يطمح مطلقو موقع "بوابة طواسين" والمشاركون فيه إلى أن يكون نافذةً يُطِلّ القارئ العربي من خلالها على الجانب الجمالي والروحاني في الإسلام، عبر سياقاته المتنوعة؛ الدينية والمعرفية والتاريخية والسياسية والحضارية.
وقد حفّز هؤلاء على إطلاق مشروعهم هدفان. الأوّل هو إفراد الدرس الصوفي بفضاء معرفي مستقل في ظل ما يلاحظ اليوم من تزايد الاهتمام بالتصوّف، وتطلّع قطاع واسع من المثقفين إلى فهم تلك الظاهرة الروحية التي تشغل موقعاً في بنية الفكر الإسلامي.
والثاني، هو ما يلاحظ اليوم من سوء فهم للتصوّف جرّاء الخلط والتلبيس واستسهال الحديث عنه وباسمه. فالدراسات التي صدرت في الآونة الأخيرة، يغلب على أكثرها طابعُ التعجّل والتسطيح، ولا سيما بعد أن تسلّط على الكتابة في مضمار التصوّف طائفة من غير المتخصّصين، فلم تثمر أعمالهم إلا آراء زائفة عن الظاهرة الصوفية وتصوّرات مغلوطة عن قضاياها المختلفة، ولم تؤدِّ في النهاية إلا إلى مزيد من التشويش على القارئ العربي.
من هنا، فإن تقديم معرفة راقية عن التصوّف الإسلامي تلائم رقي الروحانية في الإسلام، هو أفضل ما يجابه هذا التشويش.
يدعو الموقع إلى دراسة التصوّف الإسلامي دراسة مستوعبة تشمل أفكاره وأعلامه، وتُعنى ببحث نظرياته وتطوّره التاريخي. وهي محاولة تسعى إلى أن تبيّن ملامح العلاقة بين التصوّف والعلوم الإسلامية الأخرى؛ وذلك بدرس علاقة التصوّف بالفلسفة وعلم الكلام وعلوم القرآن والحديث، وعلم الفقه والشرائع.
ولعل بحث الصلة بين الصوفية والمذاهب الإسلامية المختلفة؛ كأهل السنة (أو الأشاعرة)، والشيعة بتياراتهم المختلفة، والمذهب السلفي سواء في صورته الحنبلية أو التيمية أو الوهابية، من أبرز طموحات الموقع، خصوصاً لحساسية العلاقات بين مختلف هذه المذاهب التي تتعايش مع بعضها ضمن فضاء إسلامي واحد، ولا بد أن تتعارف بدل أن تقوم العلاقات في ما بينها على أسس من التوجّس والصدّ.
ومن بين اهتمامات الموقع الأخرى، السعي إلى تسليط الضوء على الأدب الصوفي الذي لم يحظ بعدُ بما يستحقه من عناية واهتمام في الأوساط العلمية والأكاديمية، رغم أن أعلامه مثل الحلاج وابن الفارض وجلال الدين الرومي وشمس التبريزي ومحيي الدين بن عربي يعدّون إلى اليوم من أكثر أصحاب المؤلفات مقروئية.
علّق المنشد الصوفي المغربي، التّهامي الحرّاق، على انطلاق هذه البوابة قائلاً: "هذه انطلاقة مشرقة لإشعاع الحكمة والمحبة، ولتذوّق التجربة الصوفية وللسؤال المستمر". فيما دعا الباحث عبد السلام حيدر إلى العناية بالنصوص التأسيسية للتصوّف، وضرورة الالتفات إلى ما يقدّمه الغربيون من دراسات عنه، مؤكداً أهمية مراجعة المختصّين في اللغات الشرقية والأوروبية حتى يتمكن الموقع من تقديم نصوص متقنة تليق بالقارئ العربي.
ما وراء إطلاق البوابة، هو هاجس المعاصرة الذي بدأ يسكن الفكر الصوفي اليوم. فلا بد اليوم من وضع التصوّف ضمن سياق الحاضر، خصوصاً وأنه مكوّن من مكوّنات المجتمع العربي. لذا فإن دارسة متأنية لأثر الصوفية في البناء الحضاري للمجتمعات الإسلامية، واعتبار التصوّف ظاهرة اجتماعية/ سياسية، أمر بات ضرورياً في سبيل تجاوز النظرة النمطية إلى الصوفية كطائفة تعيش على هامش المجتمع، متجنبة الاشتباك مع قضاياه ومشاغله.
إن العناية بدراسة الظاهرة الصوفية في أبعادها السياسية، ورصد طبيعة العلاقة بين الصوفية وأنظمة الحكم المختلفة سواء في المجتمع الإسلامي التقليدي أو في الدولة الحديثة، مشغل طالما بقي على هامش التفكير الصوفي.
لا يمكن اليوم تصوّر فكر حي دون أن يجيب عن الأسئلة التي تلح على أذهان المثقفين، لا سيما الأسئلة التي أطلقتها الثورات والانتفاضات العربية، من قبيل: هل يقدِّم التصوّف نمطاً من التدين أو المعرفة الدينية تباركه السلطةُ وتجهر بمساندته ودعم أنشطته؟ وهل يمكن أن يكون التصوّف بديلاً عن حركات الإسلام السياسي التي توحي الأحداث بأنها في أفول في بلدان، وأنها في صعود في بلدان أخرى؟
ولعل من أبرز ما يمكننا توجيه الأنظار إليه اليوم، هو دراسة صورة التصوّف من منظور غربي، وبالأساس في الدرس الاستشراقي؛ فلا يخفى أن التصوّف الإسلامي حظي في الغرب بعناية طائفة من المستشرقين، بعضهم ظل على السطح وبعضهم غالط وبعضهم استوفى أدوات البحث والنظر في هذا المجال المتشعّب؛ فأنتجوا فيه من الدراسات والبحوث ما قصرت عنه كثير من الدراسات العربية.
المأمول أن تساهم "بوابة طواسين" في نشر المعرفة الصوفية وتجربتها، بعيداً عن الترويج للتصوّف الطرائقي الذي ساهم ربما في اغتيال التجربة الصوفية. فما يليق بالمسلم المعاصر هو ما يناسب حياته التي تطلب منه السير في اتجاهين؛ حياة عقلية تغذي ملكة التمييز والنقد، وحياة روحية تسمو عن الصغائر والمادية والعنف.