بول سيزان.. الانحراف ست درجات عن الواقع

26 أكتوبر 2017
("اليقين والشك.. السيدة سيزان" لـ سيزان)
+ الخط -

في عام 1880، رسم الفنان الفرنسي غوستاف رينوار (1841-1919) لوحة بورتريه لصديقه الفنان بول سيزان (1839-1906). بعد هذا التاريخ بعام، قام سيزان برسم نفسه، متخذاً من لوحة رينوار موديلاً، وكان هذا أول "بورتريه ذاتي" في الفن التشكيلي يعتمد على لوحة فنان آخر، غير أن سيزان خلّص نفسه من الضوء في لوحة رينوار، وأصبح أكثر كآبة وأقل معرفة وقوة مما كان يبدو في لوحة صديقه.

حتى اليوم، يعرف تاريخ الفن لسيزان 160 لوحة بورتريه، ما بين ذاتي، أو تصوير لزوجته أو أصدقائه أو لشخصيات معروفة أو موديلات مجهولة. هذه الأعمال ينطلق عرضها، اليوم الخميس، في "الغاليري الوطني للبورتريه" في لندن ويتواصل عرضها حتى شباط/فبراير 2018.

رسم الفنان الملقب بأبي الفن الحديث، البورتريه بالألوان المائية وقلم الرصاص والزيت والليثيوغراف، ورسم شخصيات كثيرة، من بينها والده المصرفي القاسي الذي كان يعتبر سيزان خيبة أمل، فقد أصر على السفر إلى باريس للحاق بصديقه إميل زولا (1840-1902)، وممارسة كتابة الأدب، لولا أنه أدرك أن موهبته الحقيقية ليست الكتابة.

في كل أعمال البورتريه التي رسمها، يجعل الفنان محور اللوحة مائلاً ست درجات إلى اليسار، بحيث تظهر كل الرؤوس مائلة قليلاً إلى الجهة نفسها. وهو أسلوبه الذي أطلق عليه النقاد "الحرف"، بمعنى حرف محور اللوحة عن مركزيته، ما يزيد التوتر في اللوحة وينتقل بدوره إلى المتلقي. يمكن أن نرى ذلك في لوحة لزوجته رسمها عام 1887، وفي لوحة "رجل في غرفة" (1890) حيث يقف الرجل منحرفاً عن محور اللوحة بنفس المقدار، كأن الأمر بمثابة تعمّد الانحراف عن الواقع؛ ميزة ستلقي بظلالها على فن القرن العشرين.

في بورتريه بعنوان "الرجل مكتوف اليدين" 1899، نرى انحرافاً آخر، بل عدة انحرافات لعب فيها سيزان في مقاييس الوجه وتعابيره، بحيث يبدو كما لو أن نصف الوجه اليمين مأخوذ من زاوية مختلفة تماماً عن النصف اليسار، وهي تقنية يشير النقاد إلى أنه استلهمها من لوحة "العذراء والطفل" لدافنشي، لكن الفرق أن دافنشي صنع هذا الخلاف في زوايا النظر من خلال وجود شخصيتين في اللوحة، في حين كانت عبقرية سيزان أنه جعلها ممكنة في شخصية واحدة.

سيأتي بابلو بيكاسو في عام 1937 ليستفيد مما صنعه سيزان ويقوم بالخدعة نفسها في لوحته "بورتريه لدورا مار" والذي جعل فيه النظر ممكناً إلى الوجه من ثلاث زوايا في وقت واحد. سيقول بيكاسو لاحقاً "أبي الوحيد الأوحد هو سيزان، بل إنه أبونا كلنا"، ربما يمكن القول إنه لولا تجربة سيزان لما جاءت لحظة بيكاسو، ولكانت مرحلة سيزان ظلّت بحاجة إلى من يخوضها.

من أشهر أعمال البورتريه التي سيتضمنها المعرض، لوحات عديدة حملت اسم "السيدة سيزان" رسم فيها زوجته غالباً جالسة على مقعد في حديقة أو كرسي أحمر في البيت تنظر إليه أو تخيط قميصاً، رسم نفسه أيضاً بجانبها بعد رحيلها. ورسم أيضاً صديقه الأقرب إليه زولا.

دلالات
المساهمون