مفكرة المترجم: مع علي حاكم صالح

01 أكتوبر 2019
(علي حاكم صالح)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "ترجمة الفكر العالمي درسٌ عرفه العرب القدامى ونفّذوه، ولم يقدّره بعض المحدثين حقّ قدره" يقول المترجم العراقي في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- مثلما تعرفون، فإنّ الترجمة عندي مشروع مشترك منذ البداية مع زميلي حسن ناظم. البداية كانت مشتركة وما لحقها بعد ذلك أيضاً. انطلقنا من فكرة أن نسهم بوعي في عملية الترجمة. وكان ذلك في بدايات تسعينيات القرن العشرين تحديداً، حيث كنّا ننهي دراستنا لنيل درجة الماجستير. ويبدو الأمر كما لو أنّ شيئاً تحرّك وظلّ متحركاً.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- كتاب للفيلسوف الألماني هانز جورج غادامير عن الشاعر باول تسلان بعنوان: "من أنا ومن أنت؟" وهو تأويلات لمجموعة شعرية لتسيلان. وحالياً، نعمل - حسن وأنا - على إعادة طبع بعض الترجمات.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- موضوعياً؛ هناك عقبة ضعف الدعم المؤسسي، أو حتى انعدامه، والشحّ في مشروعات الترجمة، ما يترتّب عليه طبعاً من ضعف الدعم المادي، وهدر في حقوق الترجمة والمترجم، والتباس العلاقة أحياناً بين المترجم والناشر. فضلاً عن عقبات ذاتية تخصّ كلّ مترجم بالطبع. وما زالت إلى اليوم تنشر المطبعة العربية كتباً لا تُقرأ ليس لعدم أهميتها، بل لسوء الترجمة. وثمة فوضى بهذا الخصوص.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- منذ بدايتها، كانت علاقتنا بالناشرين جيدة جداً، لربما كنّا محظوظَين أن نتعامل مع ناشرين ملتزمين، وصادقين، وما زلنا في هذه العلاقة وعلى هذا النحو. في ما يتعلّق باختيار العناوين، فهي دائماً من اختياراتنا، يحدث أحياناً أن يقترح ناشر عنواناً ما، ويبقى ذلك محل نقاش وتفاهم.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- لم نختر يوماً عملاً معيناً لاعتبارات سياسية محدّدة، مع إدراكنا أنّ كلّ عمل فكري مشتبك بالسياسة بمعناها الواسع: أي أن الإنسان كائن سياسي، لأنه لا يمكن إلا أن يعيش في مجتمع وكيان سياسي، وينشغل بالبعد السياسي للحياة، وإن لم يكن له نشاط سياسي محدّد. بأي حال، كل ما ترجمناه لم يكن لاعتبارات سياسية محددة، رغم أن كلّ ما ترجمناه يقع تقريباً في نطاق البُعد الذي أشرت إليه، في نطاق أنّ الفكر بعامة يسعى إلى ترتيب العيش المدني المشترك وتحسينه وفق قيم معينة. لذلك، فإنّ قيم الفهم الحر والنسبي والحوار من أولوياتنا، وإن الحقيقة وليدة الحوار، واحترام الإنسان بما هو كذلك، والتفكير الحر، والتساؤل الحر، والتعددية في الفهم وغير ذلك هي قيم تقع في صلب العيش المشترك، وهي قيم واضحة في كلّ ما اخترنا ترجمته، سواء أكان ذلك في نظريات القراءة والاستجابة، التي ترجمنا عنها كتابين مهمين، أم في كل ما ترجمناه من كتب الفيلسوف الألماني هانز جورج غادامير.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- العلاقة بالنصّ أساساً. علاقة فهم يتبلور تدريجياً حتى يغدو الكاتب جزءاً من المترجم نفسه، والنصّ النهائي من صنع الاثنين. فيستحيل الطرفان طرفاً واحداً. يتلبّث المترجم عند ما يترجمه طويلاً، شيمته التأنّي، والصبر لإيواء الغريب. ويمكن القول إن الطرفين ينقادان في عملية انصهار في آفاق النصّ النهائي، فهذا محصلة عملية تفاوض مضمرة بين الكاتب والمترجم تتحرك وحدها شريطة الجدّية والصدق.