تعيش تونس منذ أسابيع على وقع الانتخابات، ما خلق ديناميكية من الجدل السياسي، خصوصاً وأن مخرجات الصناديق كانت مفاجئة، وقد وجد مستعملو أدوات التحليل التقليدية صعوبة في فك شيفرتها. لكن متابع مختلف الفصول الانتخابية في تونس (2011، 2014، 2019) سيجد أن الخطاب المصاحب لها تشيع فيه استعمالات عالم الحيوان كمرجعية، من سجالات البلاتوهات التلفزيونية إلى الرسوم الكاركاتيرية.
ولعلّ أكثر المفردات حضوراً، في هذا السياق، توصيف "القطيع" (أغنام غالباً) لفئات تُعتَبر بأنها اتخذت قرارها يوم الاقتراع ليس بمحض إرادة أو تفكير وإنما بناء على إملاءات من قيادة حزبية ما. كما أن مفردات مثل "الجرذان" و"الحمائم" و"الصقور" باتت تحيل إلى فئات أو شخصيات سياسية بعينها بفعل التداول، وقد كانت هذه الاستعمالات في بداياتها منحصرة في مواقع التواصل الاجتماعي، ثمّ تسرّبت إلى وسائل الإعلام بالتدريج.
لا يغيب هنا أن لقاء عالمَي السياسة والحيوان ليس نادراً، بل إن أدب الحيوان، من "كليلة ودمنة" إلى حكايات لافونتين، وصولاً إلى "مزرعة الحيوان"، كانت ضمنياته السياسية أوّل ما يلقطه القرّاء. فهل يتعلّق الأمر بشعور بأن عالم السياسة ليس سوى غابة بديكور مختلف، أم هو تعبير عن شعور الإنسان بصغره أمام عالم الحيوان وما يضربه من أمثال، وليست حادثة الغراب في أول البشرية ببعيدة عن الأذهان وإن كانت موغلة في الزمن.