رواية المفكّرين المغاربة: بعيداً عن صرامة المناهج

21 يوليو 2016
من "زمن مكسور" لـ منذر جوابرة
+ الخط -

في حوارٍ أجراه معه محمد الداهي وصدر في كتاب عن مجلّة "الدوحة" في 2013، بعنوان "من التاريخ إلى الحب"، يقول المفكّر المغربي عبد الله العروي إن "الكتابة الروائية في مجتمع كالمغرب لا يمكن أن تكون إلّا تجريبية".

كان لافتاً اتّجاه عدد من المشتغلين في الفكر والبحث الأكاديمي في المغرب إلى الكتابة السردية والروائية، وخروجهم من دائرة المصطلحات والمفاهيم والأنساق إلى فضاء رمزي يعيدون فيه إنتاج الواقع بكثافة استعارية.

وحين يختار عددٌ كبير من المفكّرين المغاربة، خوض تجربة الكتابة الروائية، مستندين إلى خلفياتهم في مجال الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس، فلا بد أن يكون لهذا "النزوع الجماعي" دلالات خاصّة وعامّة.

قد يكون الأمر مرتبطاً برغبة المفكّر والأكاديمي، في بعض مراحل حياته الفكرية، إلى الانفلات من جفاف الفكر، والتنصّل من صرامة التحليل، والتحرّر من أسر الواقع، كما هو الأمر بالنسبة إلى العروي، على سبيل المثال، والذي اعترف، في الكتاب نفسه، بأنه لا يميل إلى الرواية إلّا بدافع تجاوز ما يظهر من صرامة تحليلاته الأيديولوجية والتاريخية.

يبدو أن صوت الباحث ينخفض دائماً مقارنة بحرارة حضوره في الأدب. لهذا، فحين يستبدل إطار اشتغاله الأصلي (الكتابة الأكاديمية) بإطار مختلف هو الكتابة الروائية، فإنما يرمي من وراء ذلك إلى توسيع نطاق تعبيره، ليشمل مجالات وجوانب لا يستوعبها الإطار الأوّل، بحكم ضوابطه العلمية.

يُتيح المستوى التعبيري للمفكّر خلق قنوات جديدة، تسمح بتمرير أفكاره، وعواطفه أيضاً، والتي تقع بحكم طبيعتها الحميمية خارج نطاق الخطاب العقلاني. لا شكّ في أن الذات بوصفها عالماً ملتبساً يكتنفه الغموض، لا شيء يناسبها كما الأدب والتخييل.

هنا، يبرز وعي المفكّر/ الأكاديمي بأهمية الرواية كجنس أدبي يمتلك قدرة تأويل العالم، وإعادة صياغته فنّياً من خلال اللغة. ومن ثمّ، يظهر ذلك الحوار المتلازم بين التفكير والتخييل، أو بين الفكر والخيال، الذي ظلّ مستمرّاً في الرواية المغربية، وهو ما عكسته نصوص أدبية أنتجها عددٌ من المفكّرين؛ مثل: عبد الله العروي، وعبد الله ساعف، وعبد الإله بلقزيز، وسعيد بنسعيد العلوي.

لا تخلو رواية من روايات هؤلاء من الأسئلة التي تُخفي وراءها تفكيراً في قضايا ملحّة؛ إذ تأتي الرواية المغربية، التي ألّفها مشتغلون في الفكر والبحث الأكاديمي، في سياق فني متّصل بما هو ثقافي واجتماعي وسياسي.

هكذا، تُساهم الرواية، بوصفها ذاكرة للمجتمع الخيالي، في رسم مسارات اجتماعية ضمن لعبة تخييلية تنحاز إلى الإبداع وتطوير كل الأدوات الممكنة للوصول إلى المعنى الضائع في زحمة الخطابات الزائفة. لقد خوّلت بذلك للمفكر/ الروائي التقدّم بعيداً في تخوم مغامرات الكتابة، باعتبارها المجال الفسيح للخيال والصراع لإثبات جدوى الكتابة الروائية، ودورها في فهم ورصد وتأويل الواقع الذي لم تعد له حدود فاصلة ومرئية مع اللاواقع، بين ما حدث فعلاً وما سيحدث، احتمالاً، كما تشير إليه الرواية.


المساهمون