خيال عربي منقوص

30 يناير 2016
رشيد نسيب/ الجزائر
+ الخط -

ليست فقط قضية عدم قدرة على استنبات شكل أدبي في التربة العربية. يعاني أدب الخيال العلمي من بين الأنماط الأدبية نفس ما تعانيه الإبستيمولوجيا (فلسفة العلم) ضمن المجالات الفكرية، هكذا نفهم أن التأخّر العلمي ينعكس على تطوّر شكل أدبي. أما المكوّن الثاني، أي الخيال، فهو أيضاً يعاني من محدودية المساحة التي رسمها عربياً.

لنترك جانباً أدب الخيال العلمي، هل ظهر عندنا أدب خيال سياسي أو أدب خيال تاريخي أو حتى أدب بوليسي؟

كل ما نسجّله في العالم العربي هو مجموعة تجارب موزّعة هنا وهناك، معظمها ظلّ محكوماً بفهم يقول إنه أدب موجّه إلى الناشئة، ما يفسّر النجاح الجماهيري لتجارب مثل نبيل فاروق ونهاد شريف ورؤوف وصفي وأحمد خالد توفيق وطالب عمران، وبدرجة أقل مصطفى محمود وهادي ثابت. لكن ماذا بعد؟

كلّما افتقرت لغة إلى شكل أدبي، أو إلى معرفة، كانت الترجمة سبيلها إلى ردم فجوات تأخّرها، إلا أن رد الفعل العربي تجاه أدب الخيال العلمي يبدو محتشماً إلى حد كبير، حتى الروايات الكلاسيكية مثل أعمال الفرنسي جول فيرن والبريطاني هربرت جورج ويلز لم تصل بالشكل الكافي.

لعلّ تباطؤ ترجمة أدب الخيال العلمي عائد إلى ميولات المترجمين، والذين هم في النهاية قرّاء عرب بُرمجت ذائقتهم حسب المعدّل العربي العام. غير أن السبب الأبرز لذلك الإحجام يظلّ نقص القدرة الاستيعابية للغة العربية في الوقت الحاضر، وهو ما يضعنا مرّة أخرى أمام حقائق التأخّر العلمي، فأغلب المصطلحات المستعملة في هذا النمط الأدبي لا تجد مقابلاتها العربية، ما يجعل المترجم في حاجة إلى اشتغال مضاعف على النصوص.

أمام كل هذه العوائق، نكاد نقول إن السؤال عن عدم بناء أدب خيال علمي عربي خاطئ من أساسه. ربما سنقول، بما أنه لم يكن هناك قرن تاسع عشر عربي، ذلك القرن الذي شهد ميلاد النمط في بلدان الثورة الصناعية، فإنه لا يمكننا أن نطمع في إنتاج مثل هذا الأدب.

لكن، لنعد إلى الأسباب العميقة لظهور الخيال العلمي. لقد كان شكلاً من أشكال إنتاج الأساطير والتي تبدو كحاجة بشرية قارّة. كان على الأساطير الجديدة أن تُراعي انتظارات العقل البشري المعاصر، والذي تسرّب العلم بشكل حاسم إلى رؤيته لواقعه ومصيره منذ منتصف القرن التاسع عشر.

لذا كان لا بد من استدعاء العلم في صياغة الأساطير الجديدة، حتى الأحلام واليوتوبيات والمدن الفاضلة باتت علمية، ثم حين جاء القرن العشرون بحروبه وعثراته، انصبغت خيبة الأمل - هي الأخرى- بالعلم فصيغت في روايات خيال علمي تتحدّث عن النهايات كما في أدب إسحاق أسيموف أو نورمان كاغان.

كل هذه الصيرورة، لم تجد أقداماً تسير عليها عندنا، حيث كانت العوامل الخارجية والداخلية تضرب كل فرص النهضة العلمية والفكرية، وبالتالي الأدبية. ولو نظرنا حولنا سنجد أن آفاق هذا النوع الأدبي التي فتحت الطريق له لمزيد من التطوّر في الغرب هما بالأساس البحث العلمي والسينما، وكلاهما أفق شبه مسدود في الوضع العربي.

رغم كل ذلك، يمكن أن نتساءل مثل أطفال: ما الذي يمنع أن نتخيّل؟ هل يُعقل أن نعجز عن أن نتخيّل؟



اقرأ أيضاً: لغة ثانية

المساهمون