في 2013، وضع المفكّر الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي (1971) كتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، وهو عمل سرعان ما وضعه كأحد أهمّ المنظّرين في مجال العلوم الاجتماعية اليوم ورشّحه لنيل أكثر من جائزة علمية ومنصب أكاديمي.
انطلقت فكرة العمل من العودة إلى أفكار كارل ماركس بعد الأزمة الاقتصادية التي هزّت العالم في 2008، غير أن بيكيتي لم يذهب مثل زملائه إلى عدد من أفكار ماركس وتوظيفها في تفسير ما يحدث، بل استعاد مشروعه برمّته فكان مؤلّفه إعادة كتابة لـ"رأس المال" مع الأخذ في الاعتبار ما عاشته البشرية من تغيّرات تكنولوجية وقِيَمية، وهي تغيّرات ليست بالهيّنة.
بعد هذا العمل بدا بيكيتي وقد انشغل بمواضيع أخرى أبرزها مستقبل أوروبا وهو موضوع كتابه الأخير "تغيير أوروبا، هل ذلك ممكن؟" (2018)، غير أنه فاجأ قرّاءه خلال موسم الدخول الأدبي الفرنسي هذا الشهر بإصدار كتاب جديد صرّح بأنه تتمّة لـ"رأس المال في القرن الحادي والعشرين".
يحمل الكتاب الجديد عنوان "رأس المال والأيديولوجيا"، وسيقوم بيكيتي بتقديمه غداً في محاضرة يلقيها في "معهد الاقتصاديات" في باريس، ضمن أشغال "مَخبر دراسة اللامساواة في العالم". وفي الحقيقة يقع العمل في صلب اهتمام المَخبر، إذ إن من بين الأفكار الأساسية التي يطرحها العمل أن النظام العالمي (النيوليبرالي) لا يقوم سوى بتوزيع اللاماساواة بين الناس.
أبعد من ذلك، يفسّر بيكيتي مناهج تبرير اللامساواة، ومن هنا نفهم فكرة عنوانه، فإذا كان كتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" يرسم مشهد العلاقات بين مختلف الفاعلين في الحياة الاقتصادية، فإن "رأس المال والأيديولوجيا" يفسّر كيف تستمر هذه العلاقات، وهنا يتجاوز بيكيتي ماركس، فالثاني يعتبر أن اختلال العلاقات يؤدّي بالضرورة إلى ثورة تمسك فيها الطبقات المسحوقة بجهاز الدولة، غير أن المفكر الفرنسي يعتبر أن هناك أدوات تساهم في استمرار حالة الاختلال تلك، وبهذا المعنى المخصوص يفهم الأيديولوجيا في سياقها الاقتصادي.
صدور الكتاب ضمن موجة الدخول الأدبي، تعبّر عن رهان لدى ناشره (سوي) بأنه عمل يمكنه أن ينافس قرابة 500 كتاب جديد يصدر هذا الشهر، ومن المعلوم أن دور النشر تتحاشى إطلاق أعمال فكرية خلال هذا الموسم، فهي لا تستطيع أن تنافس الروايات وكتب الشهادات والمذكرات، غير أن بيكيتي يبدو أنه قد أصبح مؤلفاً يفرض نفسه على منطق السوق الذي يسعى إلى تحليله.