تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات العالمية المختلفة اليوم.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت من خلال دراستي في "كلية الألسن" بالقاهرة، ضمن قسم اللغة الإيطالية ثم تخصّصي في الترجمة الأدبية من خلال أطروحة الماجيستر، وكانت حول إشكاليات ترجمة نصوص الكاتب والشاعر الإيطالي جبرائيل دانونسيو، وتم نشر جزء من الرسالة بعنوان "ثلاث قصص من بسكارا" عن منشورات "المعهد الثقافي الإيطالي" عام 2000. وبعد ذلك، وبتشجيع من أستاذي سلامة سليمان- رحمه الله - وكان من أبرز الأكاديميّين في الأدب الإيطالي ومن كبار المترجمين - قمت بترجمة الحكايات الشعبية الإيطالية لـ إيتالو كالفينو، وصدرت في أربعة مجلّدات عن "دار شرقيات" عام 2007.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟
- آخر الترجمات المنشورة كانت رواية "زهور نهر تيزا" للكاتب الإيطالي دانتي ماريانتشي، وقد صدرت عام 2017، ضمن سلسلة الجوائز التي تُصدرها "الهيئة العامة للكتاب". حالياً، أشتغل على ترجمة رواية "رياح عاصفة" للكاتبة الإيطالية سيمونتا أنييللو هورنوبي، وهذا هو العمل الثاني الذي أترجمه لها بعد رواية "قاطفة اللوز" التي نشرها "المركز القومي للترجمة" عام 2015.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- أبرز العقبات هي عدم قدرة دور النشر على تمويل ترجمات كبار الكتّاب، لارتفاع تكلفة نشر الكتاب المترجم وما يتطلّبه من حقوق المؤلّف وحقوق الترجمة، إضافة إلى حصر الترجمة في مجال الإبداع الأدبي وعدم إفساح المجال لترجمة الكتب العلمية.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- كل دار نشر تستعين بمحرّر للنصوص الأدبية ومراجع للغة العربية، وهي من الأمور المعتادة في النشر، ودوره ينصبّ على مراجعة اللغة العربية وإخراج الكتاب.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- نشرتُ إلى حد الآن اثني عشر كتاباً مترجماً، وكنت دائماً من يختار العناوين المترجمة.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- لا ليست هناك اختيارات سياسية. أعتمد على اختيارات أدبية بحتة.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
- في الغالب علاقة إعجاب بما يكتبه، وأنا في ذلك كما يقول إيتالو كالفينو: "الترجمة خير وسيلة لقراءة العمل الأدبي". عندما يكون كاتب العمل لا يزال على قيد الحياة، تُشكّل الترجمة بداية صداقة وطيدة مع الكاتب، كما حدث لي مع داتشيا ماراينني وسيمونتا هورنوبي.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- حضور المترجم في النص أمرٌ حتمي، بل إن شفافية الترجمة تكمن في قدرة المترجم على تأويل النص والكشف عن جمالياته، لذا تعمد الدراسات الحديثة في مجال الترجمة والأدب المقارن إلى تعريف الترجمة بأنها إعادة كتابة للنص الأصلي أو "خلق نص مواز" بعبارة أندريه لوفيفير. إشكاليات الترجمة الأدبية لا تنحصر فقط في الصعوبات اللغوية، بل تتعدّاها إلى إشكاليات نقل الثقافة والموروثات الحضارية وقدرة المترجم على نقل النص الأصلي بكل خصوصياته الأدبية والثقافية. وقد تصبح الترجمة أكثر تعقيداً من الكتابة؛ فهي محاولة معقّدة لسبر أغوار العمل ورؤية الكاتب وأيضاً ممارسة مقيّدة للكتابة الأدبية، وبالفعل تزخر الحياة الأدبية بأسماء كتّاب كبار بدأوا حياتهم الأدبية بالترجمة مثل إيزابيل ألليندي.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- أعتقد أنها مشجّعة إلى حد كبير، وقد كان لي حظ الحصول على "جائزة الدولة الإيطالية للترجمة" عام 2017، وهي أهم جائزة تمنحها الدولة الإيطالية في مجال الترجمة.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- أعتقد أن الترجمة في العالم العربي تنقصها خطط وبرامج تمويل ثابتة بعيدة الأمد، كما تفتقر إلى الاهتمام بترجمة الأدب العربي ونقله إلى اللغات الأجنبية.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لكِ عادات معيّنة في الترجمة؟
- في البداية أتعامل مع النص انطلاقاً من قراءة متأنّية، ثمّ من خلال تفاعلي مع النص أتّخذ قرار الترجمة من عدمه. عند شروعي في ترجمة عمل جديد، أحاول الإلمام الكامل بالخصائص الأسلوبية للكاتب واتجاهاته الأدبية، من أجل أن تكون الترجمة بمثابة معايشة لواقع الكاتب وفكره. في بعض الأحيان، أقوم بزيارة الأماكن التي تحدّث عنها الكاتب ودارت فيها أحداث الرواية، خاصة في حالة الأماكن ذات الأبعاد التاريخية والسياسية المحورية في بنية العمل، كما في رواية "ابتسامة البحار المجهول" لـ فينشينسو كونصلو، والتي تدور أحداثها في مدينة تشيفالو في جزيرة صقلية. وكي أتمكّن من وصف أماكن الرواية قمت بزيارة المدينة وبيت الشخصية التاريخية في الرواية. وبعد الانتهاء من الترجمة، أبتعد عن الكتاب بعض الوقت ثم أعود إلى النص المترجَم وأحاول قراءته كنص جديد كي أتبيّن أثره في نفسي، واستجابتي للعمل كقارئه وأقارن بين الأثر النفسي للعمل الأصلي والنص المترجم.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- أختار بعناية ودقة الأعمال التي أترجمها، لذا لم أندم حتى الآن على عمل قمت بترجمته.
■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
- أتمنّى للترجمة العربية أن تواصل دورها الفعّال في مد جسور الثقافة والمعرفة بالحضارات الأخرى، وكمترجمة أتمنّى ترجمة أعمال الشاعر الإيطالي أوجنيو مونتالي الحاصل على جائزة نوبل للآداب.
بطاقة
باحثةٌ ومترجمة مصرية، تعمل أستاذةً للغة العربية وتقنيات الترجمة في "جامعة تورينو". من ترجماتها: "ابتسامة البحّار المجهول" (2009) لـ فينشينسو كونصلو، و"حياة ماريانا أوكريا" (2012) لـ داتشيا ماراييني، و"جزر النعيم.. رحلات في الصحراء المصرية" (2012) لـ كلاوديو باتشيفيكو، و"قاطفة اللوز" (2015) لـ سيمونتا أنييللو هورنوبي، و"زهور نهر تيزا" (2017) لـ دانتي مارياناتشي.