مشروع ترميم بيت ابن خلدون: "الإيسيسكو" تعِدُ أيضاً

02 يناير 2020
بهو بيت ابن خلدون في تونس العاصمة (العربي الجديد)
+ الخط -

على مدار السنوات الماضية، أُطلقت دعوات عديدة لتأهيل بيت ابن خلدون في منطقة باب الحديد في تونس العاصمة، وتحويله إلى متحف يضمّ مقتنياته الشخصية وكتبه والمؤلّفات التي تناولت فكره وآراءه؛ حيث أعلنت وزارة الثقافة منذ قرابة ثمانية أشهر عن قرب انطلاق عمليات الترميم ضمن احتفالية "تونس عاصمة الثقافة الإسلامية" التي اختُتمت في نهاية العام الماضي دون المضي قُدُماً خطوةً واحدة.

أصدرت الوزارة قراراً بـ الترميم في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لكنها لم ترصد ميزانية للمشروع، ولم تضع مخطّطاً وتصميمات لخبراء ومتخصّصين، ولم تُحدّد آلية للتنفيذ ضمن مدّة زمنية معيّنة، ولم تتخذ أية إجراءات على الأرض منذ ذلك التاريخ. قبل ختام العام الماضي بعدّة أيام، أعلن المدير العام لـ"المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" (إيسيسكو)، سالم بن محمد المالك، خلال اختتام تظاهرة "عاصمة الثقافة الإسلامية 2019"، عن مشروعٍ لإحياء دار عالم الاجتماع والمؤرّخ المولود في تونس (1322 - 1406)، والذي اتّخذه "المعهد الوطني للتراث" مقرّاً لحفظ أرشيفه والخريطة الوطنية للمعالم والمواقع الأثرية، وصنّفته "اليونسكو" مَعلماً تاريخياً.

شُيّد البيت، الذي يعاني إهمالاً اليوم، في القرن الرابع عشر ميلادية ولا يزال طابقاه متماسكين، ويقع في منطقة نهج "تربة الباي" في تونس العتيقة التي استقرّت فيها العديد من العائلات الأندلسية في العهد الحفصي، بقرب الكتّاب الذي درس فيه ابن خلدون القرآن والعلوم الأساسية.

لم تقترن مبادرة "الإيسيسكو" بتصوُّر عملي أيضاً؛ حيث جاء كلام المالك عمومياً؛ ومن ذلك قوله "أُذَكِّر أنّنا أمام تحديات وتحوّلات ثقافية رقمية كبيرة لا بد لنا من مواكبتها والتعامل معها، والاستثمار في الدبلوماسية الثقافية، وتثمين رأس المال الثقافي، وتصدير ثقافتنا التنويرية، وخير مثال على ذلك عزمنا على ترميم بيت العلّامة ابن خلدون في مدينة تونس، والعمل على تدبير الموارد المالية اللازمة لذلك".

كتب ابن خلدون الجزء الأول من "المقدّمة" في قلعة أولاد سلامة في الجزائر، كما عمل مدرّساً في "جامعة القرويّين"، ولا يزال بيته موجوداً بقربها، قبل أن يعود إلى منزله؛ حيث أتمّ فيه تأليف كتابه "العبر" وأهدى نسخته الأولى إلى السلطان الحفصي أبي العباس أحمد مشفوعةً بقصيدة مدح طويلة، قبل أن يغادره مرّة أخرى متوجّهاً إلى مصر؛ حيث تولّى منصب قضاء المالكية.

خلال الأعوام الماضية، حذّر عددٌ من الكتّاب والناشطين من خطورة لحاق ضرر بمنزل صاحب "المقدّمة"، مذكّرين بما وقع بمنزل أبي القاسم الشابي (1909 - 1934) في مدينة توزر من نسف وهدم، في حين يقاوم منزل السياسي والمصلح أحمد ابن أبي الضياف (1804 - 1874) في باب سويقة بالعاصمة.

شُيّد بيت ابن خلدون بطراز أندلسي في نمط البناء والزخرفة يشبه بقية المنازل المجاورة له، تطلّ بوّابته الخارجية على الشرق، والتي صّممت على شكل مستطيل عالٍ ذي دفّتين بحلقتين كبيرتين، يحيط به إطار رخامي منقوش يحُول بينه وبين الجدران الحجرية الخارجية السميكة لحجب الدار عن الفضاء الخارجي.

تدخل من البوّابة باتجاه أول سقيفة على يسارها درج طويل مزخرف الجدران يقود إلى الطابق العلوي، وعلى الجهة المقابلة باب يوصل إلى سقيفة ثانية ثمّ ثالثة كلّها مربّعة الشكل تفضي إلى وسط البيت (صحن الدار) الذي يتوسّط البناء، فيما حيطانه مكسوّة بالخزف المزخرف على شكل لوحات حائطية تفصل بين أبواب الغرف الثمانية الخشبية الخضراء، وشبابيكها الستّة التي تفتح كلّها على الداخل، أي على الصحن، وذلك للتهوية والإضاءة.

محاولة جديدة لإعادة الاعتبار إلى المكان وصاحبه، لكنها تظلّ رهينة قيود عديدة ما دام الحفاظ على الأبنية التراثية ليس على أولويات أي من الحكومات العربية.

دلالات