ضمن فعاليات "معرض تونس الدولي للكتاب" (6-15 من الشهر الجاري)، جرى أوّل أمس تقديم كتاب الباحث الفرنسي باسكال بونيفاس (1956) الصادر مؤخراً بعنوان "معادٍ للسامية" (منشورات ماكس ميلو، 2018) حيث طُرح سؤال: "هل ما زال من الممكن في فرنسا الحديث بكل حرية عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟"، ما بدا مناسبة للإطلالة على مسألة حساسة ومتكتّم عنها تتعلّق بالحريات الفكرية وما تتعرّض إليها من ضغوط غير رسمية بالأساس في فرنسا والغرب عموماً.
يعدّ بونيفاس من أغزر المثقفين الفرنسيين إنتاجاً، حيث نشر ما يقارب المئة عنوان أكثرها في مجال تخصّصه؛ الجغرافيا السياسية، وبعضها في مجالات أخرى مثل الإعلام والرياضة والفن. كما خاض بونيفاس سجالات حول المغالطات الإعلامية والثقافية التي يمرّرها مناصرو الكيان الصهيوني وخصّص لذلك مؤلفات من أبرزها كتاب "المثقفون المزيفون.. النصر الإعلامي لخبراء الكذب".
كتابُه الأخير يأتي رداً على تهمة معاداة السامية التي تلاحق بونيفاس منذ سنوات بسبب نقده للسياسات الإسرائيلية، عن هذا الكتاب قال المؤلف أن "14 ناشراً رفض العمل بادئ الأمر"، وفي ذلك انعكاس للضغط الذي يمكن أن تمارسه اللوبيات الداعمة لـ"إسرائيل" في فرنسا، كما كشف عن عدد من ردود الناشرين تتعلّق بالتخوّف من "خسارة القرّاء اليهود"، معقّباً "هل يفكّر هؤلاء في خسارة القرّاء المسلمين لو تعرّض الكتاب إلى نقد سياسات بلد عربي؟ وهل أنهم لا يعرفون أن حجم القرّاء المسلمين في فرنسا أضعاف القرّاء اليهود؟".
العمل بحسب بونيفاس جرى التعامل معه كـ"كتاب غير مرئي" حيث لم تتعرّض إليه الصحافة الثقافية ولم تعلن عن صدروه، ولم يجر تناوله في البلاتوهات الإذاعية والتلفزية. وعلى مستوى ثالث، أشار الباحث الفرنسي إلى الضغوطات التي مورست على المؤسسة التي أسّسها ويديرها؛ "معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية"، وهذه الضغوطات كانت على مستويين؛ الأول بمحاولة إقالته عبر البحث عن أغلبية مضادّة له في مجلس الإدارة، والثانية تتعلّق بدفع مؤسسات أخرى بعدم التعامل مع "المعهد".
وحول موضوع الكتاب، قال بونيفاس: "هو دعوة لعدم استعمال اللاسامية للدفاع عن السياسات الإسرائيلية"، وهنا يشير إلى أن تهمة اللاسامية التي تلاحقه "ليست تهمة قضائية، إذ لم يثبت أنني كتبت أو قدّمت تصريحات معادية لليهودية، وهو أمر يعاقب عليه القانون الفرنسي، ولكن تهمة اللاسامية في وضعيّتي يمكن وصفها بالتهمة الإعلامية التي تحوّلت إلى قناعة عامة".
يتابع: "في الحقيقة، ما يحدث يعبّر عن تحوّلات جيوسياسية وانعكاسها فوق شاشة المشهد الثقافي، فالسياسات الإسرائيلية هي اليوم أقل فأقل قابلية للدفاع عنها ما يُفقد مناصري الصهيونية كل قدرة على الحجاج المباشر، لذا يطوّرون إستراتيجية جديدة تهدف إلى مهاجمة كل حسّ موضوعي أو نقدي تجاه السياسات الإسرائيلية، وضدّ كلّ مدافع على القضية الفلسطينية، والهدف من ذلك كلّه تحويل الرقابة إلى رقابة ذاتية".