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- هما واحد، ينموان معاً من دون حسابات مسبقة. والمحصلة النهائية أوضح لمراقب خارجي منها للمترجم أو الكاتب نفسه. وبالتأكيد يحدس المترجم كم، وإلى أي حد، أثّر أحدهما في الآخر، وهي آخرية افتراضية، لأنهما واحد. لا شك في أنّ العمل الطويل في الترجمة كتابة، والكتابة نفسها هي ترجمة بمعنى معين.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- مشجعة، ومفيدة، ومحرّضة على التدقيق، والاعتناء في الاختيار والترجمة، لأنها بكلّ بساطة تخلق نوعاً من التنافس. وشأن كل تنافس، يسعى المتنافسون إلى إنتاج بضاعة جيدة. وهذا ما نراه اليوم جلياً في الترجمات الفائزة. لكن يجب ألا تكون الجائزة هدف المترجم، لأنّ ذلك قد يكون معطلاً ومعرقلاً. فليس كل ترجمة جيدة يجب أن تفوز بجائزة.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- مشكلة مشاريع الترجمة المؤسساتية، قلّتها ومحدوديتها، وغالباً ما تكون مرتبطة بتوجهات حكومية لا تلبث أن تتعطل بتعطل الحكومة نفسها، وعدم وجود مشروع يختص بحقل دراسي ومعرفي معين ينقل أغلب ما كتب فيه، فضلاً عن محدودية اللغات المصدر التي يترجم منها إلى العربية. إن ما يعتري الترجمة كفعل ثقافي وتاريخي من وهن وضعف إنما هو جزء من حالة أوسع وأشمل.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- لكل فعل أعرافه، وإن لم تكن مثبتة سلفاً، أو محسوبة مقدماً. المبدأ الرئيس هو إنتاج نصّ مهم وواضح ومقروء. وغالباً ما نعتمد في الترجمة ما شاع ورسخ في الثقافة العربية من ترجمات للمصطلحات والمفاهيم كي نتجنب الغرائبية، اللهم إلا في حالات لا نجد مقابلاً عربياً، أو لا نجد مقابلاً عربياً مقنعاً أو دقيقاً حتى وإن كان شائعاً.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم يحدث، ولا أظن سيحدث، أن ترجمنا نصاً ندمنا عليه، لأننا، حسن وأنا، نترجم بعد مشاورات طويلة. وآية ذلك أننا بدأنا بإعادة طبع بعض ما ترجمناه لما لاقته ترجماتنا من قبول طيّب من طرف القرّاء والناشرين معاً.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- أن تواكب الترجمةُ إلى العربية النتاجَ العالمي في جميع حقول المعرفة، وأن تطلق الجامعات مشروعات ترجمة، وأن تخصّص لها أموالاً ومترجمين ومجلات، وأن تلزم كلّ أستاذ جامعي بترجمة كتاب، على الأقل في حقل تخصّصه، وأن يعرف الجميع أنّه من دون الترجمة لن يكون ثمة فكر أصيل. هذا درسٌ عرفه العرب القدامى ونفذوه، ولم يقدّره بعض المحدثين حق قدره.


بطاقة
أكاديمي ومترجم عراقي من مواليد 1966، يعمل أستاذاً في "جامعة ذي قار". ترجم بالاشتراك مع حسن ناظم عدداً من أعمال الفيلسوف الألماني جورج هانز غادامير، منها: "الحقيقة والمنهج" (2007)، و"طرق هيدغر" (2007)، و"التلمذة الفلسفية: سيرة ذاتية" (2013)، و"من أنا ومن أنت: تعليق حول باول تسيلان" (2018). من مؤلفاته: "المجتمع اللااجتماعي"، و"الأيديولوجيا وتمثيلاتها الفلسفية في الفكر العراقي الحديث".

المساهمون