منذ 2015، توالت الحملات الطلّابية والأكاديمية الداعية إلى إنهاء الكولونيالية في مختلف جامعات المملكة المتّحدة وتمثيل أفضل للثقافات "غير البيضاء" في المناهج الدراسية، ومكافحة التمييز العنصري ضدّ الطلّاب غير الأوروبيّين. من هذه الحملات: "لماذا منهاجي أبيض؟"، "وإسقاط تمثال رودس".
أمّا "مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية" (LSE)، فتُبادر إلى أخذ النقاش إلى مكان آخر من خلال ندوة بعنوان "تفكيك كولونيالية دراسات الشرق الأوسط" التي تُقام غداً الثلاثاء، بمشاركة باحثاتٍ من أصولٍ شرقية، هنَّ المصرية سارة سالم، والإيرانية ماريل شاشميري فارد، والعراقية سارة كاماتشو فيليكس، إلى جانب الأكاديمي البريطاني مايكل ماسون.
يناقش هؤلاء واقع الدراسات الشرق أوسطية في الجامعات البريطانية، وأثر العلوم الاجتماعية في تكريس تصوُّرات بعينها عن المجتمعات الشرقية، وغير الأوروبية بالعموم، وخاصّةً بلدان "الشرق الأوسط"، حيث تتخصّص سالم في استكشاف العلاقة بين الرأسمالية وما بعد الكولونيالية والعنصرية، في حين أنّ فارد متخصّصةٌ في تقاطعات الحرب الباردة والحركات الثورية المناهِضة للاستعمار في إيران، بينما تدرس فيليكس إعادة صياغة التعليم في "مدرسة لندن" من خلال عدسة تفكيك الكولونيالية الأكاديمية، بغية تكوين فهم أفضل لمستقبل الدراسة الجامعية والهوية والعدالة.
من أبرز الموضوعات المطروحة للنقاش قائمةُ القراءات المعتمَدة في المناهج الدراسية من قبل الأكاديميّين، والأدبيات المتّفق عليها، ورفض هذه الفئة - المهيمنة على اختيار وتحديد القراءات - الاعترافَ بمصادر المعرفة الأخرى خارج العالم الغربي في العلوم الاجتماعية على سبيل المثال، حيث يُقرأ واقع "الشرق الأوسط" كما يرويه الغربيّون، مع حضور رمزي وخجول لمفكّرين من الاتجاه الآخر.
تهدف هذه النقاشات، التي بدأها طلّاب وسرعان ما استقطبت أكاديميّين وسياسيّين وشخصيات مؤثّرة في بريطانيا، إلى إعادة التفكير في الهيكلية داخل الجامعات وتسليط الضوء على غياب المساواة عنها، كذلك تطرح أسئلةً عن إنتاج المعرفة، مثل: من أين تأتي "المعرفة الشاملة"؟ وما الذي يجري استبعاده من المناهج الدراسية ولماذا؟ وما هي هياكل القوى التي تشكّل الجامعات وتؤثّر على خياراتها؟
لم تعد هذه النقاشات تقتصر على الملامح الكولونيالية العامّة التي تظهر في المناهج، بل بدأت تتوسّع لتشمل طبيعة المعرفة التي تنتشر وتُكرَّس من خلال التعليم العالي، إلى جانب مناقشة الاستشراق في المراجع المعتمَدة، فضلاً عن الذكورية، حيث يهيمن المدرّسون الذكور على برامج العلوم الإنسانية مثل الفلسفة. وربّما لذلك يسعى هذا التيار داخل "مدرسة لندن" إلى كسر هذه الصورة بتغليب الدراسات النسوية في هذه الندوة للحديث عن تفكيك كولونيالية الدراسات الشرق أوسطية.
المفارقة في ما تقوم به بعض الجامعات الغربية تتمثّل بأنّها لا تغيّر المضامين، ولكنّها تجعل من أساتذة من خلفيات مشرقية وأفريقية يقدّمون "المضمون الأبيض" بدلاً منها، لتكون تمثيلية التنوّع العرقي وليس الفكري طريقةً مثيرةً للسخرية في تصوير تعدُّدية الفكر في الأكاديميا البريطانية.