الثقافة الخليجية.. رهينة المحبسين

20 مارس 2017
مقطع من عمل لـ رقية البلوشي
+ الخط -

على استحياء، حضر البعد الثقافي في الحلقة النقاشية "منطقة الخليج العربي في ظل المتغيرات الإقليمية"، التي عقدت في مسقط يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، فيما هيمنت المتغيرات السياسية والاقتصادية على جلّ الأوراق المقدمة، بل وعلى أسئلة ونقاشات الحضور الكبير الذي يبدو أنه متعطّش للحديث عن "المسكوت عنه" في متغيّرات المنطقة، إلا في المتغيرات الثقافية.

الحلقة التي نظمها "النادي الثقافي" بالتعاون مع "مركز دراسات الخليج" في جامعة قطر، وشارك فيها باحثون وأكاديميون أكدوا في معظمهم أنه آن الأوان، بل ربما تأخر الوقت، في أن يفكر الخليجيون بصوت مسموع إزاء القضايا الملحة التي أصبحت تشغل بال "الرأي العام"، ولا تجد إجابات واضحة من المشتغلين بالسياسة والاقتصاد، "فالنفط على سبيل المثال في أضعف مستوياته والغلاء في أعلى مستوياته، وكذا مستوى "البطالة"، والأنظمة لا تريد توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرات المصيرية، ولا تزال تمارس مع شعوبها السياسة القديمة نفسها"، بل ونبهوا إلى ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة تتماشى مع المتغيّرات التي تشهدها المنطقة، خصوصا بعد موجة "الربيع العربي".

ما يعنينا هنا، أن البعد الثقافي، بدا وكأنه ديكورٌ أو مجرد كومبارس أو شبح يؤدّي دوره ثم يختفي، في ما عدا ما جاء في مناقشة الورقة العابرة التي قدّمها الأكاديمي باقر سليمان من "مركز دراسات الخليج" بعنوان "تحديات العمل الثقافي في دول مجلس التعاون الخليجي".

أشار سليمان في ورقته إلى مكمن المعضلة في المتغيرات الخليجية، وهي تغييب الثقافة من المشهد العام، إذ يرى أنه "حين لا تتماهى السياسة مع الثقافة فإنها تكون في الغالب مفترسة ومتوحّشة ومنفلتة من عقالها، وما نشهده حولنا من انفكاك النخب السياسية عن الثقافة مؤشر خطير"، مطالباً بـ "أنسنة الثقافة ومشاركتها في اتخاذ القرار السياسي، من خلال الاستثمار في الثقافة وهو استثمار للمستقبل لا نرى مردوده المباشر، فيما تريد النخب السياسية والاقتصادية مردوداً مباشراً، لذلك تنزع في تمجيد الاستثمارات الاقتصادية والعسكرية وهي استثمارات سريعة النتائج، لكنها في المقابل تأتي بنتائج مدمرة".

أكد سليمان أيضاً على أن "الثقافة في الخليج سابقة للسياسة والاقتصاد قبل عصر النفط، وقد ساهمت في تشكيل قيم المجتمع التقليدي، بل إن الاهتمام الشعبي سابق أيضاً على الاهتمام الرسمي بالثقافة"، مشيراً إلى أن الاهتمام الرسمي بها يأتي فقط من خلال محاولة التقاطع مع السياسي والديني اللذَين يتعاضدان في تهميش الثقافة، وما وقوف الديني في وجه إدراج الفنون الحديثة مثلاً في المنهج المدرسي إلا مثالٌ، وما تشجيع السياسي لثقافة بعينها كالموسيقى الكلاسيكية وسباقات الهجن ورياضة الصيد بالصقور إلا مثال آخر".

تشير الورقة إلى أن المتغيرات الاقتصادية الحالية أوجدت لكل من السياسي والديني حجة جديدة في تهميش الثقافة، فثمة أمور أكثر إلحاحاً للإنسان الخليجي من الثقافة والمثقفين هذه الأيام، لتبقى الثقافة رهينة المحبسين السياسي والديني وتدور في فلكيهما، عبر حضورها الباهت والذي لا لزوم له، وهي التي تحضر كهامش لا متن، حتى في هذه الحلقة النقاشية التي أقيمت - يا للمفارقة - في "النادي الثقافي" (لا السياسي أو الاقتصادي).

مفارقة أخرى ذات دلالة هي أن محاضرة باقر سليمان لم تجد من يعلق عليها من الحضور. لعلها إشارة عن غياب المواطن الذي يعيش متغيّرات بشكل فعلي، فيما تعيشه النخب السياسية والاقتصادية على مستوى التنظير و"الكلام الكبير"، الذي لا يسد رمق الإنسان الخليجي، الذي وجد نفسه بعد عدة عقود من "التنمية التي عمادها الإنسان"، وبعد عجز "الدول الريعية" في ظل "مدن الملح" عن البحث عن "ملح آخر". قد تكون الثقافة وحدها شكلاً من أشكال هذا "الملح الآخر".

المساهمون