حتّى يأتي خبرٌ من أيوب

25 مارس 2020
(فؤاد آل عواد)
+ الخط -

حزمة القصب

1
نرسمُ على سماء أيامنا القادمة
نجوماً من ورق وأُخرى تضيء
كي لا نبكي دربَ الرجوع.

نرسم أحجاراً،
نبني بها الحلم ـ بيتاً،
بين سِحر الليل وغيبوبة النهار،
ودربنا إليه مسافات
من ماء ونار.

2
في ساعات الملل نجلس
نهذّبُ جسدَ الكلام
كي يكون وسادة للبحر حين يتعب
ليأتي خبرٌ من أيوب ـ
شدّة الأمواج
قبور الانتظار.

3
نمضي ونمضي
نمضي نستكشف الظلام ـ
نحن حبّات مطر
سقطت للتو من شجرة العيون
لا تكاد تلامس الأرض
حتى تُعاود السفر
في شقوق الغياب
وتعود
كالزهر إلى الغصون.

4
مات النهر
ترك طفله عطشاً
تركه بين الركام
نائماً في سرير العنكبوت
حوله حزمة قصب
ونخلة ساهرة
تلتقط كنه الغبار.

5
الخيوط التي نسجتها الكواكب
بين أصابعنا ـ سبحة الصلاة،
صارت عبثاً في مجرى الضياع
أخذناها كي نحيك منها ثوباً للكلمات

علّها تكون قصيدة للمنفى
أو قصة لميلاد طفل مُقدّس يأتي من جديد:
يوزّع الخبز على الجياع
ويُطفح النبيذ في جرار البيت ـ الحلم،
نغسل به الخطايا،
ندوّن التاريخ
على ظلال شجرة
كانت يوماً شجرة الجروح.


■ ■ ■


التعب الأزرق

التعب الأزرق يتخطى في النهار
كل الانتظارات
وفي الليل يستريح
في الدقائق الأكثر حساسية
بعد الساعة صفر
حيث الشوارع تبحث عن اتجاهاتها
وضوء شبحيٌّ
يدسُّ البردَ في البيوت

لحظة حزينة مثلجة
تفصل بين الهنا والهناك.


■ ■ ■


عند النهاية كانت البداية

سألملمُ كلَّ الكلماتِ
المتناثرةِ على الأرصفةِ
والتي سقطت عندما كان أحد ما
يحاول كتابتها على الجدران

حتى الكلمات غير المعرّفة،
وتلك التي ما زال معناها يتوالد
سوف أفكّ شِفرتها

حينما نمشي إلى ذاتنا
لا أثرٌ لأقدامِنا
ولا صوت لإيقاع خطانا

قيلَ يوماً
إننا نلتقي المكان الذي عنهُ ابتعدنا
عندما ندور مع الأرض رقصاً

المكانُ هنا مليءٌ بفراغٍ هادئٍ
لا لون للصمت فيه.


■ ■ ■


المطر الناعم

تحطّم المطر الناعم في الكأس
حبّات الماء عطشى
والحرارة غريبة هنا

قريباً ستزهر وريقات الثلج
جذورها تنمو في العاصفة

وللوقت ثقب عميق - نجم أسود

النظر يسرح في السراب
وفيضانات بعيدة تقترب
على إيقاع المطر.


■ ■ ■


هكذا يتكلّم الببغاء

أقف أمام مبنى عالٍ
وبيدي حفنة من الريح
في مخيّلتي التي لا تزال تتوالد
أرسم وجه المكان
الكلمات تبحث عن دفء
والخوف يتناثر بين السطور
حفنة من الريح تجرّني إلى صمتٍ

النهر خلف المبنى يأخذ طريقه
وشراع الخوف يُسدل
في اتجاه الغيب يُبحِر الشوق
في ألف قصة ينبعث الماضي

عائدة من اتجاه ما
تلك الصدفة المليئة بالذهول

هكذا يتكلّم الببغاء...


■ ■ ■


حيرة

حيرة بين مخدّاتي
بينما رأسي يبحث عن مأوى
يمتد بين المحيطات.

أتراني أحلم،
أم أني أركع خاشعاً في فناء الصلاة؟

حيرة في الذاكرة
تجول بين فناجين قهوتي،
أتبحث عن معنى الرحيل
أم أنها في الليلة الماضية
نامت على خدّ زهرة
تُطلّ على أزرق يعتلي السماء
في أفق يسبح بين موجتين
وينصت إلى لغة بلا كلمات؟

شمسُ بعيدِ اليابسات
تحفر في التراب ِ
لهيباً حزيناً
يلبس ثوب الصدى
كنداء ذاتي إلى ذاتي

أتُراني أزور الحلم في بيته،
أم أن الحلم في بيتي زائر دائم
يحرس أبواب مسرّاتي؟


■ ■ ■


أنا وظلّي

عندما استيقظتُ صباحاً - ليس من النوم
بل من الصراع معه -
وجدت ظلّي يمشي باتجاه الشمس
بيده زنبقة
وعليها فراشة

عندما عاد مساءً
لم أسأله عن رحلته
بل،
عن ثوبي المطرّز

في جيوبه دسستُ حنيني
خوفاً عليه من البرد

طلب منّي ظلّي
أن يستلقي على سرير الذكريات

ربما يحلم
أن هو الأنا
وأنا
ظلّهُ

■ ■ ■


أيها الشقيّ الأنا

أول الطريق إلى قصيدتي بابٌ ماجن
تتحرّك خلفه، في الفراغ، أشعتنا،
كالقناديل اليتيمة في الشتاء
ويبقى في فضاء الحب،
صوت الفراشات غناء

في مسارات الخجل - سافرت كثيراً،
يا أيها الشقي الأنا،
لماذا لا تعود إلى ذاتك؟

أنت الذي قُلت
أن السكوت
رغيف في قِدر لغتي،
يُشبع المنفى في حضن امرأتي

في يدك
سمك الجليل عرس
في كأسك
النبيذُ قطرة ماء

في عينيك، يا أيها الشقي الأنا
يسكن المنفى - آخر عشاء

كالطريق إليك،
شمس المجهول تنام في حضن الصباح

لا مكان لك بين هذه الينابيع
في شرق بات يصرخ من قلّة السلام

يا أيها الشقي الأنا - تموت إن قلت
وتموت ذاتك إن قالت
ويموت بعدكما الكلام

نم
في حضن امرأة
أنت الـ هُو في معركة الخيال مع الخيال
ماذا ينتظر الليل منك؟
سُلّم السماء أعرج
وفي السماء
سوف تُزهر،
يا أيها الشقي الأنا.


* شاعر سوري يكتب بالألمانية، من مواليد دمشق سنة 1965. صدرت له تسعة دواوين باللغة الألمانية، منها: "الوصية الحادية عشرة"، و"في اليوم الثامن"، و"كتاب اللحظات" (الصورة) و"التعب الأزرق"، وبالعربية: "كتاب اللحظات" و"حديث الكتاب". منذ 2005، يدير "صالون الشِعر الألماني العربي". ترجم إلى الآن نصوصاً لأكثر من 160 كاتبة وكاتباً (من وإلى الألمانية) وأصدرها في 10 أنطولوجيات.

** القصائد من ترجمة الشاعر عن الألمانية

المساهمون