ذلك وجهٌ لن أنساه أبداً. إنه وجه إديت. سيّدة بسيطة تنتمي إلى شعب الغونا من السكّان الأصليّين الذين يعيشون في بنما، وعلى حدودها مع كولومبيا. التقيتها وأنا أشتري منها بعض المشغولات اليدوية في العاصمة البنمية. تبدو واضحة لكنتُها الغريبة وهي تتحدّث الإسبانية. في قريتها، تتحدّث لغة محلية.
ليس غراماً بالمدينة، لكنها قلّة الحيلة التي حملتها على مغادرة بلدتها غونا يالا، حيث يعتمد السكّان على الزراعة وصيد الأسماك. وحين يشعر أفراد القبائل بشظف العيش يتّجهون إلى المدينة. تصنع النساء مشغولات يدوية ويبعنها للسيّاح، هنّ أيضا يتحوّلن إلى منتجات سياحية، معروضة بالمجّان.
حاولتُ أن أصوّرها بعد استئذانها. رفضَتْ. برّرت لي رفضها بأنها وَجدت يوماً وجهها فجأة مرسوماً على جدار في المدينة القديمة ببنما "كاسكو بييخو"، دون أن يستأذنها أحد.
أحدٌ ما، يُقال إنه فنّان، التقط ملامح السيّدة، وطبعها دون إذنها على جدارٍ تمرّ هي من أمامه يومياً. يلتقط السيّاح الصور مع صورتها على الجدار. ببساطة، أخضعها "الفنان" للأمر الواقع. سُرقت ثروات تلك الشعوب، حورِبت ثقافتهم، ثم جاء فنّان مدّع ليستبيح حقّهم في تقرير مصيرٍ صغير، ألّا تُستغلَّ ملامحهم.
لا بدّ أن ذلك "الفنّان" قد وضع في سيرته الذاتية أنه شارك في رسم جداريات مستوحات من الحياة اليومية في المدينة، ولم يذكر انتهاكه خصوصية السيّدة. تلك التي يبرع كثيرون في إبداء تعاطفهم مع حقوق شعبها، ثم ينتهكون أدنى حقوقهم المتعلّقة بالخصوصية، دون خوفٍ من ملاحقة قانونية أو أخلاقية. السيّدة إيديت تستمر في صنع مشغولاتها وبيعها. لم تجنِ من تلك الصورة أية أرباح. لم يسألها أحدٌ عن موقفها. من يأبه حقّاً بما تفكر إيديت؟ من يهتم؟
وافقتْ على أن تجمعنا صورة، صورة ودية، ليست للنشر. أتفهّم حساسية سكّان تلك الأرض من تحويلهم إلى أيقونات سياحية وكأنهم أغراب في بلادهم. ذنبهم في هذا انصهار الآخرين في مظهر عولمي واحد، بمن فيهم رجال تلك الشعوب. ففي مسألة اللباس تحديداً، تتمسّك النساء - حصراً - بالموروث الشعبي.
معظم نساء الغونا يقصصن شعرهن حسب التقاليد، يتزيّنَّ بالذهب المتوارث عن الأمّهات والجدّات. يلففن أيديهن وأرجلهنّ بمرابط مطرّزة يدوياً. تقول إيديت إنها تزور مسقط رأسها من حين لآخر، حيث تُمضي الوقت "في أحضان الأشجار وقرب الأنهار".
* كاتبة ومترجمة فلسطينية أردنية مقيمة في نيكاراغوا