هل باتت الأعمال الفنية أحد الأماكن الافتراضية الآمنة التي يسكنها اللاجئون حول العالم مع ازدياد التركيز من قبل الفنّانين في مجالات متعدّدة على قضاياهم؟ وهل يمكنها فعلاً المساهمة في تغيير الرأي العام المعادي لهم في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، وإعادة فهم أزمات مجتمعاتهم الأصلية التي شاركت أطراف عديدة في صناعتها أو إدامتها؟
هذه التساؤلات وغيرها ستظلّ تُطرَح طالما أنّ أرقام اللجوء في ارتفاع متواصل، خاصة مع اختلاف زوايا النظر إلى الظاهرة، ومنها ما يُقدّمه معرض "شرنقة" الذي افتُتح في الثاني عشر من الشهر الجاري في "مطافئ: مقر الفنانين" بالدوحة للفنانة والمصوّرة الفوتوغرافية اليونانية أولغا ستيفاتو، ويتواصل حتى نهايته.
يتناول المعرض قصص إحدى عشرة امرأة اضطررن إلى الهجرة نحو اليونان بحثاً عن حياة أفضل، حيث تختلف قصة كلّ واحدة منهن وأسباب اقتلاعهن من بلادهن، حيث يجتمعن هناك وتبدأ الرواية التي قرّرت الفنّانة تصويرها عبر ارتداء هؤلاء اللاجئات أزياء ذهبية مصنوعة من البطّانيات التي يجري توزيعها على اللاجئين حول العالم، لما تحمله من دلالة على الهجرات الجماعية اليوم.
أُنجزت الأزياء بالتعاون مع المصمّمة غورام تشاتشاندايز، ليروين تفاصيل قصصهن الشخصية ثم رحلاتهن من سورية وإيران والعراق وأفغانستان، حيث تتجاور الصور والنصوص معاً لتقديم أنفسهن إلى العالم كما يرغبن هن في ذلك، كأفراد لكلّ منهن أسبابها الخاصة لمغادرة الوطن، ولكلّ منهن توقّعاتها وآمالها في المستقبل.
في أحد الأعمال، تظهر سمر التي أُجبرت على ترك بلدها سورية بعد اندلاع الحرب، لتلجأ أوّل مرّة إلى لبنان، ثم تغادره إلى مصر فتركيا، قبل أن تشرع في رحلة على متن قارب في ليلة ممطرة عبر البحر المتوسّط، للوصول إلى شواطئ اليونان، لتنجو مع قرابة مليون ومئتي ألف سلكوا الطريق نفسها، لكن بسبب إغلاق الحدود اليونانية مع البلقان بحسب اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتركيا، باتت تعيش أسوأ الظروف مثلها في ذلك مثل مئة ألف لاجئ غيرها.
وُلدت فكرة هذه السلسلة عام 2018، بحكم عمل ستيفاتو مصوّرةً صحافية تغطّي أزمة اللاجئين في اليونان، حيث أصبحت على دراية تامّة بمختلف المشاكل التي تواجه اللاجئين، وكذلك الصعوبات التي يواجهونها في نيل حقوقهم بسبب التضييق الدائم عليهم، حيث وجدت أنَّ التغطية الصحافية لأزمتهم غير كافية، فتوجّهت نحو تقديم رواية تستوعب تفاصيلها على نحو مختلف وأكثر تركيزاً.
يشكّل المعرض امتداداً لتجارب سابقة للفنّانة عكست من خلالها قصص النساء في الحروب والصراعات، كما فعلت في ميانمار ومناطق أخرى في آسيا، عبر سعيها لتناول الجوانب المضيئة في حياتهن والاهتمام أكثر بأحلامهن وتطلّعاتهن إلى المستقبل، بدلاً من الاكتفاء بالجانب المظلم في سيرَهن.
ينتقل المعرض بعد اختتامه إلى "متحف الآغا خان" في تورنتو، كجزء من فعاليات "الملاذ الآمن" التي تنطلق في التاسع عشر من الشهر المقبل، وتتواصل حتى آب/ أغسطس 2020.