بيير سولاج.. مئة عام صحبة الأسوَد والضوء

04 مارس 2020
(من معرض "سولاج" في "اللوفر"، فرانسوا غيو، غيتي)
+ الخط -

في 24 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بلغ الفنان التشكيلي والمنظّر الفرنسي بيير سولاج المئة عام. بقرابة 1700 عمل فنّي، وخصوصاً من خلال قدرة على التنظير وتحويل التجربة الفنية إلى ممارسة فكرية ضمن التيار التجريدي؛ يمكن اعتبار سولاج من بين أهم التشكيليين الفرنسيين الأحياء، ومن الطبيعي ألا يمرّ عيد ميلاده المئة دون احتفاء.

ومن هذا الاحتفاء، المعرض الاستعادي الذي ينظمه متحف اللوفر بعنوان "سولاج" ويختتم في التاسع من الشهر الجاري. العودة إلى مجمل مسيرة سولاج ليست عملية هيّنة، على خلفية أن مسيرة الفنان تمتد على ما يقارب الثمانية عقود، وهو ما يحتاج إلى مقاربة منهجية كي يخرج الزائر بقراءة شاملة في مساره. لكن من حسن الحظ أن هذا المعرض خدمته عوامل كثيرة من أجل تقديم مادة متماسكة وثرية تشدّ الجمهور في فضاء مثل متحف اللوفر تتوفّر فيه الكثير من التحف والآثار التي يمكنها أن تجلب إليها الزوّار.

يعتمد المعرض الحالي على تطوير تصوّر سابق أنجز خلال معرض استعادي آخر لمسيرة سولاج، في عام 2010 بمناسبة ذكرى ميلاده التسعين، أقيم في "مركز بومبيدو للفن المعاصر". أما السبب الثاني فيتعلّق بوجود "متحف سولاج" الذي افتتح في 2014 بمدينة روديز في جنوب فرنسا، وبات المرجع الأساسي لتراث الفنان وقد أتى بمبادرة من بلدية المدينة. ساهم سولاج بقرابة خمسمئة عمل ليصبح المتحف المرجع الأساسي لمشواره حيث يهتم بترتيب أعماله وبناء قاعدة بيانات حولها، وهي العناصر التي استند إليها المعرض المقام حالياً.

الرهان على سولاج في معرض بهذا الحجم يعبّر عن تطلّع فرنسي بالحفاظ على أحد الأسماء القليلة التي لا يزال من الممكن معها الحديث عن مساهمة فرنسية في عالميْ الإبداع والتنظير الفنيين، فمن المعروف أن الثقافة الفرنسية وعلى الرغم من نزعتها المركزية كانت من أكبر ضحايا عصر العولمة.

لا يمكن فصل سولاج المبدع عن سولاج المنظّر، فقد دافع من البداية عن فن لا يعطي للواقع أي موقع مرجعي، وبما أن اللوحة وحدها لا يمكن أن تخوض هذه المعركة فقد نشط في دوائر الفن وفي وسائل الإعلام لتحويل هذا الطرح إلى جدل في المجتمع الفنّي. من خلال حواراته الكثيرة نعرف أنه قاطع الدرس الأكاديمي بعد فترة قصيرة من نجاحه في مناظرة دخول إحدى أبرز كليات الفنون الجميلة، ليبدأ رحلته بعيداً عن متطلبات الغاليريهات وحتى عن الفنانين الذين يعجبونه مثل بابلو بيكاسو وبول سيزان.

اشتغل سولاج على فكرة مفادها أن يلعب اللون الأسوَد دور الضوء في اللوحة التجريدية، أي أن يحتلّ مساحات من اللوحة بشكل عفويّ كما يفعل الضوء في لوحة المشهد الطبيعي، وهي فكرة أتته بعد أن بدأ الاشتغال على لوحة استعمل فيها تركيبة لونية للأسود أخذت في الاتساع لتحتلّ مساحات غير متوقعة، وللتعبير عن هذه العملية صاغ سولاج مصطلح "الأسوَد-الضوء" ولاحقاً طوّره إلى "ما بعد الأسوَد".

كان من الممكن أن تظلّ هذه الأفكار حبيسة ذهن سولاج أو أوراق مبعثرة في مرسمه، غير أنها تحوّلت إلى أرضية للتفكير في بنية اللوحة التجريدية حين ظهرت في إصدارات أبرزها "كتابات وأحاديث" وهو عمل جمع نصوصه جان ميشال لو لانو، والكتاب الحواري "الأسوَد - الضوء" مع فرنسواز جونين.

المساهمون