شبه وحدة في الانفعالات وردود الأفعال (يحدث هذا غالباً عندما ينزع المخرج القادم من مهنة التمثيل إلى فرض إيقاعه الخاص وانفعالاته على كل الممثلين، ما يؤدي بالتالي إلى تحجيم مشاعر الممثل)، ما أثار جواً من الإحباط لدى الجمهور، عبَّر الكثيرون عنه بالسخرية من أغلب عناصر العرض، ما عدا الأداء التمثيلي لبعض الممثلين الذين أسعفتهم خبرتهم التقنية السابقة لفرض حضورهم في ظل ضعف النص دراميا وسطحيته، وغياب الحلول الإخراجية المبدعة في معالجته.

كل هذا نتيجة حتمية لمنهج عمل القصص التي تصرّ على إنتاج عرض جديد سنوياً، نتيجة امتلاكها لشبكة علاقات مع مؤسسات خاصة مستعدة لتمويل عروضها. وهذا نشاط إيجابي من قبل رئيسة الفرقة، إلا أن وجود الميزانية الجاهزة للصرف، أدى إلى ظهور نزعة لاستسهال العمل. والحديث هنا عن "أوركسترا" وعن أعمالها الأخرى في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

التساهل نفسه أدى إلى إنتاج نص بُني على قصص قصيرة، توزّعت حواراتها على لسان عدّة شخصيات، لصنع ما يشبه النص المسرحي من حيث أنه يعتمد على الحوار. لكن المسرح حدث درامي بالأساس، وبالتالي فالحدث هو ما يقود قصة العمل وينقلها من طور إلى آخر وصولاً إلى النهاية، وليس السرد والوصف. هذا الاستسهال قاد إلى سرد قصص، لا تقديم أحداث. وقاد أيضاً إلى أن أحد تلك المشاهد (مشهد لقاء الزوجة بالعشيقة) عبارة عن نسخة مطابقة لذات المشهد المعروف في مسرحية "مروحة الليدي وندرمير"، دون الإشارة إلى ذلك، ودون تقديم حل إخراجي حاذق؛ كأن يُقدّم في سياق لعبة تؤديها العجائز في مركز إيواء العجزة (مكان الحدث في المسرحية)، ما يبرر الاعتماد على مشهد مشهور من مسرحية أوسكار وايلد، في إعادة تجسيد الواقع الذي جرى بين الشخصيات في الماضي.

الاعتماد على الكتّاب في تأليف نص درامي قضية شائكة تستلزم من المخرج أن يكون متعمّقاً في دراسة الدراما، ومتمكّناً من فهم طبيعة وخصوصيات هذا الفن بمراحله التاريخية المختلفة، وأن يكون قارئاً جيداً لكمّ من النصوص الدرامية، ويتمتع بموهبة صياغة أي موضوع بلغة درامية (لغة الفعل ورد الفعل)، الأمر الذي لم يتحقق في هذا العرض لسوء الحظ. وبما أن هذا أسلوب المخرج وشأنه وقراره واختياره؛ يبقى على المتلقي، أن يقول رأيه ويعبر عن استحسانه أو امتعاضه بأية طريقة يراها مناسبة، سواء كان ذلك في مقالة نقدية جادّة، أو تهكمية ساخرة.

هذا الشكل من الاعتراض معروف في المسرح العالمي، وهو خير من مقاطعة العرض أو افتعال فوضى كما يحدث في بعض المسارح. ففي عهد شكسبير كانت المسارح في وسط السوق على الضفة الجنوبية للمدينة، وكان الجمهور يرمي الممثلين بما يحملونه من طماطم أو بيض إن لم يعجبهم العرض، كان جمهور المسرح وقتها أشبه بجمهور مباراة كرة القدم في عصرنا.

* أكاديمي ومسرحي أردني

المساهمون