مصير مُشرع الأبواب

11 اغسطس 2016
دانغ شوان هوا/ فيتنام
+ الخط -
برفقة سائق سيارة أجرة في نيويورك
تجري سيارة الأجرة الصفراء فوق شوارع تشققت
بفعل الزلازل ثم لم تُرأبْ بعدُ
وناطحات السحاب تعبر في الأعالي
عاش نغوين ڤان بي، ثمانية وعشرين عاماً في نيويورك
ولاتزال لكنةٌ تشوب إنكليزيته
بينما فرنسيته أكثر طلاقة
تعرضَ للسلب ثلاث مرات تحت تهديد السلاح،
يقول بي.: "قد خسرتُ كلّ ما هو قيّم،
الوطن، والشباب، والأحلام
كان لدى عائلتي في سايغون خادمان
وسائق
وأما الآن فأنا مَن يعمل سائقاً تحت إمرة الملايين من الناس،
في هذه المدينة يمكنك أن تُوقف سيارة أجرة بالصفير
وسأركن سيارتي قربك بمجرد أن تلوح بيدك
ككلب أصفر اسمه تاكسي...
... لا تقلق، لا حاجة لأن تعطيني إكرامية،
فبغضّ النظر عن كلّ شيء، نحن ڤيتناميان".

***

الأحد، 10 أيار، 1998
صباح الأحد، 10 أيار، 1998
لا شيء مميزاً بمعنى الكلمة في هذا اليوم
إنه عيد ميلاد آلاف البشر وأنا لستُ منهم
لا شيء مميزاً
بعض الحيتان النافقة يغسلها ماء الشاطئ
أفتحُ علبة سردين
ثمة سمكات دون رؤوس تتفكّرُ في صمت
أفتح يدي
تنبئني التقاطيع على راحة كفي بأن وقت الموت لم يحن بعد
أفتح كتاباً لـ وولت ويتمان
لا تزال وريقات العشب خضراء في تضاعيف ابتسامة متعالية
أُباعدُ ما بين ساقيكِ
فيولد كائن كسير
أفتح باب الصباح
وإذ بالساعة قد تجاوزت العاشرةَ
ليس ثمة ما هو مميز بمعنى الكلمة في صباح الأحد
سوى أنه ينقصني 25 سنتاً
لمغسلة الثياب.

تصنيع الشعر
في ظهيرةِ عطالَةٍ
قعدتُ أصنِّعُ القصائد
مستخدماً ستة عشر برغياً، وصفيحتين معدنيتين،
وأربع عجلات. ثم تزوّدتِ القصائدُ بوقودٍ
هو مزيج من الصراع والأمل واللاجدوى.
ما يكفيها مؤونة السير من أميركا وحتى الصين
في نفق حالِكٍ يشطرُ نواةَ الأرض

أُوغلُ في النفق
مجترِحاً مَصيراً مُشرعَ الأبواب.

***

بريد إلكتروني من كوُوْك تشان
ها قد أتممتُ أسبوعاً
في دالات
كانت سايغون حارّة للغاية
أكثر حرارة من السنوات الماضية
ومع كلّ يوم يمرّ يزداد خوفي من الناس
حتى العشب والأشجار تبدو محمرة بعض الشيء

أمطرت البارحة هنا
ملأتْ غيوم داكنة السماءَ
وكسا الذبابُ الأرضَ
وفي مطعم ڤيتنامي سألتُ أحدهم
ما قصة هذا الذباب كلّه
فقال إنه موسم الذباب.

بصحتك.

***

بعد العاصفة
فيلم عُرِضَ على ستائر الغيم المتهتِّكة:

فيل بنابين مقتطعَين بالمنشار
خرطوم يعانق الشمس بلا أمل

حصان يحاول القفز فوق قوس قزح
ويستقرّ على أفق لا متناهٍ

في سماء ضيعةٍ مريبة
يتقافز عصفور من مانعة صواعق إلى أخرى

في ظهيرة الصيف، عبرتْ طائرةٌ قبة السماء
يتلجلج صوت الراوي في الفيلم.

***

سمكة في بئر
عندما كنا فتيةً صغاراً كان ابن عمي
يصطاد الأسماك ويقليها
كان يلقي ببعضها إلى بئرٍ
ضحلةٍ وموحلة
وهو يقول: "إنها السمكات المحظوظة"

ولكن كلَّ يوم
كان الدلو المعدني
يغطس في الماء عشرات المرات،
فأيقنتُ أن البئرَ جحيمٌ
للناجيات منها.

في تلك الفترة كان عمي لا يزال نزيلاً
في "معسكر إعادة التأهيل".

***

على متن طائرة بمحرّك واحد، يكاد ينفد منها الوقود، وبي حاجة إلى التبوّل
كم من الوقت أستطيع مكابدة الطيران
على متن هذه الطائرة المصابة بالتهاب المفاصل متطلِّعاً إلى رتل البشر
يترقّبون بعض اللحم في معبد الأدب.

أبدو وسيماً في هذا المجال الجوّي
بهذا الوشاح الذي يُستخدم لوقف النزف،
وبفردتيّ حذاء بنيّتين توشكان على الافتراق.

تحتاج الوِحشةُ هذه إلى وفير الوقود
لكن لا نجدة من الأرض.
إنه مطار محليّ في بلد من العالم الثالث،
ومراقب الحركة الجوية المسن والأميّ
تأخذه سِنة من النوم
قرب آلة البيع المعطّلة

يحتار مقياس الارتفاع
ما بين الوزغة وخيالها.
إنه لمن المستحيل الهبوط بأمان،
لكن ليس هناك ما هو أكثر خطورة مما نحن فيه.
والسؤال الوحيد الذي بقي يلحّ في ذهني
أن تبولَ أو لا تبول
في مقصورة الطيار.

* Phan Nhiên Hạo شاعر فيتنامي، ولد سنة 1967 في كونتوم، ويقيم في ولاية إلينوي، الولايات المتحدة منذ 1991. من مجموعاته: "فردوس الأجراس الورقية"، 1998، و"تصنيع الشعر"، 2004.

بحسب الناقد الأميركي ڤينس غوتيرا، فإن فان نيان هاو "يمزج الثقافة الفيتنامية التقليدية والعصرية بمؤثرات من الأدب الفرنسي، المشبع بالفلسفة، مع كثير من التجريب، ومن الأدب الأميركي الذي يتوافق فيه المجتمع الاستهلاكي والثقافة البراغماتية". إن أشعار فان نيان هاو، نصوص أميركية مهاجرة بامتياز، بما هي "مزيج من السوداوية والاحتفالية في نفس الآن".


** ترجمة عن الإنكليزية: أحمد م. أحمد


المساهمون